العدد 4122 - الخميس 19 ديسمبر 2013م الموافق 16 صفر 1435هـ

صحتنا والمناخ... قوة غالبة وحقائق غائبة

محمد حسين أمان

طبيب ومدرس إكلينكي، باحث في طب الطوارئ

في مجال تفاعل الإنسان مع محيطه البيئي، وممارساته اليومية في التأثر والتأثير في ما وهبه إياه الخالق القدير من علم ومعرفة، تطفو على السطح مخرجات صحية تنعكس سلباً على صحته بشكل شمولي.

على سبيل المثال، وعلى مدى الخمسين سنة الماضية، نتج عن عمليات حرق الوقود وحدها كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى أسهمت في تنامي أثر البيت الأخضر، وماله من دور في تغيير المناخ العالمي عن طريق زيادة الحرارة على كوكب الأرض، وما يتبع ذلك من مخاطر صحية، بدءاً من خطر الموت الناتج من الصدمات الحرارية، وانتهاءً بتغير السلوك المرضى للأمراض المعدية.

في نظرة وثائقية وعلمية فاحصة في تعريف واستجلاء أثر تنامي البيت الأخضر على الصحة العامة، نجد أن الله العالم القدير قد خلق الشمس وجعلها المصدر الباعث لطاقة المناخ على وجه الأرض، حيث تقوم بإرسال موجات إشعاعية متناهية الصغر تكون في غالبيتها أشعة فوق بنفسجية.

في حين يتم عكس ما يقارب 30 في المئة من الطاقة الشمسية المرسلة إلى طبقات الجو العليا ثانية إلى الفضاء، بينما تمتص الأرض، وبقدر قليل الجو، الثلثين المتبقيين من تلك الطاقة.

وفي سبيل معادلة أثر الطاقة الحرارية، تقوم الأرض ثانية بإعادة إشعاع تلك الطاقة الممتصة إلى الفضاء، ولكن هذه المرة في موجات إشعاعية أكثر طولاً؛ نظراً لبرودة الأرض مقارنة بالشمس، وتكون تلك الإشعاعات في نطاق الأشعة تحت الحمراء من نطاق الطيف، وتقوم طبقات الجو بإعادة تلك الطاقة الحرارية مرة أخرى إلى الأرض، وهذا ما يُعرف بأثر البيت الأخضر، وهو ما يسهم طبيعياً في تدفئة سطح كوكبنا الأرضي ويجعل الحياة قائمة.

تساهم أنشطة حياتية كثيرة يقوم بها الإنسان في الإخلال بذلك الأثر، مما ينعكس سلباً على صحة الإنسان بسبب تغير المناخ، حيث تزداد حرارة الأرض بطريقة متصاعدة، وربما يكون ما تظهر من حالات عدوى فيروسية لسلالات لم تكن معروفة مرضيّاً لدى الإنسان دليلاً ملموساً على ذلك، فقد شهدت الأشهر الأولى من العام 2013 حالات إصابة بفيروس الكورونا (التاجي).

ونحن الآن، وقبل أن يسدل هذا العام ستاره، يتم تسجيل حالة وفاة في شرق الصين ثبت إصابتها بنوع جديد آخر من فيروس إنفلونزا الطيور «إتش 10 إن 8»، والذى لم يسبق وأن تم اكتشافه من قبل في البشر.

رسالتنا هنا في غاية الوضوح، لقد خلق الله لنا بيئة تحمل كل مقومات الحياة في نظام بلغ من التمام منتهاه، ومن الحكمة الإلهية ما لا تستطيع أذهاننا معرفة كنهه وأبعاده، وعلينا في مجال سبرنا لأغوار العلم والمعرفة، محاكاة النظام البيئي الطبيعي وتجيير سياساتنا والصحية منها في المقام الأول في الحفاظ على التوازن البيئي السليم والمقوم لاستدامة حياة بشرية صحية خالية قدر الإمكان من اعتلالات مرضية خارجة عن نطاق السيطرة وإمكانيات الشفاء.

ختاماً، نستجلب لإدراكنا من باب الحقيقة والعلم ما انتهت إليه دراسات مناخية عدة من ثوابت فرضها الإنسان عبئاً على النظام البيئي المتسق، الذي أوجدته بداية روعة الخالق وبديع صنعه.

للعلم والعمل، من المناطق الاستوائية إلى محيطات العالم، إلى الطقس وتقلبات المناخ، آثار مباشرة وغير مباشرة على حياة الإنسان وصحته، من الأمطار الغزيرة، والفيضانات وكوارث مثل إعصار «كاترينا» في الولايات المتحدة الأميركية في شهر أغسطس/ آب العام 2005، وما خلّفه من دمار بشري ومادي وغيرهما، علماً أن العالم قد شهد إزهاق ما يقارب 600 روح في العام 1990 من القرن الماضي بسبب تقلبات مناخية، كانت 95 منها في الدول النامية، فماذا نحن فاعلون؟

للعلم والعمل، التذبذب الشديد في درجات الحرارة صعوداً أو نزولاً، وفي إطار زمني قصير، له أثره البالغ على صحة الإنسان، فالحرارة الشديدة أو البرودة الشديدة تزيد من معدلات الوفاة الناتجة من اعتلالات القلب والجهاز التنفسي، فقد أشارت الدراسات إلى أن ارتفاع درجة الحرارة المسجلة في أوروبا الغربية في صيف العام 2003، أدت إلى ازديادٍ مقداره 70 ألف حالة وفاة مقارنة بنفس الفترة من الأعوام التي سبقتها، فماذا نحن فاعلون؟

للعلم والعمل، في درجات الحرارة العالية تزداد مستويات وتركيز مسببات الحساسية في الهواء، مما يحفز حالات الربو والتضيقات الشعبية التي يعاني منها نحو 300 مليون شخص حول العالم. فماذا نحن فاعلون؟

للعلم والعمل، ارتفاع منسوب المياه ومستوى سطح البحر، كنتيجة حتمية لظاهرة ارتفاع حرارة الأرض، تزيد من خطر فيضانات الشواطىء، وما يتبعها من نزوح سكاني، حيث يقطن أكثر من نصف سكان العالم في مدى لا يزيد على 60 كيلومتراً من الشواطىء، وتتسبب الفيضانات مباشرة في حالات إصابة ووفاة، كما أنها تزيد من خطر انتقال أنواع كثيرة من الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق الماء وحاملات العدوى الأخرى، علاوة على أن أي نزوح سكاني يزيد من خطر الاعتلالات النفسية والقلق، بالإضافة إلى خلق صراعات داخلية عديدة قد لا تكون محمودة العواقب، فماذا نحن فاعلون؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"

العدد 4122 - الخميس 19 ديسمبر 2013م الموافق 16 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً