العدد 4190 - الثلثاء 25 فبراير 2014م الموافق 25 ربيع الثاني 1435هـ

مؤشرات معركة الجنوب

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

بعد انقضاء خمسة أيام من المفاوضات التي أنتجت فشلاً مدوياً أقر به المندوب الأممي الأخضر الإبراهيمي في نهاية الجولة الثانية لجنيف 2، والتي لم يتحدّد موعدها الثالث بعد، وتبادل كثيف للاتهامات بين طرفي النزاع حول المتسبب بالفشل، تواردت أنباء وتقارير تُفصح عن مؤشرات ميدانية باستعادة الخيار العسكري ضد سورية عبر الجبهة الجنوبية في درعا. ترى ما هي تلك المؤشرات؟ ولِمَ تنطلق الحرب من درعا بالذات؟ أبرز المؤشرات التي تضمنتها تقارير الصحافة هي:

الأول: غضب دول أعضاء في «منظمة حظر الأسلحة الكيمائية» بشأن تأخر إتلاف الترسانة السورية التي قيل إنّ النظام لم يقم بنقل سوى 11% من عناصره الكيميائية، فيما ينوى استجلاء الـ 1200 طن منها بحلول شهر مايو/ أيار القادم.

الثاني: ثمة تسريبات كشفتها «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مصادر في الإدارة الأميركية بأنّ الأخيرة تعيد تقييم استراتيجيتها في سورية، وتبذل جهوداً لاستعادة الاعتبار للخيارات العسكرية من بينها: «إيجاد منطقة حظر للطيران وتقديم صورايخ مضادة للطائرات بعيدة المدى لقوى المعارضة المسلحة بإشراف فرق استخباراتية أميركية تديرها مراكز مراقبة في الأردن، وتعزيز خطة سرية تختص بتسليحها وتدريبها نوعياً تحت إدارة قوات أميركية خاصة أيضاً تمكنها من الاحتفاظ بمناطق خارجة عن سيطرة الدولة».

في السياق عبّرت أوساط عسكرية وأمنية واستخبارية أميركية عن ترحيبها بهذه الخيارات، خصوصاً والخطة هي ذاتها التي وضعت سابقاً، وإنّ بدا ظاهراً تباين في المواقف الأميركية، كتصريح متحدثة البيت الأبيض بأنّ «الولايات المتحدة لازالت تعتقد أنّ الدبلوماسية هي السبيل الأمثل لإنّهاء الحرب الأهلية في سورية، لكنها تبحث كل الخيارات»؛ أو ما ذكره مسئول آخر بأن «الولايات المتحدة تعارض تزويد قوات المعارضة السورية بصواريخ تطلق من على الكتف ويمكنها إسقاط طائرات حربية». وفي الأخير يستوجب التأمل ملياً فيما وراء نصائح المبعوث الأميركي روبرت فورد لقوى المعارضة في جنيف بأنّ عليها «تطوير عملياتها على الجبهة الجنوبية في حوران من الأردن إلى مشارف الريف الدمشقي للرد على التصلب السوري»، في إشارةٍ لهجوم نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الذي استهدف دمشق، وبتنظيمٍ من أجهزة أميركية وفرنسية وأردنية وخليجية في الغوطة، وبمشاركة قرابة 2500 مقاتل.

الثالث: بدورها نشرت وكالة «رويترز» أنباء عن ارتفاع عدد اللاجئين السوريين عند معبر «الرويشد»، الوحيد الذي حدّده الأردن بسبب التصعيد العسكري في محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبيتين، فيما بينت مصادر أخرى أنّ دولة خليجية نقلت قوافل إغاثة كبيرة إلى منطقة «الرمتا» الحدودية وبكميات كبيرة من الخيم لاستقبال اللاجئين عند بدء العمليات العسكرية المتوقعة ولمنع دخولهم للأردن.

الرابع: أحاديث لمراقبين عن تشكل غرفة عمليات في الأردن تضم أميركييّن وحلفاءهم من الأوربيّين والعرب، تعمل على تأهيل مدارج إقلاع قرب الحدود السورية-الأردنية لاستخدامها في المراقبة والتدخل الجوي بطائرات دون طيار، وللرصد واستطلاع معابر الأسلحة، والإشراف على نقل الأطنان من الأسلحة الخفيفة والثقيلة كالصورايخ المضادة للدبابات وعربات مصفحة وأجهزة اتصال مشفرة، ناهيك عن شراء أسلحة وتحميلها عبر مطار المفرق بالأردن، بواسطة قوافل تعبر أسبوعياً بما لا يقل عن 15 طناً عبر ممرات البادية في الحدود، لتودع فيما يفوق 15 مركزاً في المنطقة الممتدة نحو الغوطة الشرقية، ذلك على الرغم ممّا أشيع عن تردد الأميركان في تقديم صواريخ متطورة للمعارضة بحجة وقوعها في يد الإرهابيّين «كجبهة النصرة» المنافسة «للجيش الحر»، الذي أعيد تنظيم 49 فصيلاً مقاتلاً منه، وأعلن عن تجميعها وتوحدها تحت «الجبهة الجنوبية المشتركة» التي تضم قرابة 30 ألف مسلح. ويشار إلى إنّها –أي الجبهة- تشكلت على خلفية قرار أميركي مع إحدى دول الخليج، وبالتنسيق مع الأردن بهدف إسقاط نظام بشار الأسد.

في الإطار، ثمة لقاء سري كشفت عنه «نيويورك تايمز» عقد بواشنطن وضم مسئولين استخبارييّن من الأميركييّن وحلفائهم الأوروبييّن والعرب، حيث اتفقوا على توفير دعم عسكري للمعارضة التي صنفوها إلى مجموعات مؤهلة لتلقي الأسلحة والمساعدة، وأخرى غير مؤهلة لتشدّدها، الأمر الذي فسره المحلّلون باستنفاد المسار الدبلوماسي وتغيير التوازن الميداني لإجبار السورييّن على التفاوض؛ ناهيك عن عزل اللواء سليم إدريس من رئاسة هيئة أركان الجيش الحر الذي أعيد تشكيل هيئته بإشراف العميد عبدالإله البشر المشتبه باختراقه أمنياً لقيادة المعركة المحتملة. وماذا بعد؟ الكثير الكثير.

الخامس: استمرار الحروب المركبة التي تقوم بها «جبهة النصرة» و»جند الشام» في ريف «درعا» الشرقي على الجيش السوري، ويقال إنهم استطاعوا السيطرة على الموقع بعد اشتباكات عنيفة، فيما القتال مستمر من جهة أخرى بين «داعش» والجماعات المسلحة المختلفة من بينها «الجيش الحر» و»وحدات حماية الشعب الكردية» في جبهة أعزاز وغيرها.

السادس: في المقابل يشير مراقبون إلى حالة استنفار شديدة للجيش السوري الرسمي للتصدّي لأي هجوم مباغت لاسيّما بعد رصده الحدود الأردنية منذ فترة، وبعد سقوط 50 قتيلاً للمعارضة المسلحة في معركة يبرود بالقلمون، من بينهم قياديون، إلى جانب استنفار متصل في قرى المحافظات الجنوبية ونصب لكمائن تخوفاً من مهاجمة مسلحي المعارضة، بمؤازرة الهجوم الذي يشنه الجيش السوري بالدبابات والقصف الجوي المستمر لإنهاك واستنزاف مسلحي المعارضة وتشتيت قواهم، واستمرار عملياته في حلب شمالاً وسيطرته على نقاط استراتيجية واقتحامه المدينة من عدة أطراف لإحكام الطوق على المسلحين، والمعارك الدائرة داخل المدينة الصناعية وجنوب السجن المركزي وفي المزارع والمنشآت الواقعة على أطراف حلب الشرقية، أضف إليها أنباء وردت عن تعزيز بوحدات إضافية من مقاتلي «حزب الله» بدأت تصل إلى الجنوب ومجموعات من ضباط الحرس الثوري الإيراني لتنسيق العمليات في المنطقة ومساندة الجيش السوري.

إذاً هذه هي مؤشرات التحضير للهجوم المحتمل الذي بات وشيكاً وربما يغيّر قواعد اللعبة، وقد سبق وأفشل «جنيف 2»، علماً أنّ عمليات التحضيرات لم تتوقف وإن اشتدت الآن، أمَا لِمَ اختيرت «درعا» هذه المرة بالذات؟ فذلك -وحسب محلّلين- يعود لعوامل عسكرية ولوجستية، إما لجهة إطلالتها على حدود طويلة مع الأردن ما يجعلها تمثل خطوط إمداد آمنة، وإما لخلوها من تواجد «تنظيم داعش» ووقوعها تحت سيطرة «جبهة النصرة» التي يراهن عليها هذه المرة في تحسين الموازين على رغم تصنيفها على قائمة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة، مع تكرار الأحاديث عن اختراقها استخباراتياً من الأميركان والأردنييّن، وإما لأنّها لا تعاني من الحروب المركبة وما تفرزه من فوضى واختراقات أمنية أو لجميع العوامل مجتمعة.

ومنه يحق السؤال عن مدى جدية القوى الدولية والإقليمية لإنهاء النزاع السوري الذي بات نزاعاً إقليمياً بامتياز، تتصارع فيه عدة قوى بالوكالة بهدف تعزيز نفوذها وحماية مصالحها، واستمراره سيؤدي لا محالة إلى انفجار حرب إقليمية، قد ترتد على الدول المجاورة وأوّلها الأردن، كما سيفتت المنطقة ويعيد رسم خارطتها عدا عن آثاره العميقة على النظام الدولي، فهل سنشهد تراجعاً عن الدخول في «معركة الجنوب/ درعا» كما تم التراجع عن توجيه الضربة العسكرية؟

بجد، الإجابة تجدونها لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية وتوابعها، أما الشعوب فليس بيدها غير الدعاء للخلاص من هذه الكارثة والكابوس!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4190 - الثلثاء 25 فبراير 2014م الموافق 25 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:58 ص

      لحفض ماؤ الوجه وتفتيت المنطقة

      لن تكون نزهة لأميركا وتوابعها و من الغباء ان تكرر نفس الفعل وبنفس الطريقة وتتوقع نتائج مختلفة

اقرأ ايضاً