العدد 4224 - الإثنين 31 مارس 2014م الموافق 30 جمادى الأولى 1435هـ

بأي حالٍ غادرتِ يا قمة؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شاهدوا معي، تخيلاً، هذا الجزء من مشهدٍ تمّ في مارس/ آذار 2001، في العاصمة الأردنية عمَّان، فقد فاجأ معمر القذافي، أيامها، الجميع بطرح فكرة «إسراطين» لحل النزاع التاريخي بين الكيان الصهيوني المُغتصِب للأرض، والفلسطينيين، من خلال دولة ثنائية القومية للعرب واليهود معاً! وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الصحف العربية حينها. كما أنه في القمة نفسها، وصف القذافي، الفلسطينيين بأنهم أغبياء، ما جعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يفرط في الضحك، وسط دهشة الزعماء العرب!

من تلك الأجواء، نعود لكامل مشهد اليوم، لنجد بين ألسنة متلجلجة، وكلمات متنافرة، ومواقف متباينة، وحشرجة في معظم الأصوات المسنة، وتكسيراً في لغتنا العربية، واقع مرير لا تُحسد عليه أية أمةٍ في العالم، وهيمنة عولمية على القرارات، وتصدّع بين الجيران، وتهتك بين الخلان؛ ومدح غريب، للأوضاع والحياة السياسية والحضارية الجميلة في السودان، والصومال، واليمن السعيد!

إن قمة العرب الأخيرة، التي عُقدت تحت شعار «التضامن من أجل مستقبل أفضل»، قد جاءت وغادرت، لا لتضيف رقماً صعباً متحدياً لكل الأزمات وقاطعاً لكل التوقعات، كما فعلت القمة الأوروبية في موقفها من القضية الأوكرانية مؤخراً؛ بل لتضع كل المراقبين المتفائلين بها في حيرة ما بعدها حيرة، عند تفسير الوضع العربي الحالي كما لم يحدث من قبل.

فالمنظومة العربية، ولا نقول الاتحاد العربي، عقدت منذ إنشاء الجامعة العربية العام 1945 وحتى اليوم، 25 قمة عادية، ناهيك عن تلك القمم الطارئة أو الاقتصادية، ملأت أرشيفاً تاريخياً جيداً لبحوث الطلبة ودراساتهم! لكن ما الذي تغيّر في حال الوطن العربي وشعوبه طوال فترة عقد هذه القمم؟ ولا نقصد خريطة هذا الوطن، فما حدث لها يجبر المواطن المسكين على عدم فتحها.

للإجابة، فقط لنتذكر أن قمة «انشاص» المصرية التي انعقدت في شهر مايو/ آيار 1946، بدعوةٍ من الملك فاروق، دعت إلى وقف الهجرة اليهودية، وتحقيق استقلال فلسطين، وتشكيل حكومة تضمن حقوق جميع سكانها الشرعيين من دون تفريق بين عنصر ومذهب، فهل تحقّق ولو 10% من هذه المطالب فقط بعد حوالي سبعين عاماً؟

ولننتقل بسرعة البرق إلى قمة 2014، فنجد على سبيل المثال، تذبذب المواقف العربية، بعد النجاحات العسكرية للجيش السوري على الأرض، في «حوسة مقعد» كما يمكن أن نسميها، بعد إعطاء مقعد الدولة السورية، وهي من المؤسّسين للجامعة، إلى المعارضة المسلحة في سورية للمرة الأولى عربياً، في قمة الدوحة في مارس/ آذار 2013، إثر تعليق عضويتها في الجامعة العربية في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، ولم يحدث قط مثل هذا لأي بلد عربي؛ وبين عدم السماح بذلك في هذه القمة بعد عدة أشهر فقط. فهل فهمت المعارضة السورية المسلحة الرسالة جيداً؟ خصوصاً أن تواجد علم الثورة -كما يسمي- المكوّن من ثلاثة خطوط عرضية بألوان الأخضر والأسود والأبيض، يتوسطها ثلاث نجمات حمراء، لم يُسمح به في هذه القمة إلا بوضعه على «بدلة» بعض أعضاء وفد الائتلاف، أو على أكتافهم بدبابيس وضعوها على ملابسهم. بينما شهد افتتاح القمة رفع علم النظام السوري داخل قصر «بيان» الذي عُقد فيه، وفي الشوارع العامة المحيطة به. وللعلم بأن سورية هي من اقترح عام 1945 تسمية هذا التجمع العربي بـ «الاتحاد العربي»، وليس جامعة الدول العربية، واليوم هي الوحيدة الطريدة منه!

كما لوحظ، وبشكل لافت في قمة العرب الأخيرة، التركيز على القضية الفلسطينية نظرياً فقط عبر الكلمات التي ألقيت فيها، لكن دون ذكر الحصار المفروض على الفلسطينيين، وعدم تسجيل موقف أمام المفاوضات العبثية بين سلطة رام الله وكيان الاحتلال، ولا الأزمة الحقيقية التي تعيشها القيادة الفلسطينية، أو أي شيء لدعمها في وجه الصلف الصهيوني. وكما قال أحد الصحافيين تعليقاً على الخلافات العميقة والابتسامات الميتة أمام الكاميرات: «زمن الابتسامات البلاستيكية المصطنعة انتهى إلى غير رجعة».

ولم يشعر المجتمعون في القمة بعظم مشكلة تؤرق المواطن العربي وتجعله يثور ويتحرك تلقائياً متى ما طفح الكيل، وهي «البطالة الصامتة». فالبنك الدولي – كما يبدو– قد نبّه إلى أمر جد مهم، وهو حاجة الدول العربية لخلق 100 مليون فرصة عمل في العام 2025، وذلك فقط للمحافظة على مستويات البطالة الحالية، ومنعها من الارتفاع. بينما بعض العرب، ولا نقول القمم، أنفقوا حوالي 30 مليار دولار، لا لتوفير فرص عمل، أو دعم البنى التحتية، أو نشر منظومة مصانع تكنولوجية حديثة في طول الوطن العربي وعرضه، أو القضاء على الأمية؛ بل في محاولة، مازالت يائسة، لإسقاط نظام عربي واحد، وليس بناء أنظمة ديمقراطية خارج إطار التوريث.

وكما أن قمة «انشاص» المصرية، لم تصدر بياناً ختامياً ملزماً لأطرافها، كذلك غادرت قمة الكويت دون بيان ختامي. مع العلم بأن قمة العام 1946 عُقدت في ظل ظروف هيمنة استعمارية غريبة شديدة على الشعوب العربية، أما قمة اليوم، فهي تعقد وسط استقلال كل الدول العربية، كما هو معروف، ولكن لا نعلم سبب تشابه ظروفهما في عدم إصدار بيان ختامي!

فهل ستكون هذه القمة، كما يري بعض المراقبين، هي الأخيرة في منظومة القمم العربية الدورية، التي لم تعد تعني القوى الكبرى كثيراً كما كانت في حقبة الناصرية، وأن مصير بقية القمم سيترك فقط لعقدها، الحاجة الماسة؟

لا نحبذ التشاؤم الذي أُرغمنا عليه قسراً ومنهجيةً منذ وُلدنا، لكننا نؤمن بأن المنتظر القادم في تالي الأيام هو ما سيكون قمة القمم التي تُعيد لماء وجه هذا الوطن العربي رونقه وبهاءه، ولشعبه الأبي تأدية رسالته التي من أجلها خُلق كأمةٍ وسطٍ بين الأمم.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4224 - الإثنين 31 مارس 2014م الموافق 30 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:00 ص

      لا تغير

      لا تغيير ف القمم العربية منذ انعقادها الاول وحتى الى يومنا هذا فهي اصبحت عصية ع التغير لكون الانظمة العربية وراثية الحكم لذا لا سبيل للتغيير ما لم يتم تغيير تلك الانظمة وعملية التوريث التي ترفضها الانظمة العربية.

    • زائر 3 | 4:51 ص

      العرب وأوروبا

      بالمناسبة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية ..فأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كانوا سبب خلق أزمتها وفشلهم في التعامل بشكل حضاري مع الأزمة التي خلقوها بسبب صراع المصالح والنفوذ لا غير ..مع التحية

    • زائر 1 | 3:14 ص

      باي حال بعد

      مثل الحال ما تغير شي حجي وكلام زايد واذا بغو العرب يعطون قرارات او يصدرون قرار بيكون ضد بعضهم بعض ..

اقرأ ايضاً