العدد 3995 - الأربعاء 14 أغسطس 2013م الموافق 07 شوال 1434هـ

دفاعاً عن أوروبا متعددة الثقافات

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

عاد الجدل بشأن التعددية الثقافية للظهور بعد تفجيرات بوسطن الأخيرة وجريمة وولويتش واحتجاجات ستوكهولم. يشعر الكثيرون اليوم أنهم مبررون عندما يقولون إن التعددية الثقافية عبر أوروبا والغرب قد فشلت بشكل بائس. يسهل الشعور بأن الثقافات تشكّل حدوداً غير قادرة على التعايش.

ولكن التاريخ أثبت غير ذلك.

يشكّل فهم التأثيرات الثقافية المتعددة في التاريخ الغربي وسيلة مهمة ليس فقط للحدّ من التوترات في مجتمعاتنا وإنما كذلك لتشجيع المزيد من التفاهم والاحترام بين مجتمعاتنا.

يُعرَف عن عصر النهضة الأوروبي، الذي بدأ في القرن الرابع عشر، أنه كان عصر الانشغال بالعلوم والتعلّم والاختراع. ولكن الشغف بالمزيد من المعرفة الاجتماعية والسياسية، بعيداً عن التفسيرات الدينية للعالم، لم يصل الأوروبيين إلا في القرن الثامن عشر عندما شجّع فلاسفة متنورون مثل فولتير ولوك وهوبز أفكاراً للمساعدة على تحسين الأحوال المعيشية من خلال العلوم والمنطق.

أيدت أفكارهم، التي ارتكزت على الفكر اليوناني والإسلامي، أن الحرب والأمراض والفقر والجهل ليست عقاباً من الله يُقبَل بها برزانة، وإنما يمكن الحدّ منها من خلال تطبيق المعرفة. إلا أنه منذ القرن السابع، أعطى الخلفاء والأمراء في ما يُعرف اليوم بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا أولوية لمحاضرات والحديث مع رجال العلم وقضاء ساعات طويلة في المكتبات. أما التقاليد الأوروبية مثل الصالونات الأدبية والتجمعات الاجتماعية المصممة لزيادة معرفة الضيوف، فقد جرى في الواقع اقتراضها من دواوين الخلفاء المسلمين.

كذلك تأثرت المجالات الأدبية مثل الشعر والرواية والرومانسية والشهامة بالمؤلفين المسلمين مثل ابن طفيل في الأندلس، الذي أثّر على رواية دانيال ديفو الكلاسيكية روبنسون كروزو.

وهذه مجموعة صغيرة فقط من الصالات الثقافية التي جرى إحضارها إلى الغرب من العالم المسلم.

كانت الثقافة تاريخياً مفهوماً مستمر التطور بين الحضارات البشرية، استخدمت للربط بين الناس وليس لتفريقهم، وتستمر هيكلتها من خلال تبادل الآراء والقيم والعادات.

وتتكون الثقافة الأوروبية والغربية من تجميع من قرون من التبادل بين الشعوب المختلفة والحضارات المتنوعة. وتعرَّف الثقافة بشكل أكثر دقة بأنها تبادل القيم بين الحضارات، بدلاً من كونها مجموعات من القيم العربية والبريطانية والسويدية والأميركية.

من الغريب بالنسبة لي أن تستخدم التعددية الثقافية ككبش فداء ويلقى اللوم عليها لمشاكل مثل الفقر وارتفاع معدلات الجريمة والبطالة والتطرف. ومن المزعج رؤية بعض صانعي السياسة والمحللين يقترحون تعريفاً أكثر صرامة للهوية الأوروبية أو يصبحون أقل تسامحاً تجاه التبادل الثقافي والاختلافات.

أؤمن أنه من المهم بالنسبة لمجتمعات أوروبا المعاصرة والغربية على نطاق أوسع أن تدرك أن المجتمعات والثقافات تتميز باستمرار، بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية. يجب علينا ألا نرضخ للضغوطات بمعارضة التعددية الثقافية من خلال الخوف بأن قبول الأقليات العرقية في المجتمعات الغربية سيغيرها، فهي ستتغير في جميع الحالات.

تفترض هذه الأسطورة أن الثقافة الغربية تطورت بمعزل، ودون تبادلات مع ثقافات عالية أخرى، وأنه يمكن تعريفها واقتصارها للحفاظ على مجموعة ثابتة من القيم. وهي أيضاً تنكر التأثير العظيم للحضارات الإسلامية على الثقافة الغربية الحديثة، تلك الحضارة نفسها ملك لأجداد الجاليات التي يُنظَر إليها اليوم كتهديد.

إلا أن الأخطر من ذلك هو أن الأسطورة تضلل صانعي السياسة ليظنوا أن الحل لهذه المشاكل الاجتماعية موجود ببساطة في تحدي التعددية الثقافية. وهي تحوّل دور التجربة البشرية التي تحقق التناغم تاريخياً إلى واحدة تخلق حدود تفرقة وحقداً داخل الجاليات.

يمكن للمسلمين وغير المسلمين في المجتمعات الغربية التعامل مع التحديات الاجتماعية التي نواجهها اليوم من خلال قبول واحترام بعضنا كأجزاء متساوية القيمة لمجتمع واحد. إدراك وجود خلافات وفروقات، التي ليس من الضروري أن تختفي، يغني في الواقع ثقافاتنا المتنوعة بينما نعطي ونأخذ لنتطور ونصبح مجتمعات أكثر إنسانية وتقدماً.

يجب التعامل مع العنف والجريمة والتمييز كقضايا اجتماعية واقتصادية يمكن أن تكون سائدة بين جاليات عرقية معينة، ولكنها ليست نتيجة لعرقياتها.

لقد حان الوقت أن تضم المجتمعات الأوروبية والغربية أفضل ما في هوياتها وعاداتها وثقافاتها وأن تتعلم كيف تحتضن وتحترم خلافاتها بدلاً من محاولة محوها. هذا هو السبيل نحو مجتمع أكثر تناغماً وتماسكاً وتقدماً.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3995 - الأربعاء 14 أغسطس 2013م الموافق 07 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً