العدد 4224 - الإثنين 31 مارس 2014م الموافق 30 جمادى الأولى 1435هـ

الطائفية القذرة كحائط صد في زمن الربيع العربي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

العنوان أعلاه مستوحى من اسم لكتاب صدر حديثاً عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر «الخليج الطائفي: الربيع الذي لم يحدث»، للباحث في جامعة كامبردج البريطانية توبي ماثيسن، الذي أعد أطروحته للدكتوراه عن الشيعة في الخليج، وكان حاضراً في البحرين ودول خليجية أخرى حين بدأت الاحتجاجات فيها، ورصد بدايتها وتطوّر مسارها وما نتج منها.

يقول ماثيسن في الكتاب بأن السبب الأساس لغياب «ربيع عربي» في الخليج يكمن في نجاح السلطات في تحويل الخطاب العام من مسائل الديمقراطية والتمثيل والمشاركة في سياقات اتخاذ القرار، إلى المسألة الطائفية، أي علاقات الشيعة والسنة. وتضمنت هذه «الثورة المضادة» التشديد على العنصر الشيعي في أوساط الساعين إلى التغيير، وكذا إلى الدور الخارجي الايراني.

وإضافة إلى ذلك، تم استخدام شركات العلاقات العامة، كمنظومة متفرعة من السفراء السابقين، الأكاديميين ورجال الأعمال، ممن يحرصون على إبراز مركزية الشيعة وإيران في الأحداث المختلفة في منطقة الخليج بشكل خاص، وفي الشرق الأوسط بشكل عام. وكان لمطالب التغيير في الخليج شركاء سُنّة كثيرون، كما يقول الباحث، ولكن إجراءات السلطات دفعت إلى الزاوية بالمطالب الليبرالية وبالنشطاء السُنّة ممن خشوا من أن يتخذوا صورة من يؤيّد الشيعة. وبعد النجاح البارز لهذه الخطوة، كان التخوّف الأساس لدول الخليج، هو عودة النقاش إلى مسائل التحوّل الديمقراطي والتمثيل وحقوق الإنسان. يقول الكاتب: «عندما واجهت دول الخليج تفاقم التحديات السياسية في مطلع العام 2011 جيّشت النزعة الطائفية من أجل إسكات الدعوات المحليّة بالإصلاح».

يحاول الكتاب الإجابة على الأسئلة التالية: لماذا لم يسفر الحراك الشعبي الواسع في بعض الدول الخليجية – على تفاوت سقوف مطالبها وعمقها الجماهيري – عن أية نتيجة تستحق الذكر في ملف الإصلاح السياسي؟ بل ما حصل هو عكس ذلك، حيث تضاءلت مساحة الحريات واشتد القمع في عدد من دول الخليج. وما هو دور الاحتقان الطائفي الموجود لأسباب سياسيّة وتاريخية، والذي يوظف أيضاً من قبل بعض السلطات في زيادة انقسام المجتمع وضرب أي حراك إصلاحي؟

استعان الباحث بحشد من المقابلات والمصادر الأصيلة، وقد أتاحت له تجربته كشاهد عيان على تأثيرات الربيع العربي على دول الخليج، مخزوناً هائلاً من الخبرة والمعرفة والإحاطة بالإشكاليات التي يثيرها ويحاول الاجابة عليها الكتاب. فقد أمضى خمس سنوات يبحث في التاريخ السياسي لشيعة الخليج، متخذاً من السعودية والبحرين دائرة اشتغاله البحثي الأساسية، وكتابه الحالي يمثل حلقةً ضروريةً ومكملةً للصورة التي حاول تقديمها وبدأ بها في أطروحته.

الكتاب ينتظم في تمهيد وسبعة فصول وخاتمة، و200 صفحة من رصد تحولات المشهد الخليجي وما حملته وعود الربيع العربي وعواصفه في العام 2011 لغاية 2013. وقد تولّدت فكرة الكتاب عند المؤلف عندما شعر أن ما حصل في الخليج بالتزامن مع الربيع العربي وأعقابه كان «قصة لم تُحكَ بعد»، فوسائل الإعلام الرئيسية وعدد من الأكاديميين الغربيين غير مستعدين أو غير قادرين عموماً على التحدّث عن التطورات الجارية في الخليج. وذلك عائدٌ في بعض النواحي إلى خشيتهم من توقف الخليج عن نشر الإعلانات في وسائل الإعلام الاخبارية أو إمكانية قطع التمويل الخليجي عن الجامعات. «أرجّح أنني لم أكن سأصنف هذا الكتاب لو لم أعايش التجييش الطائفي عياناً، في الخليج وغيره» يقول ماثيسن.

