العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ

هل يغيِّر المال المودَّة ويخطف الحب؟

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لكل أمٍّ أقدم هذه الكلمات...

مع المسلسل المصري «الوالدة باشا»، والذي أعجبت وتمتعت كثيراً بمشاهدة حلقاته الرائعة، حيث تعرَّفت على جوانب إنسانية رائعة من خلاله، من التضحية والالتزام والطريقة المتميزة، التي كانت هذه الأم تدير بها شئون بيتها وعائلتها مادياً واجتماعياً وحتى نفسياً، والموهبة الإلهية التي حباها الله لهذه الأم غير المتعلمة، والتي تمتلك كل الصفات الإنسانية من الحكمة والنضج والوعي في الإدارة. وأنصح بمشاهدته فهو مميز ويستحق المشاهدة.

لن أقول عنها جاهلة لأنها غير متعلمة، بل هي شديدة المراس والشخصية في تثبيت دعائم العائلة والرعاية، وبفطرة الأمومة من العلم والأخلاق والاحترام، والالتزام بالمثل العليا من الحب والكرامة وعزة النفس والأمانة والإخلاص والصدق.

المسلسل من تمثيل سوسن بدر، والتي أجادت دورها بتمثيلٍ رائع، وذكرتني بالقديرتين من الماضي أمينة رزق وفردوس عبدالحميد.

وتبدأ الحلقات بالأم المناضلة والمحبة لتربية عيالها وحيدة بعد أن قُتل زوجها وحبيبها ظلماً في حادث سياسي. وترينا المخرجة شيرين عادل، كيف كافحت في العمل المضني وإنشاء كشك (محل) صغير والعمل فيه ليل نهار.

وكيف حرمت نفسها من الزواج والمتع الأخرى من أجل التفرغ لتربية أبنائها، وكيف كانت محبتها الشديدة تلفهم حولها بتماسك العائلة الرائع.

وكانت تضطر لأن تكون جبارة في أوامرها وحبها ومرونتها لانضباط العائلة والأبناء، ولكي لا يجرؤ أحدٌ على عصيانها أو رفض حبها، حتى ولو أخطأت.

وكان الأبناء في المقابل شديدو الحب والسعادة، بل كادوا يعبدونها ولم يحاولوا يوماً الاعتراض على قراراتها مهما كانت مجحفة أو محاولة تغييرها لاحترامهم وثقتهم الشديدة بها، وأنه يحق لها فرض ما تريد نظير الجهد الذي تبذله في تربيتهم.

إن هذه الصفات في الأسرة ترينا قدرة الأم في لمِّ الشمل، بالرغم من فقرها الشديد ومحدودية الإمكانيات، والعيش فوق السطوح، حيث كان يوم إدخال التلفزيون للشقة يوماً تاريخياً ويُشبه الأعراس.

وكانت تعمل بأقصى جهدها من أجل إيجاد المال بشخصيةٍ جبارة وقوية، وتكافح لتلبية طلبات أبنائها الكثيرة ككل أبناء هذا العصر.

وبالتالي كانت مصدراً لكل السلطات الآمرة والناهية، وتمكّنت أخيراً بطموحاتها من تخريج اثنين من الأبناء الثلاثة وبتفوقٍ من الجامعة.

ولكن تأتينا النهاية المحزنة ويتغير كل شيء، حينما يتخرج الأبناء وتتغير مشاعرهم وتطلعاتهم للحياة بسبب مواقعهم الجديدة في العمل أولاً، وبسبب استقلالهم ورفاههم المادي ثانياً، حيث بدأوا في الاستنكار والثورة على الماضي والفقر، ومحاولة نسيان الكشك، الذي تربوا وعاشوا منه، ونسيان السطوح وكل الأشياء.

وتبدأ الأم صفحة جديدة، وتتبدل ألوان الحياة وتتنكد، وتحاول أن تتوائم مع تغيرات العصر وطلبات أبنائها، فتبيع الكشك وتنتقل إلى المنزل الجديد في الحيِّ الأكثر رقياً، ويأتي أزواج وزوجات الأبناء لتبدأ معهم رحلاتٍ مضنية من الآراء والتسلطات الأخرى والمشاحنات.

