العدد 4177 - الأربعاء 12 فبراير 2014م الموافق 12 ربيع الثاني 1435هـ

توحُّش «الدولة» العربية... البدويّ الأميركي... المدنيات الهشَّة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

‏الحضارة لا تستوي وتثمر وتُظِلُّ الإنسان، كلَّ الإنسان إلا باستواء الأخلاق؛ وكذلك التمدّن. التوحّش نقيض الاثنين. البداوة المتوحّشة، تلك التي تخرج عن سماتها التي نعرف، تتبدّى اليوم في كثيرٍ من سلوكها والطبْع في وهم «الدولة» العربية! حتى في البيئات المستقرة التي تأوي إليها البداوة المتوحّشة ينالها نصيب من الخراب وخلخلة الاستقرار، والتعالي على الأنظمة والقوانين وتجاوزها؛ بحيث تصبح الفوضى والتوحُّش هما القانون!

***

‏لا أثر أو ملمح لـ «الدولة العربية» اليوم فيما تمارس. التقسيمات والأنظمة والقوانين المُعطّلة، أو تلك التي باعتبارها واجهة لمشروع/ وهم «الدولة» لا تصنع دولةً. المكلّفون بتثبيت تلك التقسيمات والأنظمة والقوانين هم الذين يصنعونها. التلاعب بكل ذلك هو في صورةٍ أو أخرى، انشداد إلى بداوة في صورةٍ أو أخرى. الأولى تصنع الاستقرار والمدنية والإنجاز. الثانية على النقيض من ذلك. الاكتفاء بالأولويات ضمن المتاح، وإن لم يتوافر يتم التطلّع لاستمرار الحياة إلى ما في يد الغير. ما يملكه الآخر، سطواً عليه، ومصادرة له.

ربما هي أسوأ نماذج البداوة المتوحشة تلك التي نشهد منذ أكثر من قرن على قيام قشْر ما يسمّى «الدولة» العربية. «الدولة» القشْر لا تصنع صلابةً في إنسانها. يطوله شيء من تلك الهشاشة، وأيضاً في صورة أو أخرى، والغالب اكتسابه شيئاً من التوحّش بفعل ما يُمارس عليه من انتهاكات وتجاوزات!

نتكلم عن بداوة يائسة لا من حيث هي في تقسيم المَواطِن، وطريقة العيش وسبل الوصول إليه، بشهامة أخلاق ومُثُل وقيم. تلك مسألة لا أحد يُماري فيها. الغالب في الأمر مما نشهد، خلاف ذلك. النقيض والفظيع في آن.

***

في السلوك الرسمي العربي اليوم، ثمة بداوةٌ في الدرجة الحرجة من جلافتها واستمرائها للهتك والتجاوز والقفز على أبسط مسلّمات الأخلاق حتى عند قطيع مهيمن من الحيوان. صور الإلغاء والفتْك والسحْل والفرْم والإذابة في أحواض الأسيد تتجاوز البداوة التي نعرف في صورها السلبية، وخضوع أصحابها للأساسيات في معاشهم، على عكس الحضر الذين يتجاوزون ذلك إلى الكماليات ووسائل وأدوات الترفيه؛ ما يدفع بذلك الخضوع إلى النظر إلى ما في أيدي سواهم بدءاً بالمراعي الوافرة لبعضهم وشحّها لديهم، وما يرتبط بكل ذلك؛ كمحفّز لتهييج حاسّة الاستيلاء، ولا يهم بعد ذلك الطرق والأساليب المؤدية إليه!

كل وهم ما يسمّى «الدولة» العربية اليوم، هو صورة مضخّمة في الأثر والفعل المسيء حتى للبداوة. لا دولة بعقلية السطو على كل شيء. ولا دولة بتأصيل قوانين وسلوكات تؤكد وتعمّق البداوة وإن موّهتْ بالنشيد والسلام الوطني ودور الأوبرا، ونوادي اليخوت وبرنامج «arab got talent»!

