العدد 3965 - الإثنين 15 يوليو 2013م الموافق 06 رمضان 1434هـ

بكاء وديع

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

أرأيتم شريط الفيديو الذي بثته منظمة «بتسليم» الحقوقية الإسرائيلية والذي يظهر جنوداً إسرائيليين يقومون باحتجاز طفل فلسطينيّ وديع في الخامسة من العمر؟ أرأيتم الطفل وديع وقد ارتعدت فرائصه من هول التهمة وعدد الجنود الذين يحاصرونه؟ هل استطاع صوت بكائه أن يثنيكم ولو قليلاً عن متابعة أخبار ميادين التحرير ورابعة العدوية وغيرها؟ هل استطاع هول المشهد أن يحوّل صيحات أولئك الملايين من المتظاهرين إلى قضيّتنا الحقيقية؟

قطعاً لا! ولكن طوبى لك يا وديع فقد أيقظتنا صرختك البريئة ولو لدقائق. أيقظنا صوتك الطفوليّ المسلوب على حقائق كدنا ننساها أو نتناساها، وطوبى لك يا «بتسليم»! وطوبى لبيانك الذي ورد فيه: «أنّ سبعة جنود وضابطاً قاموا باحتجاز الطفل الفلسطيني وديع مسودة وعمره خمس سنوات وتسعة أشهر من مدينة الخليل يوم الثلثاء التاسع من يوليو/ تموز الجاري لمدة ساعتين بحجة أنه ألقى حجراً على الشارع». فلولا بيانك ما عرفنا وما سمعنا وما رأينا ما رأينا، ذلك أن إعلامنا العربي مشغول بالميادين وبالمخلوعين والمنصّبين.

نعم، هدّد أولئك الجنود الطفل ووالديه وكبّلوا والده وعصبوا عينيه ونقلوهما، الأب والطفل، إلى معسكر للجيش واحتجزوهما أكثر من ساعتين، ثم نقلوا الطفل ذا الخمس سنوات بعد ذلك إلى الشرطة الفلسطينية.

شكراً لك يا «بتسليم» كونك اعتبرت أنّ «احتجاز طفل تحت سنّ المسئولية الجنائية، وفي سنّ مبكرة كهذه، أمر يفتقر لأي مرجع قانوني». وشكراً لك كونك طالبت – بالنيابة عنّا- المستشار القضائيّ لمجلس مستوطنات الضفة الغربية الرد على هذه الحادثة الخطيرة.

وشكراً، شكراً لك كونك ذكّرتنا بتاريخ أسود وحاضر مؤلم تعانيه الطفولة الفلسطينية، نعم هذه هي حياة الطفل الفلسطيني فمن يحفظ حقوقه؟ كم من طفل قد ولد في المعتقل ليحرم ضوء الشمس ورؤية والدٍ يحتضنه بسعادة؟ كم من طفل مولود في معتقلات الاحتلال الصهيوني حُرم من أبسط ما يحتاجه ويستحقه بلا ذنب ارتكبه؟ ألا اسألوا وائل ابن الأسيرة المحررة ميرفت طه، ونور ابن الأسيرة المحررة منال غانم، وبراء ابن الأسيرة المحررة سمر صبيح، وآخرين.

هؤلاء الأطفال الذين أبصروا النور، وأطلقوا صيحاتهم الأولى في سجون الاحتلال وعاشوا شهوراً وسنوات في الأسر مع أمّهاتهم. هؤلاء قرأوا عندما كبروا «كلُّ الناس يُولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهِبوا ضميراً، وعليهم أن يُعامِل بعضُهم بعضاً برُوح الإخاء»، كما نصَّت عليه المادَّة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلاَّ أنَّ ذلك لا ينطبِق على الشَّعب الفلسطيني، وليس داخلاً في القاموس الصهيونيِّ في تعامُلِه مع هذا الشَّعب، خصوصاً الأطفالَ، فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول لعام 2000، شنَّت الحكومةُ الإسرائيليَّة حملاتِ اعتقالات عشوائية بشكل جماعي، ومن دون تمييز، لم يَسْلم منها أحدٌ، فقد جرى اعتقالُ أطفال ونساء وكِبار في السِّن، بل أصاب الاعتقالُ عائلاتٍ بأكملها.