ويتناقص الحب مع تكاثر المال، ويسحب البساط الحريري من تحتها، والذي تمتعت به سنوات تربيتها أبنائها، لإرضاء الزوار الجدد في حياتهم.

وتنتقل للعيش معهم كضيفة، وفي حيٍّ جديد وغربةٍ، وفراغ وملل بعد أن كانت سعيدة، حتى أحفادها لم يأتمنوها عليهم. وانشغل العيال عنها بحياتهم، وأنسى المال والانشغال به الحب وسنواته.

وتنتهي الحلقات بأن تعودَ وحيدة إلى حيِّها القديم لتعيشَ مع ماضيها، وتلملم نفسها لتبدأ رحلة جديدة تفكر في حاضرها الذي لم ينصفها، وفي البحث عن ذاتها وشبابها الضائع، حيث نسيت وأهملت نفسها وجمالها في خضم انشغالها بهم، حيث عاشت لهم ولطلباتهم، ونسيت أن تعيش حياتها.

وتريد المخرجة إعطاءنا رمزاً للتضحية السائدة في مجتمعاتنا، ودرساً من دروس الحياة، وكيف تصبح الأمهات أحياناً عالة على عيالهن لأنهن لم يخططن لمثل هذه الأيام، وأنهم سيكبرون ويتركون العش، وعليها أن لا تنسى حياتها القادمة بعيدة عنهم، وعلَّنا نتعظ من مشاكل الآخرين، وأن نعرف أن الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير، وأن نكون مستعدين لكل الخطوات الآتية مهما كانت قاسية وغير منصفة.

ويقال في الأحاديث إن دعوة الأم هي من أكثر الدعوات استجابة في هذا الكون، فبعض الدعاء يمكن أن لا يُستجاب، إلا دعوة الأم، سواء في الخير أو الشر، فأحسنوا إليها كي تبرَّ بكم عند الله، وتدعو بالتوفيق والنجاح.

ويقال دائماً عندما يكون الشخص ناجحاً إن «أمه داعيه ليه»، أما إذا تكررت مصائبه وكان الفشل حليفه، يقولون «دا باين أمه داعيه عليه».

تُرى ما هو السر في ذلك؟ أهو في خلقها أماً، أم لأنها حينما تُعطي تُعطي من قلبها وكيانها، ومحبتها الخالصة لأبنائها، أم لأنها تحمّلت من الآلام الكثير، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يشاطرها جزءاً من صفاته في المكانة والسمو فجعل لدعائها الاستجابة.

فلا تُزعلوها أو تهينوها أو تستهينوا بقدراتها مهما قلّض نصيبها من التعليم، فهي التي تسهر وتربي، وتقلق وتُغذي أبناءها على قدر فهمها وطاقتها، ولأنها الأم التي ذكرها الله سبحانه في كتابه كأكثر رمز للمحبة الخالصة، والتي تعطي دون أي مقابل، ما تنتظره هو بعض الحب والحنان والتقدير.

وهي من كرَّمها النبي محمد (ص) حينما قال أمك ثلاث مرات، وفي الرابعة قال أباك.

فلا تبخلوا في حق أمهاتكم إذا مازلن أحياء، وترَحَّموا عليهن إن غادرن هذه الدنيا، فمهما نُعطيهن فلن نُوفيهن حَقهُن، ويبقى قليل مقابل سر وجودنا في هذه الحياة.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 27 | 2:42 م

      الايام عِبر ومواعظ

      الشيئ الوحيد الثابت في الوجود هو التغيير جمله تساوي الكثير وعلى الكل محاولة التماشي مع ها وهكذا نحن لنا ان نحب انفسنا اولاً

    • زائر 26 | 1:00 م

      مقال ممتاز و لبق

      شكراً دكتورة على تسليطك الضوء على ظاهرة غير بنائه تزداد تواجدا. أتمنى أن ترشد كلامتك التائهين في هذا السياق والله يهدي الجميع.

    • زائر 25 | 12:59 م

      مقال ممتاز و لبق

      شكراً دكتورة على تسليطك الضوء على ظاهرة غير بنائه تزداد تواجدا. أتمنى أن ترشد كلامتك التائهين في هذا السياق والله يهدي الجميع.

    • زائر 24 | 11:16 ص

      كلام جميل

      اهمال الام وعدم تقديرها لهو من اكثر الشرور وهو قريب من الكفر

    • زائر 23 | 10:49 ص

      اشكر التعليقات

      كل التعليقات جميله لهذا الموضوع ونرجو من الجريده المزيد من تحفنا بهذه المنوعات المميزه والتي تغير من الاجواء السياسيه المتعبه

    • زائر 22 | 9:47 ص

      الزرع الجيد والفطره

      ان فطرة الامومه لاتعلوا عليها اية فطره فهي الادرى في الاشياء وهي التي تقوم في الكثير من الاحيان بدور الاب والام معا حتى في وجود الاب فالعاطفه لديها هي الحمايه للابناء علهم يدركون ويطونها نصف ماتعطيهم

    • زائر 21 | 9:36 ص

      لو تريد عيوني اعطيها

      تبرعت لي من كليتها وهي مريضه الآن بسببيي ولااعرف كيف اجازيها وجعلت احفادها تربيهم واعطيتها كل ماملك والممثله القديره نحبها ونحب ادوارها دايماً شكراً لك 10

    • زائر 20 | 9:31 ص

      دعاء الام شفاء

      دعاءالام اكيد ويتحقق وانا جربته حين اغضبت امي يوماً وظلمتها وهي طلبت من الله ان يذيقني ما فعلته بها وكان ان طاحت ابنتي يوم ثاني ونقلناها للمستشفى وشعرت كيف توجعت بسببها وعرفت معنى غضب قلب الام وافعاله فيها ولم اغضبها بعدها

    • زائر 19 | 9:26 ص

      الايام والاقدار قصص

      رحى الايام الايام دواره ولن تترك احداً دون ان تعلمه وسوف يتعض الابناء من خبراتهم ويندمون حيث لاينفع معها الندم هنيئاً لنا وجودك وكتاباتك بيننا

    • زائر 18 | 9:23 ص

      جرأه وجرعه عاطفيه

      كتابه عاطفيه وجريئه رأيت المسلسل واعجبني كثيراًواتفق معك في التحليل المدروس جيداً ولك كل المحبه والتقدير

    • زائر 17 | 7:38 ص

      امن يزعل الام يغضب الله

      انني اعبد امي بالرغم من اختلافي الشديد معها رحمها الله واتذكر كل الاشياء بعد رحيلها والتي لم تعجبني حينها ولكنني بدأت ادرك مدى حرصها لاسعادي وكم كانت تحبني انني اشتاق الى نظره من تلك العيون الحيميميه ه ووجهها الصبوح وان ادفع عمري كله كي اعتذر من اغلاطي معها واشعر برقة قلبها وان ارى ضحكتها بس ترضى عني والله بكيتيني دكتوره

    • زائر 16 | 7:32 ص

      الام كل الوجود

      سنوات الام قليله فمهما عاشت معنا سنفتقد حنانها وحبها وجتماً لن نجد مثله تدفقاً وحناناً في الكون الشكر لك في التعبير دكتوره والرموز الانسانيه التي تعطيها حقها في الحياة

    • زائر 14 | 5:37 ص

      الله يساعدنا

      الحياة كلها تعب في تعب وخلينا نفرح باللي تعطينا اياه ونفتح عيونا علشان مانقع في المطبات من تاني وشكراً

    • زائر 13 | 5:31 ص

      مشكلة الانسان

      ان كان مُعطاءً فعليه ان لاينتظر شيئاً منهم فالعيال مزاجات وحاجات كتيره تضيع مع الايام وهم لوةعرفوا قدر انفسهم لقدروا العيشه اللي عاشوها مع الاهل بين الالم والفرح والخوف