***

التوحّش ولو جاء من عمق المدنيّة اليوم: أميركا/ أوروبا، وبعض المدنيات الزائفة. المدنيات الفوقية. مدنيات القشْر، المدنيات الرخْوة والهشّة؛ يظل تعبيراً عن بداوة الأخلاق والسلوك. بداوة شقراء بعيون زرقاء وربطة عنق. لا تكف عن القتل والغزو والاستيلاء وتحت عناوين تبدأ ولكنها لا تنتهي!

***

الإبادات الجماعية للسكّان الأصليين في القارة الأميركية، كانت تعبّر عن بداوة اللاأخلاق. تعبّر عن شهوة تفريغ المكان من التاريخ وأثره عبْر محْو أثر الإنسان الذي كان شاهداً على التفاصيل. الأرض تتحدث باسمه. تتكلم لغته.

***

الإنسان البدوي الأبيض (المتحضّر شكلاً) لم يعر اهتماماً بالإنسان؛ لذا لم يكن للبيئة أدنى اهتمام في حساباته. على العكس كان يعمد إلى حرق قرى وأماكن استقرار اتخذها الهنود الحمْر وطناً ضمن وطن كبير؛ ستجرفه وتمحو إنسانه العنصرية وبداوة البطش والقوة.

ذلك الذي تم النظر إليه باعتباره «بدوياً» في التقريرات المسبقة والمُستهدفة وجوده، كان من ضمن رقيّه واحترامه لكل التفاصيل من حوله احترام البيئة. لا يمكن لأي هندي أحمر أن يوضع في موقف اضطراري (الطقس... الجوع كي يُنْضجَ ما يريد أكله؛ أو غلْي أعشاب لدوائه) بقطع شجرة من دون أن يسبق ذلك القطْع بطقوس اعتذار للشجرة هي في نهايتها صلاة... صلاته. المستعمر والمحتل بتوحّش روحه وأخلاقه وظيفته أن يجعل القاع صفصفاً!

***

لن تجد بين أمم الأرض اليوم من تغادر ترسانته خارج الحدود تحت عنوان «حماية الأمن والمواطن الأميركي» كما يحدث في بلاد العم سام! الغزوات والمطامع تتعدد. من المراعي والمياه يومها إلى التحكّم في المنافذ المائية وجغرافيا الثروات. استبدل الماء بالطاقة هذه المرة، ومستقبلاً ستعود المياه ساحات للحرب والاقتتال ومزيد من التدخل!

***

الدولة الحديثة وجدت للمستقبل. البداوة ابنة اللحظة مشدودة إلى الماضي!

البداوة أن تشعر بالوحشة وحين يتوافر الاجتماع البشري لك تستيقظ الوحشية فيك لوضع حدّ له. ترى فيه إزعاجاً لك، وتطفّلاً على تخلّفك!

***

عربياً، هناك من يحاول تفريغ المكان من بشره. تكبر شهوة تفريغ المكان من التاريخ ليتم تفريغ البشر الذين تشهد كل ذرة من تراب الأرض على أنهم فوق أنهم كانوا هنا، صنعوا كل العمق والإدهاش الممتد لآلاف السنوات أيضاً، ويُراد له بوهم «الدولة» أيضاً أن يضمحّل ويذوي ويتلاشى. وذلك هو ما بعد التوحّش بمراحل!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4177 - الأربعاء 12 فبراير 2014م الموافق 12 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:22 م

      وقع العربان اليوم

      كما تقول و اكثر من سوء ما يسمى الدولة العربية

    • زائر 1 | 7:07 ص

      دولة مدنية ورقية

      نجدها في دستورها وتوقيعها على العهود والمواثيق الدولية ونجدها في صحفها اعلامها الملمع لها و نجدها في برلمانها وسلطاتها وقضائها وقوانينها نجدها توزع مناصب هنا وهناك لكنها دولة مدنية ورقية في عمقها هذا اميركم ومن بعده هذا ومن ابى فهذا ولوح بالسيف

اقرأ ايضاً