العدد 4066 - الخميس 24 أكتوبر 2013م الموافق 19 ذي الحجة 1434هـ

المدرسة والتعليم البيئي

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

في بداية العام الدراسي من كل عام تتوجه أنظار المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه إلى المدرسة، تلك المنارة التربوية والخلية الاجتماعية المهمة التي يعلق عليها الكثير من الآمال في تحقيق التغيير النوعي للمسار التربوي وترسيخ القيم الاجتماعية السليمة وتعزيز قوة وفاعلية البناء الاجتماعي في مواجهة اتجاهات العصرنة المنفلتة وغير المتوافقة مع جوهر قيمنا الحضارية، والتي صارت مصدراً خطيراً على واقع أمتنا الثقافي والحضاري ومنظومتها القيمية.

وليس غريباً في ظلّ المتغيرات المتواترة في أنظمة التواصل الحديثة وتلاطم الأمواج العاتية لتلك المخاطر، وما أفرزته من مخاوف مشروعة لما يمكن أن ينتج عنها من آثار ضارة على واقع وحدة الكيان الأسري والاجتماعي، أن يكون لهذه المؤسسة التربوية مكانتها في عمق الوعي الاجتماعي، وفي رؤى وفلسفة المختصين في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة، وذلك لكونها تمثل الخلية الاجتماعية الرئيسة التي تتفاعل في إطارها مختلف المناهج والاتجاهات التربوية والتعليمية، والتي يمكن بفعل مناهجها التربوية تقويم وتعديل السلوك الاجتماعي واتجاهات علاقاته المختلفة. وتلك العوامل هي القوة الفعلية التي جعلت المدرسة تكون في مركز اهتمام المختصين وبرامج المؤسسات والمنظمات المختصة بالشأن البيئي.

ونحن نعيش عاماً دراسياً جديداً من الطبيعي أن لا نغفل الدور المهم للمدرسة في تربية النشء وفي تنمية الوعي والثقافة البيئية للمجتمع، وإعداد الكوادر المؤهلة لمواصلة التحصيل في المجالات العلمية التي تفيد تعزيز منهج التكامل في الاختصاص وتلبية الاحتياجات اللازمة لتجسيد اتجاهات الاستراتيجيات الوطنية للبيئة في الدول المشاطئة لحوض الخليج العربي.

وفي إطار ذلك الفهم من الضروري إدراك حقيقة أن ذلك لا يمكن جعله واقعاً ملموساً وتجسيد فاعليته دون وجود المنهج التعليمي المتخصص في المجال البيئي، الذي يراعى فيه منهج التدرج والمرحلية في إعطاء المعلومة والمعرفة البيئية، بشكل ميسر ومبسط بحيث يتيح للمتلقي تقبل المعلومة وفهمها وإدراك أبعادها وتفعيل مفاهيمها في إحداث التحوّل النوعي لحياة المجتمعات المحلية، وبما يسهم في تنمية الوعي والثقافة البيئية للنشء. وذلك المنهج صار ركيزةً في المناهج التعليمية لكثير من الدول.

ومن المناهج التي تجدر الإشارة إليها، منهج التعليم البيئي لطلبة المدارس الدنيا في أوكرانيا، ويعتمد ذلك المنهج أسلوب استعراض المعلومة البيئية بشكل مبسط، حيث يجري التعريف بالأنظمة البيئية ومواردها الحية وغير الحية، والمخاطر التي تتعرض لها والوسائل اللازمة لحمايتها، ويستخدم في سياق ذلك وسائل علمية تتيح للطلاب بشكل حر اكتشاف عوالم البيئة عبر طرق البحث والتحري.

والدول الخليجية هي الأخرى، توافقاً مع تطور الاهتمام العالمي بالقضايا البيئية، وفي سياق جهودها لمواجهة المشكلات البيئية التي اتخذت مساراً تصاعدياً في الربع الأخير من القرن الماضي، أخذت تعير هذه المسألة جل اهتمامها، والعمل على جعلها واقعاً ملموساً في الوعي الاجتماعي، وذلك عبر إدخال مفردات ومفاهيم البيئة والمخاطر التي تسببها النشاطات المخلة بالبيئة، وتأثير التدهور البيئي على صحة وسلامة الإنسان وأمنه البيئي في العديد من المواد التعليمية، والسعي إلى تنظيم المؤتمرات التربوية والعلمية المتخصصة بدراسة اتجاهات تطوير المناهج والوسائل العلمية والمنهجية للتعليم البيئي لطلبة المدارس.

ويمثل ذلك التوجّه خطوةً ايجابيةً يمكن أن يسهم في إحداث التحول النوعي في مسارات التعليم البيئي، بيد أنه يمكن أن يصير ذلك ناقصاً إذا لم يجري الاهتمام بقضايا تطوير قدرات المعلم التربوية والمهنية، والعمل على وضع خطط منهجية لاستخدام الوسائل التعليمية المتاحة لإيصال المعلومة البيئية بشكل مرن إلى الطالب. وعندما نشير إلى هذه المسألة المهمة في حقل العمل التربوي، فإن ذلك ليس مبنياً على فرضيات مبهمة أو اجتهاد شخصي غير مؤسس بل هو نتيجة تجارب واقعية جعلتنا ندرك ضرورات التوافق بين هاتين المعادلتين التربويتين، ففي الشارقة توجد مراكز تعليمية مهمة في منتزه الصحراء يمكن الاستفادة منها في الدروس البيئية وتنمية معارف وثقافة الطالب عن مختلف البيئات في شبه الجزيرة العربية، وتوجيه الطالب بشكل منهجي لاستخدام الوسائل التعليمية المتاحة وتعويده على أساليب البحث العلمي ومعرفة المعلومة.

وفي مملكة البحرين والكويت، توجد مراكز ومتاحف بيئية وتعليمية وتربوية تحتوي معلومات مهمة عن التنوع الحيوي، وتقدّم شرحاً ممنهجاً لمكوّنات النظم البيئية، وتلك المراكز متوفرة في معظم دول مجلس التعاون الخليجي.

ومما يؤسف له ان تلك المقومات لم يجري الاستفادة منها بالشكل العلمي والمنهجي السليم، حيث أن الرحلات الطلابية لهذه المراكز يجري تنظيمها بشكل عابر وغير مبرمج، وتنعدم فيها الإدارة التربوية الصحيحة، ما يستوجب من الجهات المختصة المسئولة عن التخطيط والتوجيه التربوي أن تعمل على تصحيح مسار مناهج الرحلات الطلابية وتوجيهها للاستفادة الواعية من هذه الذخيرة التعليمية والثروة المعلوماتية في الشأن البيئي للتمكن من تعميم ثقافة العلاقة الرشيدة مع مكونات النظام البيئي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4066 - الخميس 24 أكتوبر 2013م الموافق 19 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:15 ص

      تعليق غير موغق

      تعليق الزائر رقم -1- لا علاق له بما تناوله المقال، حيث ان المقال يلامس علاقة المدرسة بالتعليم البيئي ودورها في نشر الثقافة والمعارف البيئية.؟؟؟

    • زائر 1 | 9:13 ص

      واقع الحال

      التعليم عندنا مسيس
      والمسئولين في الوزارة مسيرين وليسوا في غالبيتهم من ذوي الكفاءة المطلوبة، إذ الشهادات وحدها لا تكفي ولا المسميات ولا الألقاب والعوائل ولا التوجهات..

اقرأ ايضاً