العدد 4121 - الأربعاء 18 ديسمبر 2013م الموافق 15 صفر 1435هـ

بعض أشْباه البشر لا حياة اجتماعية لهم كالعقْرب

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ليس بخيارنا جئنا إلى هذا العالم. لكن لا يعني ذلك ألاَّ خيار لنا في تغيير أحواله الشاذَّة والتي لا تستقيم حياة الإنسان معها.

بعض البشر يجدون في استسلامهم نموذجاً للسلام. من قال، إن الاستسلام يحقق ذلك؟ كل العبيد الذين مروا على تاريخ البشرية أخّروها مئات القرون بذلك الاستسلام. لا يصنع الإنجاز العبْد. يصنعه الحُرُّ.

تتيح لك الأنظمة الفاسدة مطلق «الحرية» كي تهجو الذين يهجونها. لا تحتاج إلى أن تسهر على مديح لها. هجاؤك الذين يهجونها مديح لها!

***

مثلما توجد أرض يباب؛ تلك التي خصّص لها الشاعر ت إس إليوت، واحدة من روائعه (الأرض اليباب)، توجد شعوب من يباب أيضاً. تلك التي تصل إلى قناعة بأن نشرة الأحوال الجوية من الإعلام الرسمي تدخل ضمن النص المقدَّس!

***

أكثر ما يثير السخرية والشفقة في الوقت نفسه؛ ليس تسخيف وتخوين وتجريح وبذاءة الذين يصطفُّون مع الخلل والتجاوزات والقمع. أكثر ما يثير السخرية والشفقة، تسخيف وتخوين وتجريح وبذاءة أطياف المعارضة بعضها بعضاً!

***

في مفارقة لابد من ذكْرها هنا تتعلّق برصد العلماء لحياة العقرب. «لا تعرف العقارب الحياة الاجتماعية التعاونية، كالنمل والنحل مثلاً، وإنما يعيش كلٌّ منها في حياة مستقلَّة؛ بل إن كل واحدة تكْره بنات جنسها، وإذا التقت اثنتان تعاركتا حتى تقضيَ إحداهما على الأخرى».

في تفاصيل فظيعة «تتمّ? عملية التلاقح بين العقارب خلال أربعة أشهر، تبدأ من مايو/ أيار؛ حيث تخرج الذكور والإناث من مكانها للتلاقي، وبعدها تتحوَّل العقرب إلى زوجها المُنْهك ثم تلتهمه حتى تأتيَ عليه».

وفي تفاصيل أكثر فظاعة «تحمل أنثى العقرب بيْضها فوق ظهرها، حتى إذا فقس البَيْض خرجت العقارب الصغيرة، وظلّتْ فوق ظهر أمها نحو أسبوعين، وبعد ذلك يبدأ الصغار في التهام أمهم أيضاً»! كائنات: كما يطولها قانون أبدي: كما «تُدين تُدان»، نشهد نماذج أحوالها بين أشباه البشر. ولكن هل من مُذَكِر؟

تذكّرت وصفاً يكاد يتفق عليه الذين تعرّضوا للدغات يتعلّق بكويْتبة حازت «شرَف» عقرب الرمل! لا أدري هل يوجد عقرب نهْر أو بحْر؟

***

لا تاريخ للصوص ونهّابي ثروات الأمم. مذ وعى الإنسان على هذه الحياة وفي محيطه الأمناء واللصوص، الشرفاء والوضيعون، والشجعان والجبناء، والأحرار والعبيد، والحمقى وأصحاب الحلم. وبالعودة إلى لصوص ونهّابي ثروات الأمم، يجد كلٌّ منا نماذج يفغر فاه من تفاصيلها، وبعض يتمنّى أن يكون صاحب التفاصيل تلك؛ إذا كان من الشرف أن يتمنّى أحد الانتماء إلى تلك الفصيلة!

حتى الذين قدّمهم التاريخ لنا باعتبارهم فاتحين وأبطالاً واستثنائيين، استغلَّ بعض أولئك سكْرة الناس بانتصاراتهم وفتوحاتهم، ورفعهم إلى مستويات خيالية، ليتناسوا معها أنهم مع الفتوحات والانتصارات كانوا يفتحون خزائن وينتصرون لأنفسهم في الاستحواذ والنهب والسرقة من دون حسيب أو رقيب؛ ماداموا هم الذين يُحاسِبون والرقباء!

***

في الشاهد على ذلك من سرقات ونهب ولصوصية تحصُّناً بإنجازات الفتوح والبطولة؛ بحسب مذكرات أمين باشا سامي: «قال إياس: وُجدَ لجوهر الصقلي بعد عزله ووفاته من الأموال ما لا يُحْصى. فمن جُمْلة ذلك من الذَّهب العين، ستمئة ألف دينار، ومن الدراهم أربعة آلاف ألف درهم (4 ملايين)، ومن اللؤلؤ الكبار واليواقيت أربعة صناديق مجلَّدة، ومن القصب الزمرُّد ألف قصَبَة، ومن الثياب الديباج ورق تنيس (استثمار الأموال في الإنتاج بالمواد الأولية)، خمسة وسبعون ألف قطعة، ووُجد عنده دواة (محبرة) من الذهب طولها ذراع، وهي مرصّعة بالدُّرِّ والياقوت؛ فقُوِّم ما عليها من الجواهر باثني عشر ألف دينار، ووُجد عنده علبة من المسْك والعنبر الخام إذا نزع ثيابه ألبسها عليها، ووُجد في داره عدَّة مسامير من الذَّهب على كل مسمار منها عمامة لون، ووُجد عنده من الملاعق الذهب والفضة، ثلاثة آلاف ملعقة، ووُجد عنده عشرة آلاف زبدية صينيّ وبلُّور وفضة، ووُجد عنده أربعة قُدور من الذهب وزن كل قِدْر مئة رطل، قيل كان يطبخ فيها المسلوقة (المطبوخ من اللحم والدجاج بالماء وحده)، ووُجد عنده 700 خاتم بفصوص من الياقوت والزمرُّد والماس، ووُجد عنده 3000 نرجسية ذهب وفضة وبلُّور وصيني، هذا كله عدا البغال والجمال والخيل والعبيد والجواري والفرش والأملاك والضياع وغير ذلك»!

هؤلاء وأمثالهم يمر عليهم التاريخ باعتبارهم مصلحين وفاتحين؛ ولكنه لا يتحدث بسطر على أنهم لصوص أيضاً؛ إلا بعد أن يتركوا شعوبهم على «الحَديدة»! وهؤلاء عقارب أيضاً في صورة أو أخرى! السؤال: كم بيننا من العقارب في هذا العصر؟!

إلْماعة:

«موقف الطاغية، هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرةَ لكي يقْطف الثمرة». مونتسكيو

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4121 - الأربعاء 18 ديسمبر 2013م الموافق 15 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 6:23 ص

      عجبي

      عجبت لمن يتكلم ويحلل الشخصيات ويظهر بمظهر الرجل الشديد ذو الرأي السديد , وهو كما قال الله تعالى "وإذا كالوهم او وزنوهم يخسرون" .. الجميل أن كل شخص يبدأ بنفسه فيصلحها وهكذا ينصلح حال الأمة ... ودمتم ,,,

    • زائر 11 | 2:45 ص

      كيف عرفتي

      زائر 3 | ستراوية
      يا أشباه الرجال ولا رجال )
      كيف توصلفتي لهذه النتيجة وكيف تعرفين ما تقولينه

    • زائر 9 | 1:52 ص

      عقرب الرمل

      تسلم الصراحة في الصميم

    • زائر 8 | 12:43 ص

      حققة الفتوحات

      تحدث عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه "وعاظ السلاطين" عن الفتوحات الاسلامية باعتبارها استعماراً لنهب ثروات الشعوب وزيادة رصيد حكام المسلمين من الجواري والأموال والاستعلاء في الأرض بغير الحق.

    • زائر 7 | 12:27 ص

      سياسة تفريخ الفاسدين والمفسدين والمنافقين

      تفريخ المنافقين واصحابا المطامع والفاسدين الذين يعيثون في الارض فسادا وخرابا ودمار مقابل حفنة من الدنانير وفلة هنا او هناك كان بالامكان الحصول على مثل هذه الامور بشرف

    • زائر 3 | 11:59 م

      ستراوية

      يا أشباه الرجال ولا رجال

    • زائر 2 | 11:34 م

      هؤلاء هم من قال الله عنهم ......

      يريدون حياة الدنيا الزائله فقط ولكن لا حياة طيبه لهم في اللآخره فمها عاشوا فمصيرهم الفناء

    • زائر 1 | 11:12 م

      تسلم الانامل

      كفيت ووفيت ياحر

اقرأ ايضاً