الكتاب إذن إطلالة أكاديمية رصينة تنقل عبرها الباحث بين عواصم خليجية راصداً بعض وجوه وتداعيات التحولات الكبرى في إقليمٍ شهد تحولات دراماتيكية فاجأت العالم. وقد ركّز الكتاب على الجذر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لاندلاع موجة الاحتجاجات التي كانت تأمل بتحقيق قدر معقول من الاصلاح السياسي، غير أن البُعد التاريخي يكاد يختفي من مقاربة الباحث، فهو حين يتحدّث عن «تأجيج التوترات الطائفية» كـ «حائط صدّ» و»ثورة مضادة» لمحاصرة الأصوات المطالبة بالتغيير، نرى معالجته تفتقر إلى الرؤية التاريخية المعمقة لهذه الظاهرة التي التصقت ببعض الأنظمة، وتساور القارئ الشكوك في أن هذا التدبير الوقائي هو وليد لحظة تاريخية صعبة وملتبسة تشكلت على إثر انهيار الأنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهو افتراض ليس في محله بالطبع.

وقد يكون للباحث عذره بلحاظ اتساع الحيز الجغرافي المترامي الذي يشتغل عليه، وكم المعلومات والمصادر والأرقام والأشخاص الذين قابلهم، غير أن الدراسة تمثل إضافةً نوعيةً لمقطع زمني شديد الالتباس والتعقيد لازالت ذيوله فاعلة ومؤثرة فينا.

يخلص الباحث إلى أن «الطائفية (جواب) قصير الأجل للربيع العربي في الخليج، لكن سيتعين على الدول الخليجية التوصل إلى أجوبة عن التحديات التي تلوح في الأفق بسبب انعدام التنوع الاقتصادي وزيادة استهلاك الطاقة والبطالة بين الشباب والمطالبات بإصلاح سياسي في حقبةٍ ومنطقةٍ فقدت فيها النظم الاستبدادية القدرة على التحكم بما يقوله الناس ويطلبونه في العلن». وينتهي إلى أن «حراك الشباب والقوة التعبوية للانترنت والهواتف الذكية وتجربة الربيع العربي كلحظة حاسمة لجيل كامل من الشباب العرب، تعني أن التغيير آتٍ، سواءً من خلال الإصلاح أم من خلال اندلاع ثورة في آخر المطاف».

هذا النموذج من الدراسات والأبحاث، والرسائل التي يتضمنها كـ «توصيات»، هي ما يؤثر في صناعة القرار وتستند عليه جزئياً سياسات الدول العظمى، وهو طرح ينسجم مع الحقيقة كما هي، بلا تزويق أو تحريف أو هروب أو استهبال.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4224 - الإثنين 31 مارس 2014م الموافق 30 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:47 م

      البنية الثقافية للشعوب العربية احد الاسباب في احباط اي تمرد

      الشعوب العربية في الغالب من اصول قبلية و هي تدين لرأس القبيلة بالطاعة المطلقة في حال صوابه او في حال آخر و تتحرك حميتها على الحمية في حال هددت القبيلة او تعدي عليه و قولب فقه السياسة الديني بمواصفات القبيلة فاصبح من الدين الخضوع و عدم مخالفة رئيس القبيلة او الدولة كذلك النظرة الكارهة للغير من المختلفين دينيا او مذهبيا لذلك اي خلاف سياسي يحول لديني لزيادة الكراهية و لتعميم الكراهية على اوسع شريحة

    • زائر 3 زائر 1 | 1:23 م

      الاسلام السياسي

      الاسلام السياسي هو المسؤل عن الطائفية مثال في الخمسينات والستينات كانت تعم البحرين المظاهرات المطالبة بالحقوق ولكن كل شعب البحرين في المظاهرات سنة شيعة لمادا تغير الوضع امريكا واوربا استلمت الاسلام السياسي ودفعت لهم الاموال وبدات في افغنستان ثم العراق وليبيا وحاليا سوريا وهدة التيارات هي التي احدثت الشرخ في المجتماعات العربية وحولت مطالب الشعب الي مطالب طائفية والحل هو في التيارات الديمقراطية التي يلتقي فيها كل المداهب تحت عنوان المواطنة وليس الدين لان الوطن للجميع

اقرأ ايضاً