العدد 4115 - الخميس 12 ديسمبر 2013م الموافق 09 صفر 1435هـ

الحق البيئي

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

اليوم العالمي لحقوق الإنسان من المناسبات الدولية المهمة، ويحرص الناشطون في مجال حقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام على جعل المناسبة محطة مهمة للمراجعة وإثارة الاهتمام الدولي بالقضايا البيئية، والتأكيد على المبادئ والقيم الرئيسة للحق الانساني. وفي ذات السياق يعمل الناشطون في حقل العمل البيئي على القيام بالأنشطة والفعاليات التي تسهم في تحفيز المجتمع الدولي للاهتمام بقضايا الحق الإنساني البيئي.

المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني الناشطة في المجال البيئي أخذا في الاعتبار تصاعد وتيرة المخاطر البيئية على الأمن الإنساني، صارت تضع ضمن أولوياتها الاهتمام بقضايا الحق البيئي وإبراز جوانب الأنشطة غير الرشيدة والمخالفات التي تتسبب في تدهور المعالم الرئيسة للنظم البيئية والإخلال بالأمن البيئي للانسان، وتبصير المجتمعات المحلية بجوانب مسئولياتها وواجباتها في تأكيد ثوابت الحق البيئي.

الحق البيئي ضمن منظومته القيمية والقانونية يتمثل في مجموعة الحقوق المكتسبة للمجتمعات المحلية الأصلية بموجب الإرث التاريخي وحقوق المواطنة في الانتفاع بالموروث البيئي، المؤكد في مبادئ الشرائع السماوية والقواعد الوضعية المتمثلة في تكافؤ الفرص في الوصول إلى الموارد وفق مبادئ العدالة الاجتماعية في الاستفادة من الثروات والخيرات الطبيعية والاستمتاع بتوفر الشروط البيئية والصحية المناسبة في العيش الكريم والآمن ضمن بيئة خالية من المخاطر، وما يفرضه ذلك من مسئوليات وواجبات الرقابة والمطالبة باتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية وإدارية لتحقيق العلاقة المثلى مع ما تكتنزه النظم البيئية من ثروات وحمايتها من مختلف أشكال العبث والتدمير البشري، وصون صحة المحيط البيئي للانسان.

قراءة ومعالجة جوهر المعوقات المحيطة بواقع تجسيد الحقوق البيئية يستوجب تبيان أوجه التعارض الرئيسة مع تلك الحقوق ويمكن حصرها في الأنشطة البشرية غير السليمة، وتتمثل في الخطط التنموية غير الرشيدة، والحروب السياسية والإقليمية والأهلية، والتلوث الصناعي والنفطي، والاستغلال غير الرشيد للموارد البيئية، وعدم مراعاة الحق الاجتماعي في الانتفاع من الموارد البيئية.

عوامل الخلل في بروز حالة التعارض مع الحقوق البيئية نتيجة طبيعية لوجود مجموعة العوامل المتمثلة في السياسيات التنموية غير الرشيدة، وعدم الالتزام بثوابت القواعد القانونية المنظمة لحماية البيئية، وعدم الالتزام بالمعايير السليمة للتخطيط البيئي، وتغليب المصلحة الفردية، وانعدام روح المسؤولية الإنسانية في العلاقة مع البيئة، وضعف القيم الأخلاقية للفرد أو الجماعة في العلاقة مع الحقوق البيئية، إلى جانب ضعف القواعد القانونية وآليات الرقابة البيئية.

المجتمع الدولي تبنى مجموعة من المواثيق الدولية التي تؤكد في منظومة قواعدها ومبادئها، قيم ومبادئ الحق البيئي، ويمكن الإشارة إلى البعض منها، وتتمثل في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العام 1966؛ وإعلان مؤتمر ستوكهولم للبيئة البشرية العام 1972؛ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية المنعقد في ريودي جانيرو بالبرازيل العام 1992؛ مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة المنعقد في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا من 28 أغسطس إلى 4 سبتمبر 2002؛ ومؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة – ريو+20.

الاستحقاقات الاستراتيجية لمعادلة الحق البيئي توفرها تشكل ضرورة، وتتمثل في الاستحقاقات الوطنية وتتمحور في مبادئ العمل، لصون المصالح الوطنية العليا للمجتمعات المحلية الأصلية وبما يترتب عليه من ضرورات احترام حقوقها التاريخية وتقاليدها وتراثها الثقافي والحضاري والبيئي، وترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية بما يترتب عليه في تأكيد واقع صون حقوق المجتمعات المحلية الأصلية في صناعة القرارات التنموية في محيطها البيئي والاستفادة من الخطط التنموية التي يجري تنفيذها في بيئاتها الطبيعية، وتأكيد مصداقية العمل في ترسيخ جوهر المبادئ التوافقية بما يفيد تأكيد النية الحسنة في تكريس واقع العدالة والمساواة في الحقوق وترسيخ نهج الوئام الاجتماعي.

الاستحقاقات الإنسانية تشكل أيضاً ضرورة، وتتمثل في توفير الظروف الملائمة لتمكين المجتمعات المحلية في العيش الكريم بما يترتب عليه ذلك من ضرورة العمل الفعلي في استبعاد مسببات مختلف أشكال الفقر والعوز الإنساني، وتأكيد مبدأ تكافؤ الفرص في مصادر الرزق والتعليم وتوفير المسكن الملائم للمعيشة، وتوفير المتطلبات القانونية والإدارية والإجرائية اللازمة لصون حقوق الأجيال المقبلة في العيش الكريم والتطوّر الحضاري الآمن بما يترتب عليه ذلك ضرورات وضع الخطط التنموية المدروسة المرتكزة على المعايير البيئية الصحيحة التي تضمن حماية الحق البيئي المدعومة بالقرار السياسي البيئي ذي البعد الاستراتيجي.

وتشكل الاستحقاقات الدولية مطلباً مهماً، وتتمثل في الإيفاء بالالتزامات المؤكدة في مبادئ وقواعد القانون الدولي في شأن صون الحق البيئي، وترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية والبيئية، وتأكيد الممارسات الفعلية التي تدعم نهج مسيرة التقدم الحضاري للشعوب والأمم.

ومن الطبيعي أن تتوفر منظومة من الضمانات للتمكن من تجسيد قواعد الحقوق البيئية، وتتمثل تلك الضمانات في العمل على تنمية الوعي الاجتماعي البيئي، وتفعيل القوانين البيئية واستبعاد ما يعيق تنفيذها، وتوسيع صلاحيات المؤسسات الرقابية، وصياغة نظام قانوني شامل في الشأن البيئي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4115 - الخميس 12 ديسمبر 2013م الموافق 09 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً