العدد 4235 - الجمعة 11 أبريل 2014م الموافق 11 جمادى الآخرة 1435هـ

«عروس المطر»: مواعيد مع الوهم... موعد مع الحقيقة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يحدث أن يكون المرء رهين أوهامه التي يربيها ويسقيها لتكبر وتتكاثر وتنجب له أوهاماً أخرى. أن يكون أسيراً لفكرة ما، هي بعيدة عن الحقائق وبعيدة عن الواقع. أن يعيش بها ومعها لأيام وأحياناً لأشهر وسنوات، قبل أن يتلقى الصفعة القاسية التي ترجعه لحاضره رضا أو عنوة.

في روايتها «عروس المطر» تستطيع الروائية بثينة العيسى، أن تدخلنا عالماً من أوهام، نعيش معها، نصدقها، نتقمصها، ثم وقبل انتهاء الرواية / الشرك، بسبع صفحات فقط تصفعنا بالحقيقة كما يحدث في الواقع، حين نصدق الوهم تماماً، حين نتشبع به تماماً، حين نكاد ننهار تماماً، حين نكاد ننتهي أو نبدأ في امهاية، فيأتي الواقع رغم تمنّعنا لكي يقول: أنا هنا موجود، وما أنتم إلا لعبة بيد وهم خلقتموه وربيتموه فأفسد حياتكم.

في الرواية كثيرٌ من الأحداث التي تجعل القارئ يشير للواقع ولشخصيات تعيش من حوله؛ فـ «أسماء» التي كانت دائماً تستصغر نفسها وتكرهها وتعتقد بأنها أقل من غيرها في الشكل والحظ والحب وفي الثقافة هي نسخة لكثيرات من النساء اللواتي آثرن العيش في الهامش، ونسين أن يعشن كما ينبغي، لأنهن ببساطة لم يعرفن قدراتهن، ولأنهن يصدقن ما قالته العيسى في الصفحات الأولى من الرواية: «عندما نولد إناثاً، فنحن نولد قضايا، لأن العالم مزود بتقنيات جاهزة للحد منا (...) أظن أن المرأة التي تترعرع في وطن أو منزل ذكوري هي امرأة محظوظة (...) لقد وفّرت على نفسها عناء البحث عن معاناة ومشقة المكابدة لأجل أن تظل على قيد الإنسانية، ألا تخشب مفاصلها أو تتحول بشرتها إلى جلد سلحفاة ووجهها إلى تابوت طفل».

حين تظن المرأة أنها مجرد كائن زائد على الكون، مجرد قضية، مجرد مشروع قتيلة، فإنها بالطبع ستكون مجرد زائدة دودية تنتظر التضخم في الوهم لاستئصالها، ولن تجدي العقاقير لعلاجها ما لم تثق بنفسها وبقدراتها الجبارة.

في الرواية كانت معلمة أسماء «أبلة حصة» مجرد وهم، و «أسوم» توأمها مجرد وهم، وأسماء نفسها كانت وهم القارئ الأكبر، كان اسمها «أسماء» لأنها من الممكن أن تكون نموذجاً لأي اسم آخر في عالم النساء المتشحات بكره أنفسهن، وكره كونهن إناثاً، وكانت أبلة حصة مجرد وهم يتعلق به الغارق في ألمه وحزنه حتى إذا فاق تأكد أن هذا الوهم كان علته الأكبر.

أما توأمها الذي لم يوجد إلا في السراب الذي كانت بحاجة إليه، فهو القشة التي يتعلق بها الغريق وهو يعلم أنها ستغوص معه وتغرقه لأنه لم يلتفت من حوله للبحث عن طوق نجاة قد يكون واضحاً أمامه وعلى استعداد لمساعدته، وربما كان «أسوم» هو الصوت الداخلي لكل أنثى تحاول أن تبدو جميلة وتحلم أن يكون لها من يهتم بها ويرعاها بعد أن تخلى عنها والداها، ولم تنجب لها الحياة حظاً كالذي تتمناه.

في رواية «عروس المطر» نماذج من الحياة جسّدتها الكاتبة بلغة أنيقة جداً، وبأسلوب يجعل القارئ يلتهم الكتاب في جلسة واحدة كي تصدمه النهاية، وكأنها تريد أن تقول لكل أنثى: أفيقي من كل أوهامك، وواجهي الحياة مواجهة تليق بفارسة ليست أقل من غيرها.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4235 - الجمعة 11 أبريل 2014م الموافق 11 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:37 ص

      عروس.البحر

      اوهام.عروسالمطر.شيقه.جيدا.ومفيده.تماما

    • زائر 2 | 2:26 ص

      صباح الخير

      وفي حياتي التقيت بمثل أسماء نساء تستصغر نفسها وتكرهها وتعتقد بأنها أقل من غيرها في الشكل والحظ والحب وفي الثقافة وتشعر بالنقص الدائم فتكره وتحقد على كل من حولها سبحان الله

    • زائر 1 | 12:49 ص

      حقيقه كلها أوهام

      نعم في حياة اكثر النساء أوهام قد حلمت بها قبل ان تخوض في تجربتها. وما ان عاشتها حتى ان ذاقت طعم المراره ورأت قساوة التاريخ الذي سجله لها ومن واجبها كي تعيش ان تتحمل هذه الصور المرسومه والتي تلونت بألوان داكنه ورسومات غير واضحه ... دهنيم، كلماتك جميله بحروف مطبوعه من تلك الأنامل المبدعه في التعابير الصادقه .. اشكرك

اقرأ ايضاً