العدد 4041 - الأحد 29 سبتمبر 2013م الموافق 24 ذي القعدة 1434هـ

سورية: ماذا تبقى من شرعية الأسد؟

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

اختبأ النظام السوري منذ بداية ثورة 2011 وراء قصة مفادها بأن جماعات مسلحة متطرفة بدأت هجمات على النظام. كان العالم يراقب ويشاهد عبر التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي ثورة الشباب وتظاهراتهم وتمسكهم بتعبيراتها السلمية وسط استمرار النظام في التصفيات والإعدامات وقنص المتظاهرين، ما بذر أول حالات التعاطف العربي والدولي مع الشعب السوري.

في هذا الإطار بدأت المحاولات العربية (جامعة الدول العربية) ثم الدولية لإيقاف القمع الأمني الذي مارسه النظام في شوارع وأزقة ومدن وقرى سورية. ويمكن الجزم بأن النظام السوري تحت قيادة الأسد كان منذ البداية أمام خيارات عدة أسوأها استخدام العنف المدمر ضد المتظاهرين العزل. سيذكر التاريخ أن سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها النظام ضد الشعب السوري كانت بداية النهاية، فهذه السلوكات تحمل في طياتها بذرة موت النظام. فقد أدى الفتك الذي مارسه النظام شهراً وراء شهر إلى الانشقاقات الكبرى التي شهدها الجيش السوري، ما دفع بالثورة السورية الشعبية السلمية لحمل السلاح والدخول في مرحلة جديدة أكثر تعقيداً.

لقد سعى نظام الأسد عبر استخدام الأسلحة الكيماوية إلى تغيير ميزان القوى وخلق حالة رعب بين الناس. لكن هذا الاستخدام عكس عزلة وعجز النظام على كل صعيد. لقد فوجئ النظام بردود الفعل الدولية والأميركية التي اقتربت من توجيه ضربة عسكرية له. من هنا أصبح الحل الوسط المرحلي لإيقاف الضربة العسكرية غير ممكن بلا تحييد السلاح الكيماوي السوري من خلال تسليمه.

كان آخر الطغاة ممن نتج من سياساته غير المسئولة تدخلات دولية هو الرئيس الليبي القذافي وقبله الرئيس العراقي صدام حسين. فمنذ تسعينيات القرن العشرين إلى اليوم يعاد في منطقتنا السيناريو ذاته الذي يبدأ بأزمة أو أكثر وينتهي بتدخل دولي ونزع أسلحة وإسقاط نظام. فالطغيان والاستبداد واستخدام قوة الجيش الكبيرة ضد شعب ثائر أو إقليم متمرد أو دولة جارة ينتهي عادة بجذب الحلول الدولية والتدخلات الإقليمية. إن تجربة يوغسلافيا السابقة التي انتهت إلى التقسيم في حرب البوسنة والهرسك ثم حرب كوسوفا الشهيرة التي انتهت بمحاكمة ميلوسوفيتش وأركان نظامه تعد نموذجاً لعلاقة الاستبداد بالتدخل الدولي.

وآلام الشعب السوري أكبر من أن تلخص بمقال، فعدد اللاجئين السوريين في الأردن يقترب من المليون ونصف المليون، وعددهم في لبنان تجاوز النصف مليون بينما في تركيا تجاوز 200 ألف وهناك مئات الألوف ممن تركوا سورية لدول أخرى، وهناك ملايين من السوريين ممن أصبحوا لاجئين داخل القطر السوري. خسائر سورية لا تعد ولا تحصى، بالإضافة إلى قتل 120 ألفاً واعتقال وتعذيب عشرات الألوف وتدمير مدن وأحياء سورية وقرى في طول البلاد وعرضها. ولم يكفِ السوريون ما تعرضوا له على يد النظام، فمعاناتهم امتدت إلى مخيمات اللاجئين ولإقامتهم في الدول المحيطة، حيث يتعرضون لصدمة التعامل مع مناطق اللجوء بكل تناقضاتها وتحيزاتها. إن اللجوء هو الأسوأ لأي شعب كما تؤكد تجارب اللاجئين في كل مكان.

لكن المشكلة السورية تزداد صعوبة لأنها لم تعد مشكلة سورية - سورية فقط، فبفضل سياسة النظام القمعية تداخلت أطراف عربية ودولية لدرجة أن الوضع في سورية خرج من يد السوريين ليتحول في جانب منه لصراع أميركي روسي، ولصراع إيراني - خليجي، ولصراع تركي - إيراني. المحنة السورية لن تنتهي في وقت قريب، فالمعارضة تتكون من فصائل عدة كما أن النظام أصبح ضعيفاً رغم قوته العسكرية، فلا النظام قادر على الحسم ولا المعارضة قادرة على الحسم، وهذا يعني أن الحل العسكري للأزمة في سورية يمنع أحد الأطراف من الحسم والانتصار لكنه لا يحقق حلاً سياسياً.

من جهة أخرى، يعكس التردد الأميركي والدولي في توجيه ضربة عسكرية لسورية جانباً مهماً وجديداً في ميزان القوى العالمي منذ حرب العراق وأفغانستان في بدايات القرن الواحد والعشرين. فأميركا لا تسعى كالسابق للبحث عن حروب جديدة كما أنها لا تستطيع أخذ قرارات متسرعة نظراً للأوضاع المالية والاقتصادية والتكاليف بالأرواح. الولايات المتحدة تغيرت، لكنها مازالت قوة كبرى، وإن كانت تميل رويداً رويداً للشراكة مع روسيا في التعامل مع ملفات عدة كما هو حاصل في سورية. وتسعى الولايات المتحدة في سورية إلى تحقيق أهداف سياسية من خلال التهديد باستخدام القوة، لهذا قد تستخدم القوة في ظرف استثنائي قادم في سورية، لكن هذا الخيار هو خيارها الأخير وليس الأول كما كان في السابق.

ونظراً لكل هذه الوقائع منذ 2011 لن ينجح الرئيس الأسد في البقاء في سدة الحكم. فأقل ما يقال إن سياسة الأسد كانت قصيرة النظر، وانتهت فشلاً ذريعاً في إيقاف الثورة أو استيعابها، بمعنى آخر سياسة الأسد فشلت في تجنيب سورية السيناريو الأسوأ. وهل من المنطقي أن يكون من دمر سورية بانيها، ومن أوصلها لهذه الحالة بسبب ضعف القرار والعصبية من يعيدها إلى خريطة طريق المستقبل؟ هل يعقل أن من سبّب هذا الإذلال للشعب السوري وهذه الحالة من اللجوء أن يشرف على عودتهم لبلادهم؟

لقد انتهى نظام الأسد، لكن بقايا الدولة السورية لم تنتهِ ومازالت قائمة من خلال أجهزة عدة بالإضافة إلى الجيش السوري، كما أن الجيش السوري الحر يعكس جانباً آخر من الدولة السورية التي انشقت على نفسها، أما المعارضة فهي لاتزال في طور التطور وترتيب صفوفها وخلق توازناتها. إن الصيرورة السورية، رغم أصوات المدافع، تتدافع مع نفسها وفي ظل واقعها بكل الاتجاهات لتكتشف طريقاً شاقاً نحو سورية انتقالية تسمح ببناء شروط وقف القتال والبدء بترميم ما صنعه الاستبداد. في سورية شعب شجاع ومبدع، بإمكان كل هذا أن يتحول إلى البناء.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4041 - الأحد 29 سبتمبر 2013م الموافق 24 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 12:24 م

      لا تتكلم بئسم الاسلام

      انتم ومفتين الناتوا وعلماء التكفيرين اخر من يتكلم عن الاسلام وعن المستضعفين فى العالم الاسلامى لقد فضحكم الله وبتم عار على الاسلام المحمدى الاصيل وكل كلامك مردود عليك نصيحه لوجه الله استيقظ من سباتك العميق بشار ليس بنبى لقد اخطى كما اخطى كثير من زعماء وملوك هادا العصر ولكن لاتكن كل النعامه تدفن رئسها فى الرمل ومكشوفه ...........لمادا لم تهبوا فى غانا واحد وغانا اثنين وثلاثه وصبرا وشتيلاء هائولاء لم يكونوا اطفال فى عمر الورود

    • زائر 13 | 7:01 ص

      يدفع الله الشر لكن بوش الإبن كان أقشر !

      يقال من المزارع مزارع شبعا- لم تشبع ولكنها تشبعت كما يقال بالمزرعه مشرحة ليس فيها شرح لكن مزرعة وزرع في أفغانستان حشيش ومخدرات من أجل التجارة العالمية كما يقولون. هنا إرهاب الصهيوني خايف على تجارة المخدرات أو على تجارة الأسلحة أو تجارة بالبشر؟

    • زائر 12 | 6:55 ص

      المبهم قد يكون من البهيمة أو بهيمة من الأنعام

      يقال من المعادلات الصعبه كما أورده بعض الناس سوريا وروسيا. فقد بنية القلاع في البحرين منها قلعة دلمون ومنها قلعة عراد أو أرادوس وقلعة غير إسمها من الحنينية الى ... هنا المقال ليس عن من قال لكن عن من ثبت على الحرب. وأن ما حدث في العراق ليس من الخطايا أو لا يكون من الرزايا لكنه معصية للرب. فكما لا يرضا ولا يرضي الله قتل الناس. تعجب جحا من منطق بعض ...

    • زائر 11 | 6:50 ص

      قد يقال أو لا يقال عن زوال كيانات إسرائيل لكن

      قد يكون يوم عبوسا قمطريرا لكن صار أطلسي حلف خسران يعني في تجارة عالمية حره بال ظوابط تظبطها متلبسة بجرائم أو في الحروب على الإرهاب لكن صادهم مس أو أمسك بهم رهط يعني شيب (...) وبنيانهم الذي بنوه – يعني تجارة خاسرة لا أساس ولا أصل لها في التعليم كما في الصحة كما في بقية وزارة الدولة الدمويه.

    • زائر 9 | 2:57 ص

      عن أي شرعية تتحدث!!!! هل الشرعية عندما تطالب المعارضة بتدخل عسكري

      شرعية الرئيس السوري بشار الأسد من الشعب السوري فلولا وقوف الشعب بجانبه لأنهار وسقط من بداية الأشهر الأولى والعجب من هذا كله بقولك لاشرعية للنظام السوري فهل تريد ان يحكم سوريا جماعات متشددة تاكل الحجر والبشر
      هؤلاء لايقاتلون بارادتهم الذاتية وانما يفاتلون باموال خليجية واعني مايسمى بالجيش الحر واعوانه من القاعده ....كل التحية للجيش العربي السوري الصامد والصابر والذي يحقق الأنتصارات تلو الأخرى .. هل سمعتم عن معارضة تطالب بتدخل عسكري لتدمر ماتبقى من حجر في بلادها أهذي معارضة أم ؟؟؟؟؟؟

    • زائر 8 | 2:26 ص

      سلاطين فول وسلاطين زيت زيتون ولا بقاء لإسرائيل!

      من الألعاب العاب الأولمية ومن الخطر اللعب بالنار لكن أسلحة نارية وأسلحة كيماوية وجدت ووثقت عبر الأقمار الصناعية. كما أن الأسلحة التي في حوزة المعارضة الغير سورية لكن دعاية أو بدعة إبتدعتها إسرائيل ومولها شطار من العرب لتكسب إسرائيل الجولة في سباق التسلح رغم أن القتل حرام وليس مباح. اليوم أمريكا كما إسرائيل ليس لهم أو عندهم حجة للبقاء لا في الخليج ولا على أرض فلسطين. ويش غلبت الروم أو لم تغلب؟ أو حكام ولايات متحدة ما عندهم سالفة؟

    • زائر 7 | 2:05 ص

      تبقى له دعم الخونة والمغيبين

      تبقى لهذا النظام المستبد دعم خونة الإسلام والعروبة .. من تجردوا من كل مشاعر الإنسانية والدين ليدعموا نظاما مجرما ولغ في دماء شعبه حتى الثمالة .. آلاف الأطفال نحرت رؤوسها وآلاف النساء اغتصبن وآلاف المساجد قصفت وهدمت ودنست أما المناطق السكنية فقد قصفت بأسلحة لم يجرؤ هذا النظام ولا زبانيته على اطلاقها على الكيان الصهيوني .. ولا زال بعض المغيبين يدعم مثل هذا النظام المسخ .. إنها الطائفية لاتعمى الأبصار ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور

    • زائر 6 | 1:40 ص

      وجهة نظر وشكرا للوسط . .

      تعجبني جريدة الوسط فهي تتبنى الديمقراطية وتسمح بعرض كل وجهات النظر بحيادية تامة ودون تدخل منها حتى وإن كانت تجانب الصواب أو تخالف إيدلوجيتها. . كثير من الصحف الأخرى تتبنى لوناً واحدً وصنفاً واحداً ولا تسمح للجهة الأخرى أن تتحدث . . تحية للوسط .

    • زائر 5 | 12:03 ص

      المعارضة السورية أضعف من أي وقت مضى في خضم التحضير لمرحلة التفاوض

      ارجع للصحيفه نفسها الوسط قسم اخبار دوليه واقرء جيدا .

    • زائر 4 | 11:37 م

      نظرة معوجة..

      قراءاتك كلها خاطئة ... الله يعينك على مابتلاك

    • زائر 3 | 10:52 م

      غريب جدا يااستاذ

      كان يجب ان يكون العنوان ماتبقى من ثورة سوريا !!! النظام لم ينشق عنه لحد الآن رجالات الصف الاول لا عسكرين ولا مدنيين وحتى المواطنين العادين مقارنة بغيرهم من المرتزقه مئات الالوف جاءت من خارج سوريا لتقاتل بربك اين شعب سوريا .؟! العنف الذي صرح به بيان الجيش الحر لداعش لك ان تعود له وتسطر المعارضه في الخارج كل هذه امور تدلل ان النظام مازال في موقع القوه رغم تكالب الانظمه ودفع المليارات وفتح المستشفيات والقنوات الاسرائيلة للمعارضة الدوليه وليست السوريه لانها خليط من كل بلدان العالم

    • زائر 2 | 10:14 م

      يا شفيق يا غبرا

      لماذا هذا التحامل على نظام الاسد ولم يبقى مرتزق ولا ارهابي ولا مجاهدة سفاح الا ودخلوا سوريا ودمروها
      ولما الدول العربية لم تتحرك لدول اخرى وتدعم المطالبين بحقوقها مثل اليمن والبحرين
      لماذا سوريا
      هل تعلم لماذا
      اكيد انك تعلم والكل يعلم
      إنها سوريا الاسد الداعمة للمقاومة
      هذا هو السر الذي تريد ان تدفنه يا غبرا

اقرأ ايضاً