    • زائر 12 | 4:58 ص

      ياليتهم يروون باعيننا

      يليتهم يدركون الحياة والمعاناة التي عشناها ونعيشها بسبب كثرة الاحداث ومشاكلهم وهم صغاروحتى بعد ان كبروا ولاننا نوجههم فنحن مكروهون وخيرهم دايماً يذهب الى غيرنا واى انسان يعمل لهم شيئ صغير يقدرونه اكثر منا وياويلهم من الايام الجايه هو زمان غير الزمان والله حكم والله مقالاتچ دكتوره

    • زائر 11 | 4:55 ص

      الجحود

      كنت صديقًا لاحد الهنود فى البحرين واتت امة لزيارتة وبينما هو يحضر الشاى سألتها كيف ترين حياتك الان بعد ان اديت واجباتك على اكمل وجة نحو ابنائك
      قالت: اتعنى التضحية فى سبيل انجاحهم؟ قلت :نعم فقالت :انة المرار والعذاب جزائى فى هذة الدنيا على حسن الصنيع

    • safia2 | 1:38 ص

      شكرا لك

      شكرا دكتورة أنا أم ومقالك أبكاني مع إني سعيدة و لله الحمد ... دائما مقالاتك قريبة إلى القلب و صادقة و متكاملة .. لك مني أصدق تحية و تقدير .

    • زائر 7 | 1:36 ص

      شكرا لك

      شكرا دكتورة أنا أم ومقالك أبكاني مع إني سعيدة و لله الحمد ... دائما مقالاتك قريبة إلى القلب و صادقة و متكاملة .. لك مني أصدق تحية و تقدير .

    • زائر 6 | 1:26 ص

      عنوان وحقيقه

      كلام واقعي ومنطقي ونشعر بآلامه مع مجمل الصداقات واهمال الاهل وارد والله لينا نحاول ان نلنلم جروح حياتنا شكراً للمس الواقع بهذه الفصاحه

    • زائر 5 | 1:22 ص

      شهادة العصر

      كلها دروس وحكم اوالدنيا تجارب وعل عيالنا يتعلمون ومايعيدون غلطاتنا والاجيال يتغير حالها كل يوم وكل مازادت النعمه كل ماقل خيرها وشوفوا زمان كانت اللمه والبيوت الصغيره تجمعنا والآن كبرت البيوت والمال اصبح العدو الاكبر اللي يجيب الخدم ويستغني الاولاد عن الاهل ويطلع اولادهم غرباء علينا وعالدنيا كلها

    • زائر 4 | 1:15 ص

      الزمان الضائع

      تدور الايام وندفع اعمارنا لمن حولنا ومنهم من يقدر ومنهم ينسى ولكن علينا دائماً الاحتياط من غدر الزمان والوحده ويجب الاستعداد للزمن وغدره والابناء هم غدر الزمن الموعودين به والله يستر

    • زائر 3 | 12:39 ص

      هى الحياة غير منصفه

      لم اكن اتصور ان الابناء بهذه الانانيه كما حدث للمثله القديره وجدت انهم لايقدرون مافعلناه لهم ونسوا معاناتي وانا التي كانت تعمل شفتين كي اؤمن لهم طلباتهم بعد موت زوجي وعملت لهم كل مايسعدهم واخيراً يقولون ان مافعلته منذ زمن بعيد وهم نسوه آه دكتوره من غدر الابناء

    • زائر 2 | 12:25 ص

      الله ياسهيله على الابداع

      لمست شغاف القلب يادكتوره وهو بالتحديد ماحدث للكثيرثن منا ومعاناة الام في هذا العصر وشكراً للاسلوب الشيق والممتد الى ثلاثة اجيال وربنا يحميك

    • زائر 1 | 9:32 م

      لا تذهبى بعيدا ....!!!

      حب المال كإتجاه يقود أى مجتمع هو مرض إجتماعى منتشر. الأمراض الإجتماعية غير محسوسة مثل أمراض الجسم. الحالة نفسها فى كل المجتمعات المدنية الحديثة. أرجو عمل دراسة عن المراكز الإجتماعية و معرفة أحوال الساكنين فيها و اذا كان أحديزورهم و من هم؟ سوف تتعجبين من الواقع المر السائد فى المجتمع البحرينى و لا يتكلم أحد عنه. عندها لربما تؤلفين مسلسلا محليا لنفس الموضوع.

اقرأ ايضاً