عذراً... سأتحدث هذه المرة بلسان «أنا» وليس بلسان «نحن» كي لا يكون الحديث باسم العموم والكلام بالمُجمل. أتحدث باسمي «أنا» المواطن بالأصالة وبالدم انتماءً وولاءً لهذا الوطن كي أزيح فكرة من اعتقد أني بحرينيٌ بالمنحة. فأنا المواطن البحريني يقيناً وصدقاً وإيماناً بوطنيته وبحبه لهذا الوطن، كل الوطن، بكل أهله وترابه وبحره وسمائه.

اتحدث باسمي مخاطباً وزارة التربية والتعليم الموقرة بعيداً عن أذم الأخلاق، وبلسانٍ لا شيء فيه من هوى العصبية، أو لقاح الطائفية، أو منافخ الفتنة، منطلقاً من مبدأ الحق الإنساني والعدالة الاجتماعية، ومن مبدأ كرَّسه الدستور بحق المواطن في إبداء رأيه والتعبير عنه بالنشر أو بالقول أو بالكتابة وغيرها، مع عدم المساس بوحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية، وذلك بمقتضى المادة رقم (23) من الدستور.

ولكي لا يؤخذ على قولي التجني أو الإساءة، أوجّه خطابي هذا من باب التساؤل فقط مع كل التقدير والاحترام لهذه الوزارة الموقرة وليس من باب الإهانة أو الاتهام، لعل ذلك يحمل على حسن الظن بي دون أن أُفْسِد التقدير والاحترام. ولكن لتعذرني هذه الوزارة الموقرة بأن أخاطبها بعين الصراحة بعيداً عن الإيماء، وبجعل النقاط على الحروف دون غموض، لأننا أمام قضية وطنية ذات بعد إنساني قد أرَّقت العيون وآلمت النفوس وحملت الكثير من الجراح، ولم تكن هذه القضية مجرد حدث عابر. وأن أقل ما يساويها هو وضع النقاط على الحروف. وهذا التساؤل المطروح منحصرٌ في سؤال واحد فقط هو «ما علة هذا السَخَط»؟.

ولنبدأ القضية من هنا، فبالأمس القريب استنفرت وزارة التربية والتعليم بسخط ضد المعلمين المنتمين لطائفةٍ بعينها دون سواهم. ولا حاجة لبيان وقائع هذا السخط بالتفصيل خشية الإطالة، ولأن ذلك كان معروفاً وقد كتب عنه الكتاب ما يكفي، إنما يستوجب هنا أن أقول بعيداً عن الإيماء وبصريح العبارة والوضوح حيث يستوجب جعل النقاط على الحروف دون غموض كما قلت، وذلك نظراً لتعاظم المحنة وفداحة المصاب، وأقول أن هذا السخط كان بمثابة عقاب جماعي نُفذ ضد «المعلمين المنتمين للطائفة الشيعية الكريمة وحدهم».

فلتعاظم هذه المحنة ولفداحة هذا المصاب، وخوفاً من أن يكون ما سيأتي أعظم يستوجب التعاطي بهذه الصراحة والوضوح، فإن لم تُقبل هذه الصراحة والوضوح فلا فائدة لأي يراع يكتب أو مقال يُنشر يمس هذه القضية مهما بلغ. فيصبح من ثم الدستور حبراً على ورق، ويمسي المقال واليراع حينئذ كحامل قربة مخرومة لا فائدة منها.

وبعد أن انتهى ذلك الفصل (الأول) شَقَّتْ هذه الوزارة طريقها إلى الفصل الثاني، فامتدت يدها إلى حراس الأمن من الطائفة «الشيعية» الكريمة أيضاً دون غيرهم من العاملين بمعهد البحرين للتدريب المهني لتقذفهم في طواحين المدارس الحكومية، وبمنهجية قال عنها هؤلاء الحراس بأنها لا تليق وكرامة المواطن ولم يُراعَ فيهم المعايير الوظيفية والأصول الأخلاقية.

وبعد أن انتهى الفصلان السابقان لم تكتفِ هذه الوزارة بما أجرته على الفئتين الأولى والثانية، فعادت من جديد (في فصل ثالث) لتمد يدها هذه المرة على أعناق عدد كبير من الموظفين من أقران الفئة الأولى والثانية من العاملين بمعهد البحرين للتدريب، إذ قامت بنقلهم (بشكل جماعي) إلى وزارة التربية والتعليم، وكأنما هناك هدف واحد تسعى إليه وهو تصفية هذا المعهد من العاملين المنتمين لهذه الطائفة الكريمة. وكأن هذه الوزارة لم تُعلّمنا وتعلّم الأجيال السابقة واللاحقة بأن لا نكون قوماً متعادين، ولا أن نكون على بعضنا كارهين متربصين، وأن نتعامل بالقسط والعدل والإنصاف ومراعاة حسن الجوار وطيب المعاشرة، وأن نصون مبدأ الإخاء والتسامح والحب بعضنا لبعض تحت مظلة الوطن الواحد «البحرين».

وإكمالاً لوضع النقاط على الحروف بات لزاماً أن نقف على واقعة الفصل الثالث ليطلع المواطن والقارئ على ما يحمله هذا الفصل دون إسهاب. فقد قررت هذه الوزارة نقل أكثر من 22 موظفاً من العاملين بمعهد البحرين للتدريب (المنتمين للطائفة المذكورة دون سواهم) فأبلغتهم بخطابات مقتضبة تحمل كلها عبارة واحدة هي «نود الإفادة بأنه تقرر تعيينكم في وظيفة... بمدرسة ... اعتباراً من 1/9/2013». دون أن يؤخذ برأي هذا الموظف أو تلك الموظفة، وبدون إشعار مسبق، وبدون مراعاة لأحكام القانون وللمعايير والشروط المعتمدة للوظيفة المنقولة إليها بحسب ما صرح به المنقولون أنفسهم، وبدليل ما قدموه لي من حالات أذكر ثلاثاً منها على الأقل: موظفة تعمل بوظيفة منسقة بيانات تقرّر نقلها للعمل بوظيفة فراشة. وموظفة تعمل بوظيفة أخصائية أولى، وأخرى تعمل بوظيفة أخصائية موارد بشريه، تقرر نقلهما للعمل بوظيفة فني مصادر.

وإن كنت «أنا» هنا لست بصدد الحديث عن قانونية هذا «السخط» (وأعني به الإجراء التي اتُخذ بحق الموظفين المذكورين)، وقد تستند وزارة التربية والتعليم إلى علل وأسباب ومبررات هذا الإجراء، إلاّ أني احتفظ بحقي كمواطن بسؤال هذه الوزارة الموقرة بالسؤال التالي: لما أفرغتم شحنة هذا «السخط» كله - وإن كان له ما يبرره - على العاملين والموظفين المنتمين للطائفة الشيعية الكريمة وحدهم واستثنيتم غيرهم؟