العدد 4150 - الخميس 16 يناير 2014م الموافق 15 ربيع الاول 1435هـ

موسم البر في منظومة عمل التوعية البيئية

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

تتميز المناطق البرية في شبه الجزيرة العربية بخصائصها المناخية والجمالية في فصل الشتاء، وتتحول إلى واحة من الجمال الطبيعي في موسم الأمطار. وتشهد في هذا الموسم من السنة إقبالاً متزايداً من كافة الشرائح الاجتماعية للاستمتاع ببيئاتها الطبيعية، وذلك تقليد مجتمعي صار ثقافة تتوارثها الأجيال، ويتوافد مرتادو المناطق البرية في هذه المرحلة من السنة للراحة والاستجمام وممارسة الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضات البرية.

السلوك غير الرشيد للغالبية العظمى لمرتادي المناطق البرية صار ظاهرةً واضحةً، وما جرى توصيفه في مقالنا السابق بشأن طبيعة الأنشطة الاجتماعية في المناطق البرية يؤكد على استمرار الانحدار إلى ثقافة اللامعقول في سلوك ومفاهيم العلاقة مع نظمها البيئية وعدم الالتزام بقواعد المنظومة القيمية للعقد الاجتماعي المحدّدة لأنماط المفاهيم الرشيدة التي كانت سائدة في المراحل التاريخية السابقة.

ومن الطبيعي أن يتسبب ذلك في حدوث الآثار السلبية الاجتماعية والبيئية، والتأثير المعنوي على المجتمعات المحلية القاطنين في المناطق البرية وإحداث الأضرار الجسيمة بمرتادي تلك المناطق وتجريف التربة وتدمير الغطاء النباتي وإتلاف الأشجار ذات الأهمية البيئية والوطنية والقتل العبثي للحيوانات والطيور والزواحف البرية، وتلويث المناطق البرية ذات الأهمية السياحية والاجتماعية والبيئية، والإخلال بالتوازن البيئي للمناطق البرية.

ان الخواص والمميزات البيئية وثوابت مظاهر المتغيرات في المفاهيم المجتمعية في العلاقة مع بيئات المناطق البرية جعلها في مقدمة أولويات خطط العمل الاستراتيجي لدول منطقة شبه الجزيرة العربية. وتمحورت تلك الخطط في جوانبها الرئيسة على الأهداف الممنهجة للارتقاء بمفاهيم الوعي والسلوك البيئي لمرتادي المناطق البرية وتنفيذ البرامج الموجهة لنشر ثقافة العلاقة الرشيدة مع نظمها البيئية.

دولة الإمارات من الدول التي اضطلعت بدور بارز في إنتاج البرامج المؤسسة المعنية بتنمية الوعي البيئي لمرتادي المناطق البرية، ويحسب للشارقة مبادراتها المتميزة في استراتيجية العمل الممنهج لبناء السلوك البيئي السليم لمرتادي البر. وكانت البداية في حفل افتتاح محمية الظليماء البرية في منطقة البطائح نهاية العام 2007، عندما استوقفنا حاكم الشارقة مع رئيس هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة سابقاً عبد العزيز عبد الله المدفع وقال: «عليكم بالتفكير في كيفية توعية الناس للحفاظ على هذه المعالم الطبيعية».

ووفق توجيهات حاكم الشارقة شاركنا في جولة ميدانية في المناطق البرية برفقة شخصيات من المجتمع المحلي في مدينة الذيد (بخيت المسافري وابنه عبدالله المسافري وخبير بالمسارات في المناطق البرية) وبالارتكاز على ما جرى تبينه من حقائق الممارسات غير الرشيدة جرى وضع خطة عمل حملة التوعية البيئية لمرتادي المناطق البرية في الشارقة تحت شعار»البيئة البرية بيتنا المشترك». وبدأت فعالياتها بتنظيم قافلة للتوعية البيئية في الفترة من 31 مارس حتى نهاية أبريل 2004، طافت بالمناطق الرئيسة والمدارس والمؤسسات الإعلامية في الشارقة، وصارت الحدث البيئي الأهم الذي ترك أثره في ذاكرة المجتمعات المحلية وهواة الرحلات البرية.

حملة التوعية البيئية لمرتادي المناطق البرية في الشارقة حظيت باهتمام ودعم حاكم الشارقة، وكان ذلك مؤشراً مهماً في تواتر نشاطاتها ومحفزاً لفريق العمل التنفيذي للحملة في ابتكار الجديد من البرامج والارتقاء بمناهج عملها التنفيذي، وساهم ذلك في ما حققته من انجازات مشهودة. وتشكل المسئولية والالتزام والإخلاص في تحقيق جودة المنجز مقوماً رئيساً في البحث عن الجديد من الأفكار لتطوير برنامج الحملة التي يؤخذ في بنائها مزاج المجتمع ومستوى جاهزيته للتفاعل مع الأنشطة، وجرى الحرص في أن تكون مرنة وميسرة تجسد متطلبات واحتياجات المجتمع.

أشرفنا على إدارة الحملة حتى نسختها الخامسة في العام 2012، وحرصنا على أن يصير برنامجها منذ انطلاقتها وسيلة لبناء الشراكة المؤسسية وتأكيد المسئولية المجتمعية لإنجاز أهدافها. ويشكل برنامج جولة في أحضان الطبيعة مخرجاً مهماً لذلك التوجه، ووفق استراتيجية أهداف الحملة جرى العمل ضمن برنامج النسخة الخامسة للحملة، تسجيل رسائل التوعية البيئية لمرتادي المناطق البرية بالتعاون مع الفنان الإماراتي عبدالله ابوعابد وتلفزيون الشارقة، وتنظيم برنامج البيئة البرية في المدارس، وبرنامج الحياة البرية في منتزه الصحراء، وبرنامج لا تترك أثراً، والمعرض البيئي المتنقل، والمسرحية الغنائية «حياتي في البر» بالتعاون مع المكتب الثقافي في المجلس الأعلى لشئون الأسرة، وتحفيز المؤسسات في الشارقة لتنفيذ برامجها الخاصة. وتوّجت نشاطات الحملة بإصدار المجلس التنفيذي لحكومة الشارقة في 6 مارس/آذار2012، القرار رقم (9) لسنة 2012 بشأن منع التدهور البيئي في المناطق البرية في الشارقة.

أحدثت الحملة على مدى خمس دورات متوالية، صدى بيئياً وحراكاً مجتمعياً وإعلامياً ومؤسسياً، ترك أثره الايجابي على السلوك والوعي الاجتماعي في العلاقة مع المعالم الطبيعية في المناطق البرية. وأسس ذلك النشاط في بروز حركة اجتماعية فاعلة في عموم الإمارات، وضعت البيئة البرية هدفاً رئيساً لنشاطاتها، تمثلت مفاصلها الرئيسة في مبادرة الشيخ عبدالله بن زايد في تنظيم حملة تنظيف البر، وحملة بلدية دبي لتنظيف البر تحت شعار «اترك المكان نظيفاً... لينعم به غيرك». وتبنت المبادرات أهداف مؤسسة لتفعيل نشاطات العمل الاستراتيجي الموجّه لبناء ثقافة مجتمعية واعية للأهمية التاريخية والحضارية للمناطق البرية وصون معالمها البيئية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4150 - الخميس 16 يناير 2014م الموافق 15 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً