العدد 4126 - الإثنين 23 ديسمبر 2013م الموافق 20 صفر 1435هـ

البحرين بين عيدها ولغتها

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ابتداءً أهنئ كل البحرينيين، حكومة وشعباً، بعيدهم الوطني وأسأل الله لهم التوفيق والسداد، كما أسأله أن يجعل غدهم خيراً من يومهم، وأن يسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ولعلي أستغل مناسبة العيد الوطني - التي انتهت قبل أيام - لأقول لإخواني البحرينيين جميعاً، إن هذا العيد وكل الأعياد التي مضت أو التي ستأتي، لن يكتمل جمالها وفرحتها ما لم تكونوا على قلب رجل واحد، تغمركم المحبة والولاء لوطن واحد لا يفرّق بين أبنائه. فالفرح لا يعتمر قلب الإنسان مادام ذلك القلب مسكوناً بالهواجس المحزنة والآلام الموجعة، وعدم الاطمئنان للحاضر والمستقبل.

وأعرف أنكم تدركون أن منطقتنا العربية عموماً، وخليجنا خصوصاً، يتعرّض لهجمات شديدة الله أعلم كيف سيتجاوزها، ولهذا فإن وحدة الكلمة واجتماع القلوب هو السبيل بعد الله للحفاظ عليكم، شعباً وحكاماً، وأنا واثق بإذن الله أنكم ستتجاوزون المحنة التي تمرون بها سريعاً.

ثم إن لغتنا العربية - كما نعتقد - ليست مجرد وسيلة للتعبير، وإنما هي جزء من ديننا، وبعد حديثي عن عيدكم لابد أن أعرج قليلاً على لغتكم التي أعتقد أنكم فرطتم في كثير من جوانبها، شأنكم شأن معظم الشعوب العربية التي فعلت ذلك مخدوعةً بما تعتقد أنه تقليد لحضارة الغرب، وما هو بذلك، إما جهلاً بمقدار لغتها وعظيم قيمتها ودورها في الحياة بالنسبة لكل عربي أو مسلم.

وعن أهمية اللغة العربية وارتباطها بالدين الإسلامي يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «تعلّموا العربية فإنها جزء من دينكم»، ومعروف أن المسلم لا يمكنه فهم مصادر دينه دون فهمه للغته التي نزل بها ذلك الدين، ومن هنا فإننا نجد تلازماً كبيراً بين اللغة والدين، ولغتنا العربية تعد من أقدم اللغات السامية، وهي من اللغات السبع الأكثر انتشاراً في العالم. وقد ألفت بها ومنذ مئات السنين كتب مرجعية في غاية الأهمية للنصارى واليهود، وكان لهذه الكتب أثر على الأدب والدين اليهودي ولاسيما أن الدولة الإسلامية في العصر الأموي ضمّت أعداداً كبيرة من اليهود والنصارى الذين كان لهم حضور كبير في المجتمع من خلال مشاركتهم في معظم أنواع العلوم والآداب، وكذلك من خلال توليهم وظائف مهمة في الدولة. ومعروفٌ كذلك أن اللغة العربية تتميّز عن غيرها من اللغات الأخرى بقدرتها الفائقة على احتواء الألفاظ والتعريب كما أنها تتميز بظاهرة المجاز والطباق والسجع وغيرها من أنواع البلاغة التي تفتقد اللغات الأخرى كثيراً منها. يقول المستشرق الألماني فريتاج نيدل: «اللغة العربية أغنى لغات العالم»، واعتقادي أنها كذلك.

وقد لقيت لغتنا إهمالاً كبيراً من القائمين على المحافل الدولية، وربما كان أبناؤها سبباً في ذلك الإهمال، ولكن وبعد جهود كبيرة من المملكة العربية السعودية ومن المغرب، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي الثامن عشر من ديسمبر، قراراً يقضي باعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الثامن عشر من ديسمبر هو اليوم العالمي للغة العربية، ولهذا فقد احتفلت كثيرٌ من بلاد العالم وكذلك الجمعيات ذات الصلة باللغة العربية بهذا اليوم عبر كثير من الوسائل التي تصب كلها في محاولة إبراز دور اللغة في ثقافة الإنسان وتكوينه العلمي والعملي والنفسي ودوره في هذه الحياة.

وفي هذا السياق لابد من الإشارة للجهود المتميزة التي قام بها سفير المملكة العربية السعودية لدى منظمة «اليونسكو» زياد الدريس في هذا المجال؛ وهو يرأس حالياً الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (آرابيا) التابعة لليونسكو، وهذه الهيئة هي التي قرّرت اعتماد اليوم العالمي للغة العربية واحداً من عناصرها الأساسية في برنامج عملها كل سنة. وهذا يعني أن هناك أعمالاً أخرى تتعلق بخدمة اللغة تقوم بها تلك المنظمة نرجو أن نراها قريباً. والذي نأمله أن تتعاون كل الدول التي تؤمن بأهمية اللغة العربية لإنجاح كل المساعي التي تساعد على انتشار اللغة العربية في شتى أنحاء العالم، وأعتقد أن لغتنا تستحق كل ما يبذل من أجلها.

لغتنا كما نعلم تلاقي عنتاً كبيراً في معظم المؤسسات الأهلية وكذلك الشركات التجارية في دول الخليج؛ فمعظم هذه المؤسسات تستخدم اللغة الإنجليزية في مكاتباتها وفواتيرها التجارية، وهذا يجب أن يتوقف وأن يطلب من تلك المؤسسات استخدام اللغة الرسمية للدولة كما هو المشاهد في كل أنحاء العالم، فليس هناك دولة تسمح باستخدام لغة غير لغتها سواء في المعاملات التجارية أو المكاتبات الحكومية أو غيرها لأنها تعد ذلك انتقاصاً من كرامتها ومكانتها. وهنا يثور سؤال رددته مراراً: لماذا أسمع من يجيبني بلغة أجنبية إذا اتصلت بأي فندق في بلادنا العربية؟ أليس هذا استهتاراً بلغتنا وثقافتنا وهويتنا؟ أين الجهات المسئولة في دولنا عن إيقاف هذا العبث؟ ومن المؤسف أنني سمعت أن تلك الجهات هي التي تلزم موظفي الفنادق بالحديث بلغة أجنبية مع أنهم عرب ويتحدثون مع عرب مثلهم!

ومن الأشياء التي يجب الحديث عنها في هذا الصدد هي لغة التعليم في جامعاتنا وفي بعض المدارس دون الجامعة؛ فمن المعروف أن كل البلاد العربية تستخدم لغة أجنبية في التعليم الجامعي ماعدا سورية التي اعتمدت العربية في كل التخصصات الجامعية دون استثناء، وقد نجحت في ذلك كثيراً، وقد أثبت الواقع أن الطالب يستفيد أكثر إذا درس بلغته الأصلية هذا فضلاً عن الانتماء العاطفي تجاه لغته. ويحار المرء في هذه الظاهرة التي لا توجد إلا عند العرب وحدهم! فالصهاينة أحيوا لغتهم العبرية التي لم تكن معروفةً قبل احتلالهم لفلسطين وجعلوها لغة الدراسة في جامعاتهم مع أنهم لا يزيدون عن ستة ملايين، وكذلك فعلت دول أخرى لا يزيد عدد سكانها عن ثلاثة ملايين، هذا فضلاً عن دول تعد لغتها شديدة التعقيد مثل كوريا واليابان، ومع هذا جعلت لغتها هي لغة التعليم، وكل ذلك احتراماً للغتهم وكيانهم ووجودهم. فإذا كانت كل الدول تفعل ذلك فما بال دولنا مع كثرتها وكثرة سكانها وقدسية لغتها لا تفعل ذلك بل ونشعر أنها تحتقر لغتها وتاريخها؟

وإذا كانت بعض المدارس الابتدائية الأهلية تدرس طلبتها العرب باللغة الانجليزية فلنا أن نتخيّل كيف يستطيع طفلٌ عربي لا يعرف الحديث ولا القراءة بلغته أن يتعايش مع مجتمعه وعاداته وتقاليده، بل وكيف يستطيع فهم دينه وعقيدته وتاريخه!

إن واجب الدولة والعلماء والمثقفين أن يعيدوا للغتهم مكانتها، لأن من يحتقر لغته يكون قد احتقر نفسه وبلده ودينه قبل ذلك وبعده. ومن هنا لابد من جعل اللغة العربية هي لغة التعليم في كل جامعاتنا ومدارسنا، ولا يعني ذلك ألا نعلم أبناءنا لغة أو لغات أخرى ولكن ليس على حساب لغتهم الأم.

لغتنا هي عنوان حضارتنا وتقدمنا ونجاحنا، وما لم نعتنِ بها فإننا سنفقد هويتنا شيئاً فشيئاً، وسيواصل الضعف عمله في أجسادنا حتى نسقط صرعى في نهاية المطاف. وأملي كبير ألا يحصل ذلك على الإطلاق.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4126 - الإثنين 23 ديسمبر 2013م الموافق 20 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:18 ص

      أحسنت

      بارك الله فيك....
      لو محصنا قليلاً ... لرأينا أن الدول التي تستخدم لغتها كلغة رسمية هي المتقدمة علمياً وصناعياً واقتصادياً ,,,,, مثال على ذلك،
      المانيا، ايران، اليابان، الكوريتان، الصين، بريطانيا... ولوجدنا أيضاً بن مواطني هذه الدول أعزاء وشامخين.
      قد ذكرت سوريا أخي العزيز... الوحيدة المستخدمة لغتها العربية كلغة رسمية...
      فعلاً كذلك وهي الان تحارب لوأد هذا التوجه.

    • زائر 1 | 12:09 ص

      متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      شكرا ،، ونحن واثقون وللأسف الشديد جدا ، أننا سوف لن نتجاوز أزماتنا في بلداننا العربية عموما وخليجنا خصوصا إلا إذا رفعوا ولاة أمركم أيديهم عن مقدرات شعوبهم ، وحكمت الشعوب نفسها بسلطتها التي لا تعلوها سلطة ، وهذا لن يكون إلا عندما يتحرر الواحد منا من ذل العبودية للغير ، ويعيش أو يموت من أجل عز العبودية لله وحده .

اقرأ ايضاً