العدد 4128 - الأربعاء 25 ديسمبر 2013م الموافق 22 صفر 1435هـ

أفلاطون... النسيان... والركَّع في جغرافيات القمع

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

المُدَوَّن في التاريخ، أن دستور سولون (638 ق.م - 558 ق.م) وهو شاعرٌ ورجل قانون أثيني (نسبة إلى أثينا) قام بسنّ مجموعةٍ من القوانين الإصلاحية، والتي تعارضت مع نظام الدولة المتبع آنذاك، وعلى رغم أن إصلاحاته فشلت فيما بعد إلا أنه يعتبر الممهِّد لقيام ما تم تسميته لاحقاً بـ (النظام الأثيني) هو الدستور الأول في تاريخ البشرية. وضعه سولون بعد اتفاق حكّام وقته لإخراج أثينا من الحيف والجور، إلى تكريس مفاهيم مثل، الحرية والعدالة.

تعاقب على البشرية حكَّام ممن يرغبون في دساتير تغيّر نمط الجبروت بعض الشيء لا حباً في العدل بل بحثاً وحماسة في التجريب للتجريب، لا ما بعده، وحقيقة الدوافع التي قامت من ورائها تلك الرغبات وخطَّت تلك الدساتير.

ليس دستور سولون وحده الذي أزّم أوضاع الأمم ورُكن جانباً، بيننا من الشواهد ما لا يُعدّ ولا يحصى ما دامت كلَف التجريب لا تتعدّى الحبر الذي كتبت به تلك الدساتير، وأوضاع الإنسان الحقوقية تزداد سوءاً كلما تعاقب عليه أولئك.

***

أفلاطون هو أول من مهّد لتكريس مفاهيم ومقولات فسّرت بحسب الحاجة دون النظر إلى ظروفها، وصارت رائجةً في عصرنا، وخصوصاً من قبل القريبين من دوائر القرار، وأولئك الذين لا يُحسنون في الحياة غير الإغواء والتطبيل لكل تجاوزٍ وانتهاك؛ وخصوصاً فيما يتعلق بالحقوق.

أفلاطون لم يترك دستور سولون من دون أن يستنتج: الشعب يجهل فن السياسة والقضاء. الاقتراع مفسدة للحكم والسياسة. يتحدث عن غرور انتخاب الأمة بسبب الانتصارات. ماذا عن الذين يصبحون ويمسون على الهزائم ويتآمرون مع العدو الذي من المفترض أن يكون مشتركاً؟ هو أولى بوصمه بالجهل وعدم بلوغه مرحلة أن يُترك له الخيار في تقرير مصيره؛ ويظل مكتوباً عليه الحرمان من الفطام؛ ويكون تحت الوصاية لأنه قاصر ولو ذرّف على التسعين!

إقصاء الشعوب وحرمانها من خياراتها وحقها في اتخاذ القرار هو العلامة المسجّلة لواقع تهيمن عليه مجموعات نصيبها من الجهل لا يقاس بأي جهل لدى الذين يمسكون بالقرار والمصير في العالم، ومع ذلك يتم تأبيد ذلك الواقع.

هو واقعٌ أشبه ما يكون بفصلٍ من فصول العذاب في الجحيم!

***

أفلاطون لن يكون محبوباً وسيكون ثقيل دم ومتآمراً على أنظمة الأمر الواقع لو دقّقوا في كثير من أطروحاته وقتها، والتي إلى اليوم تجد لها شواهد وأثراً أينما ولّى مواطنٌ من الدول المنكوبة بواقعها المرّ، وجهه شطْر تلك الدول وما يحدث فيها سرّاً وجهْراً!

لن تجد أطروحة لأفلاطون مكاناً في مناهج التعليم أو حتى في المنتديات العامة التي يتاح فيها وهم فضاء من تنفيس مثل: «إذا أصيب الحاكم بمرض النسيان يجب إبعاده عن السلطة»! التفاصيل هنا مضحكة ومبكية. ما يترتب على النسيان كوارث وعبث ولهو من قبل الدائرة التي تحيط بها، ذلك بعض ما يبكي.

ما يضحك هو التناسي وليس النسيان. تناسي الوعود، وما بعد وأجمل من الأحلام؛ ليتحول كل ذلك إلى كوابيس لا أثر يدل على نهاية لها. وسائل إعلام تبعث على الإغراء وقت الدفع بتلك الوعود وبالجملة. وسائل الإعلام تلك هي صكّ إثبات بعد زمن؛ لكن كل ذلك يذهب في مهبّ الحمْق والغرور، والعزّة بالإثم!

***

بعض ممن سيجدون ما ورد آنفاً، ذهاباً إلى مثالية مُفرطة، في جمهورية أفلاطون، وخصوصاً انحيازه إلى «كَارِه» وخصوصاً في ربطه بين الحكم العادل والسعادة بتسلُّم الفلاسفة مقاليد الحكم! متناسين النسيان أو التناسي والولوغ في الدم، والاستماتة في الطغيان والإذلال والسرقة والاستعباد؛ ما ينتج عن كل ذلك مجتمعات مشوَّهة الأثر، معطّلة القيمة، مسلوبة المعنى، في تكدُّس بشري عالة على الجغرافيا، وموضوع نسيان في التاريخ!

أية مثالية في أن يتسلّم فيلسوفٌ مقاليد الحكم؟ ومن قال، إن الفيلسوف بيده مفاتيح حلول العالم، ووضع حد لمشكلاته؟ ومن قال، إنه في زمن ممعن في التمسُّك بالتفاهات ستنتشل الفلسفة والفلاسفة الإنسانَ من تفاهات ما يُمارس عليه؟ وستضمن له كرامته التي غُيِّبتْ، وخبزه الذي صودر، وآماله التي يراها تتحطّم أمام عينيه في كل شبْر وزاوية من الأوطان التي قُدِّر له أن يكون رقَماً فيها؟

***

العالم اليوم؛ وخصوصاً في جغرافيات الاستبداد، لا ينتظر على أحرّ من الجمر إطلالة فيلسوف يحكمه ليخرجه من نيْر ذلك الاستبداد، إلى متاهات المثالية، والمفاهيم التي لن يدخل النار بسبب جهلها ولن يتصدَّر مكانه في الجنة إذا هضمها واستوعبها.

المشكلة، والمأزق والمصيبة والكارثة، أن الفيلسوف في جغرافيات الاستبداد إذا قُدِّر له أن يحكم، سيتناسى وسيتعامل مع كل تلك التنظيرات والمثاليات (بحسب انحدار المهيمنين على الزمن في وقتنا) باعتبارها هراء، وإضاعة وقت، أمام إغراء السلطة ومجاميع العبيد الرُّكّع السجود!

فارحمونا يرحمكم الله من أفلاطون، ومحمد سياد بري سابقاً في الصومال مروراً بحسني مبارك، وليس انتهاء بالحقوقي الرئيس في تونس وغيره من الذين ذهبوا إلى ما بعد الغيبوبة ومازالت الجوقات مصرَّةً على أنها أصل الحضور ومدخل ومخرج كل فلسفة!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4128 - الأربعاء 25 ديسمبر 2013م الموافق 22 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً