العدد 4157 - الخميس 23 يناير 2014م الموافق 22 ربيع الاول 1435هـ

بشائر

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

المبادرة التي أطلقها جلالة ملك مملكة البحرين بشأن الحوار الوطني تركت أثرها الايجابي على المزاج الاجتماعي العام، وعلى الرغم من المواقف والآراء المتباينة بشأنها إلا أنها تشكل بادرة إيجابية يمكن أن تحدث منعطفاً تاريخياً في حياة بلادنا وتؤسس لتوجه شفاف يسهم في بناء مقومات أرضية الحوار العاقل وثقافة الحكمة في تدبر أمور منظومتنا المجتمعية وتمهيد الطريق لإبحار سفينتا المشتركة إلى بر الأمان.

إن مجتمعنا البحريني المعروف بقيمه الراسخة وموروثه الثقافي والحضاري في تبني لغة الحكمة والسلم المجتمعي وحرصه الشديد على صون وحدته الوطنية، استبشر خيراً بلقاء سمو ولي العهد بممثلي المعارضة. تلك لحظات تاريخية عادت بي إلى ذلك التاريخ المضيء في مسيرة بلادنا الحضارية عندما أعلن عاهل البلاد العام 2000 مرحلة الاصلاح الديمقراطي، كنت يومها أتابع بعين المتعقل والمهتم بمجريات الأحداث وأتأمل معانيها، وكنت آمل كما غيري أن تمطرنا السماء بخيرها وتنجلي الغيوم الداكنة من كبد السماء، وتسعدنا الشمس بدفء أشعتها.

يومها طار القلم سعيداً ليستقر بين أناملي التواقة للتعبير عن فرحي وجعل القلم يسجل بركان الفرح المتفجر في داخلي الذي أخذت ترانيمه تتعالى بين جدران مكتبي في منتزه الصحراء في الشارقة. يومها خط قلمي مقالاً جسدت بين سطوره ومفرداته قراءة متمعنة للانعطافة التاريخية التي تمر بها بلادنا حمل عنوان «رياح التغيير في البحرين»، جرى نشره في صحيفة «الخليج» الإماراتية. كان الأمل والعمل الوطني المشترك لصناعة مستقبل مشرق لمجتمعنا البحريني محوراً رئيساً في مقالي الذي سجّل تطلعاته في بروز آفاق جديدة لمجتمعنا، وكانت حكمة التريث والتأمل والدعوة للمعالجة المتعقلة للمتغيرات التاريخية والمساهمة الواعية في تشييد البنى المؤسسية والمجتمعية المرتكزة على المنظومة القيمية لثقافتنا الحضارية لبناء مستقبلنا الوطني المبني على أسس التعايش والعمل المشترك والديمقراطية وتكافؤ الفرص في العمل والانجاز وبناء المجتمع المتساوي في الحقوق والواجبات، هي الفواصل الرئيسة لذلك المقال.

في النصف الأول من فبراير/ شباط 2001 شددت الرحال إلى أبوظبي حيث موقع الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني، وتوافد البحرينيون من كل بقعة في الإمارات لتسجيل موقفهم المؤيد لمسيرة التغيير الديمقراطي وبناء مرحلة تاريخية جديدة تؤكد على الثوابت التي حددها ميثاق العمل الوطني.

وفي بداية مارس/ آذار 2001 وجدت نفسي أحط الرحال في مطار البحرين الدولي، وكانت السعادة تغمر وجداني. خرجت وكان في استقبالي حشد من الأصدقاء غيّر الزمن ملامح وجوههم المحفوظة في مخيلتي، جعلني أفقد القدرة على التعرف على الكثير منهم، لحظات ووجدت نفسي في موكب احتفالي ضم كوكبة من الأهل والأصدقاء. كنت أطل من نافذة مركبة ابنة أخي «روزا جعفر الوداعي» التي حرصت على تزيينها بالورود تعبيراً عن الفرح الذي كان ظاهرة ميّزت شوارع البحرين في تلك المرحلة التاريخية، وكان صديقي الفنان يوسف الزيرة يلاحق الموكب بكامرته يسجل تلك اللحظة التاريخية، وكنت أشاهد الناس وهم يعيشون الفرح.

كان الجميع في الشوارع يطلقون أبواق مركباتهم ابتهاجاً بالمتغيرات التاريخية. عندما وصلت إلى بلدتي باربار، وجدت الناس كباراً وصغاراً يزحفون زرافات زرافات للترحيب بقدومي وعلامات الابتسامة والفرح تعلو وجوههم المستبشرة بالخير، وحين اقتربت من باب منزلنا خرجت أمي (رحمها الله) تهرول لاستقبالي، وكانت دموع الفرح تنهمر من عينيها، فهي التي سهرت على تربيتى وتكبّدت عناء الفراق الطويل. يومها لم أتمكّن من التوجه إلى مجلس العائلة قبل أن أزور قبر المرحوم والدي، الذي يعود إليه الفضل في ترسيخ قيم التسامح وحب الناس في علاقاتي المجتمعية، ويعود إليه الفضل أيضاً في تحفيزي لاقتحام الصعاب ومواصلة الدراسة الجامعية.

ولم تبارحني تلك اللحظات الإنسانية عندما وقفت لأيامٍ أستقبل المهنئين الذين ينتمون إلى العديد من الأسر والقرى والبلدات في بلادنا، والذين لا أعرف الكثير منهم، وقد جاءوا للترحيب بي وتهنئتي على العودة إلى بلدي الحبيب. إنها لحظة تاريخية ظلت محفوظةً في مخيلتي وعادت لتتجدد في ما نشهده من بوادر منعطف تاريخي نتعشم فيه الأمل لبزوغ فجر جديد.

الزيارة التاريخية لجلالة الملك إلى جزيرة سترة في خضم المتغيرات السياسية في بلادنا في 11 فبراير 2001 والتي بثها تلفزيون البحرين كانت مشهداً إنسانياً ذا بعد وطني وحضاري، وكنت يومها جالساً أحزم أمتعتي للسفر إلى البحرين بعد غياب طويل. المشهد الحضاري الذي جسدته حفاوة استقبال أهالي سترة والحديث الإنساني لجلالة الملك مع الناس جعلني أتسمّر أمام التلفاز أتمعن في تلك المشاهد الإنسانية الرائعة التي جسّدت بعمق قيم وثقافة أهل البحرين الحضارية في التسامح والحرص على لمّ شمل منظومتنا المجتمعية وصون إرثنا الوطني والحضاري.

حقائق التاريخ تشير إلى قدرتنا على تجاوز الصعاب والمحن، وتبني النهج العاقل والحكيم في معالجة قضايانا المصيرية، وتبصر مواجع الألم وعلاجه، وما نشهده بادرة طيبة تجسد حكمة القيادة التي نتأمل أن تثمر خيراً.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4157 - الخميس 23 يناير 2014م الموافق 22 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:12 ص

      الى التعليق _1

      أجزم انك لم تفهم قصد الدكتور علي فخرو وايضا قصد الكاتب.

    • زائر 2 | 3:40 ص

      المعتقلين

      لتهيئة الجو الافراج عن المعتقلين منهم الرموز وبهذا تبدي حسن النيات دامت كلماتك

    • زائر 1 | 1:13 ص

      اقرأ

      مقال د علي فخرو ووايد حليو ينطبق ..

اقرأ ايضاً