العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ

العمل الوطني يتطلب أكثر من الشعارات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

العمل السياسي السلمي من أصعب الأمور، ولكن نجاحه أو فشله يحدد مستقبل الأمة، وكثير من الناس الذين ينجحون في فترة الحرب أو الثورة أو الانتفاضة قد لا يتوفقون للنجاح في فترة العمل السياسي. وهذه الظاهرة يجدها المرء في بلدان عدة وعبر مختلف الأزمنة، والبحرين ليست استثناء. ففي حديث مع ضيوف زاروا البحرين حديثا قالوا إنهم (وهم من العراق) كانوا يشيرون بالبنان الى المعارضة البحرينية وكيف انها استطاعت ضبط أجندتها وشعاراتها وحصلت على شرعية أهلية ودولية وأوصلت صوتها المعتدل إلى العالم، بينما عجزت حركات المعارضة في البلدان الأخرى عن الوصول ولو الى جزء يسير مما وصلت اليه المعارضة البحرينية.

غير أن الضيوف استغربوا من وضع المعارضة حاليا وكيف وصلت الى مرحلة صعبة على رغم تغيير الظروف الى الأفضل نسبيا. المعارضة قبل العام 2001 كانت أكثر قوة ليس لأنها اتبعت أساليب عنف، بل لأنها ابتعدت قدر استطاعتها عن ذلك وركزت على طرح عقلاني معتدل. ولم يكن ذلك الطرح المعتدل عشوائيا أو انفراديا من هذا الطرف أوذاك، بل كان يأخذ في الاعتبار الخريطة السياسية ويحصل على موافقة الرموز والجماعات المتحركة في الساحة (سواء على مستوى الشارع أو النخبة) قبل طرح أي شعار أو بيان سياسي. والبيان كان حصيلة مشاورات وقناعات مشتركة بين طيف له ألوان عدة ولكنه اجتمع على قواسم مشتركة ركزت على الحقوق الدستورية والبرلمانية بحسب ما نصت عليه المواثيق الدولية لاسيما الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

أما بعد الاصلاح السياسي في مطلع العام 2001 فان الأجندة السياسية لم تعد موحدة ولم تستطع القوى السياسية من الحصول على اتفاق ورضا حول الأهداف ولم تطرح أية قضية لحد الآن تم الاتفاق عليها كما كان الأمر سابقا. وحتى مسألة المقاطعة البرلمانية فان الاتفاق لم يحصل داخل هذا الصف أو ذاك، بل أن الذين كان لديهم رأي آخر «خافوا» من اتهامهم بـ «العمالة» أو «الخيانة» أو «الهزيمة» وانسحبوا تاركين «الحبل على الغارب».

قبل العام 2001 كانت الحوارات تشمل الجميع ورأي المتصدين للساحة يؤخذ في الاعتبار وبرزت صورة موحدة للمعارضة وكانت تلك الصورة الموحدة والمعتدلة سر نجاحها. والأمر لم يكن شعارات فقط بل كان عملا دؤوبا يأخذ في الاعتبار مختلف الآراء والفعاليات ضمن اطار متفق عليه بصورة جماعية.

بعد العام 2001 لم تكن هناك أية حوارات حقيقية، وطغت الشعارات على المحتوى وانهمك البعض يخوف ويخوّن ويسخّف البعض الآخر، بينما ابتعد عدد غير قليل عن الساحة وفضلوا التركيز على الشئون غير السياسية حفاظا على أنفسهم من سيل الشتائم الذي يشبه الجراد عندما يهجم على أرض مزروعة فيهلكها من دون رحمة.

الشعارات غير المدروسة والهجوم غير المنضبط من شأنه أن يقتل اجماع القوى السياسية ويحاصر رافع الشعارات في زاوية ربما تضطره للتخلي عن كثير من التوازن في الطرح وبالتالي استدراج الساحة السياسية الى أجندة غير متفق عليها أساسا.

آن الأوان للرجوع إلى أولويات العمل السياسي الذي يعتمد على الحوار والأخلاق والعمل الجاد الذي لا يبسط الأمور إلى درجة تسخيف العمل السياسي وتهريب الناشطين الناضجين عن الساحة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً