العدد 4233 - الأربعاء 09 أبريل 2014م الموافق 09 جمادى الآخرة 1435هـ

«رجل السكة الحديدية»... ضحية التعذيب في الأسر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

حين تقرر دخول السينما لمشاهدة فيلم «رجل السكة الحديدية»، فإنك ستكون على موعد مع الذاكرة الجمعية التي تربطك بكل من حولك في العالم من بشر، وخصوصاً أولئك الذين نالهم التعذيب في سجن أو معتقل أو معسكر.

يحكي الفيلم قصة الضابط في الجيش الإنجليزي «إيريك لوماكس» إبان الحرب العالمية الثانية الذي أسره اليابانيون وأجبروه على العمل في معسكر للجيش الياباني في سنغافورة، وتروي قصته عذابات الحروب التي تعاني منها الشعوب، وتروي بتفاصيل - قد تكون مؤذية نفسياً لكثيرين - كيف كان الأسرى يُعَذَّبون، والتي ربما تمنح الأنظمة طرقاً جديدة لتعذيب المعتقلين لإجبارهم على الاعتراف!

«لوماكس» الذي يعشق القطارات والسكك الحديدية، يسوقه القدر إلى سنغافورة حيث يعمل مع رفاقه من الجنود الأسرى في بناء سكة الحديد التي تربط بين تايلند وبورما، وهي السكة التي يستوجب بناؤها أعمالاً شاقة لا يمكن إلا للأسرى من الجنود احتمالها كما قال «لوماكس» لرفاقه حين كان يشرح لهم أين هم بالضبط، باعتباره مهتماً سلفاً بمتابعة أخبار سكك الحديد، ولأنه كان يرسم خارطة كانت سبباً فيما بعد لإذاقته مختلف أنواع العذاب، هي والراديو الذي استطاع صنعه مع رفاقه باستخدام بعض القطع التي أخذها قبل الأسر، وبعض القطع التي كان يسرقها من الجيش لإكمال عمله.

صنع «لوماكس» راديو ليتعرّف على أخبار بلاده، وإلى أين وصلت الحرب، فاستطاع بفضل لحظات كان يسرقها مع زملائه، أن يبثّ الأمل بين صفوف الأسرى حين أذاع لهم خبر هزيمة اليابانيين على أيدي الأميركان، لكنه كان سبباً في كل الآلام التي نالته في فترة الأسر وما بعدها لسنوات طويلة. فقد اتهمه الجيش الياباني بالتخابر لصالح العدو باستخدام هذا الجهاز والخريطة، وعُذّب بشتى الطرق كي يعترف بما لم يفعل، لكنه لم يهزم ولم يستسلم، فكان نصيبه من العذاب أكبر كحال كل ذي كرامة وعزة.

كل هذه التفاصيل لا يتعرف عليها المشاهد إلا بعد أن يلتقي بطل الفيلم في المشهد الأول بمسافرة على أحد القطارات يعشقها فيتزوجها، ليظهر لها وجهه الثاني البائس بعد الزواج، فتأخذ المشاهد معها في رحلة لاكتشاف ماضي زوجها وسبر أغواره المؤلمة، وهنا تبدأ رحلة معاناتها كلما عرفت ألماً جديداً عاشه زوجها، ولكن تبدأ معها رحلة علاجه.

في الفيلم كثيرٌ من المشاهد التي تظهر جرائم الحروب ابتداءً من جثث القتلى التي لم تأخذ حيزاً مهماً من الفيلم –وهو أمر محمود- وصولاً إلى الإهانات التي يتعرض لها الأسرى من خلال إجبارهم على تحمل كل الأعمال الشاقة وضربهم والتعامل معهم بوحشية، بعيداً عن الجانب الإنساني الذي غالباً ما يغيب عمّن يعمل في الحرب حتى المترجم الذي كان شاهداً على كل قصص التعذيب التي تعرض لها البطل، وصولاً لتعذيب الأسرى حين يبثون الأمل بين صفوف زملائهم ولو بالبسيط الذي يحتاج عملاً شاقاً لصنعه، كالراديو الذي تسبب في عذاب أليم خلف جراحاً غائرة في روح لوماكس لم يبرأ منها إلا حين واجه المترجم وعرف عن معاناته طوال تلك السنوات، وهو الذي عمل في المتحف الذي أقيم فما بعد مكان المعسكر رغبةً منه في العمل على المصالحة، فصفح عنه وأصبحا صديقين حتى توفي المترجم في العام 2011 وتوفي لوماكس في العام 2012.

في الفيلم الكثير من المواقف التي تظهر معدن الإنسان «النظيف»، فقد كان لوماكس قادراً على قتل من شارك في تعذيبه باعتباره مجرم حرب، وكان من الممكن أن يعذّبه بذات الطرق وفي نفس المكان بعد أن التقى به وحيداً، لكنه آثر أن يجلد نفسه بمواجهة ذاكرته من خلال مروره بكل الأماكن التي عُذِّب فيها على أن يجلد معذبه، إلى أن قرر أن يصفح عنه، فتصالح مع نفسه، سامحه لكنه لم ينسَ ما فعله به. وفي الفيلم معنى الحب الحقيقي الذي جسدته زوجته، فقد تحمّلت كل نوباته التي كان يعاني منها، وتحمّلت مشقة التعرف على كل تلك الأحداث كي تكون الدافع والسبب الأول لنجاته، وبالفعل كان لها ما أرادت.

هذا الفيلم واحد من الوثائق الحية التي تترجم الكراهية التي تولّدها الحروب، وتشرح المعاجز التي من الممكن أن يخلقها الحب، لذا أنصح الحكام بمشاهدته قبل الشعوب.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4233 - الأربعاء 09 أبريل 2014م الموافق 09 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:17 م

      للأسف

      للأسف الفيلم شالوه، نزلوه أسبوع واحد بس وشالوه، دائماً إذا الفيلم يسوى وقصة عدلة ينشال بسرعة، لأن الناس كله تبي أكشن وكوميدي!!

    • زائر 2 | 3:29 ص

      الممكن

      من الممكن ان تعفو عن من ظلمك وعذبك ولكن لا يمكن ان تنسى ظلامتك والله المعين..

    • زائر 1 | 1:40 ص

      الأأفلام مرآة لواقعنا

      تجاربنا كثيرة وأصبحت أكثر من أن تحصى. عندما نذهب الى فيلم من هذا انلوع فإنما نشاهد فيه أنفسنا.

اقرأ ايضاً