أمّا حادثة اليوم فطفل وديع لم يفعل شيئاً سوى أنّه مارس طفولته بوداعة الأطفال فألقى حجراً بعبث الطفولة دون تدبير ولا تنسيق مع المتظاهرين غير الموجودين! ورغم ذلك لقي ما يلقاه المجرمون والمخرّبون. وكم من طفل غيره اُعتقل بغير ذنب سوى أنّه فلسطينيّ يحبّ أرضه، وأمّه فلسطين... ليعاني مرارة الاحتجاز والاعتقال والاستجواب والتعرّض للتهديد والتعذيب وما من معين ولا من مجيب.

بكاء الطفل وديع ذكرني ببكاء العالم على شاليط؛ فقد ضج العالم وصرخ، وتباكى على أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، وسعى العالم بجهد جهيد ونشاط كبير لا حدود له في محاولات كثيرة لإخراجه من أسره، بينما أطفال فلسطين لا بواكي لهم! بل يتعرضون، خلال التحقيق معهم، إلى أنماط مختلفة من التعذيب والاهانة في ظروف اعتقالية سيئة للغاية من حيث حرمانهم من زيارة أهاليهم وتعرضهم للضغط النفسي والجسدي الناتج عن استمرار احتجازهم، إضافةً إلى حرمانهم من وصول الملابس والمواد الغذائية، فضلاً عن حرمانهم من متابعة تحصيلهم العلمي وما يترتب على ذلك من آثار نفسية ومعنوية، وأخيراً وليس آخرا حرمانهم من تلقي العناية الصحية المناسبة.

نعم، في معتقلات الاحتلال الصهيوني وآلامه، لا يسعني إلاّ أن أسجل استغرابي لهذا الإهمال العربي والإسلامي والدولي لحقوق الطفل الفلسطيني الأسير والذي يعاني معاناة الكبار، وقد حرم حياة الطفولة في زمن صدّع أهل الحقوق رؤوسنا ببياناتهم وقوانينهم... بينما صوت صرخة الطفل الصغير وديع قرب مدرّعة يحوطه جنود سبعة لا يأبه بها أحد.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3965 - الإثنين 15 يوليو 2013م الموافق 06 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:36 ص

      شكرا

      هؤلاء الأطفال الذين أبصروا النور، وأطلقوا صيحاتهم الأولى في سجون الاحتلال وعاشوا شهوراً وسنوات في الأسر مع أمّهاتهم. هؤلاء قرأوا عندما كبروا «كلُّ الناس يُولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهِبوا ضميراً، وعليهم أن يُعامِل بعضُهم بعضاً برُوح الإخاء»، كما نصَّت عليه المادَّة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلاَّ أنَّ ذلك لا ينطبِق على الشَّعب الفلسطيني، وليس داخلاً في القاموس الصهيونيِّ في تعامُلِه مع هذا الشَّعب

    • زائر 2 | 4:30 ص

      مدرعتهم ومدرعتنا

      نعم، في معتقلات الاحتلال الصهيوني والبحريني وآلامهما، لا يسعني إلاّ أن أسجل استغرابي لهذا الإهمال العربي والإسلامي والدولي لحقوق الطفل الفلسطيني والبحريني الأسير والذي يعاني معاناة الكبار، وقد حرم حياة الطفولة في زمن صدّع أهل الحقوق رؤوسنا ببياناتهم وقوانينهم... بينما صوت صرخة الطفل الفلسطيني والبحريني قرب مدرّعة يحوطه الجنود لا يأبه بها أحد.

    • زائر 1 | 4:26 ص

      ألم؟

      شكرا لك على هذا ا المقال الرائع ولكن ألم تر الطفل البحريني الذي صفع والده وهو على كتفه؟ ألم تر الطفل البحريني الذي استيقظ مذعورا على ركلات رجال الأمن لباب داره؟ ألم تحركك صورة الطفل البحريني الذي فقد والدته وهي على قيد الحياة؟

اقرأ ايضاً