العدد 4246 - الثلثاء 22 أبريل 2014م الموافق 22 جمادى الآخرة 1435هـ

فاتورة التجنيس السياسي

غازي جاسم زبر

كاتب بحريني

هذه الورقة تبحث عن تقدير لفاتورة (تكلفة) التجنيس الموجّه عن طريق تحديد حجم التجنيس الموجّه أولا، ومن ثم قياس حصتهم في الموازنات الخدمية.

ابتداء، علينا الاعتراف بأن حجم التجنيس في مملكة البحرين غير معروف بدقة، نظراً لغياب الاحصاءات الرسمية الخاصة به، وإن أي بحث في هذا الموضوع إنما يتم وفقاً لتقديرات قد تكون صائبة في بعض النواحي، وقد يجانبها الصواب في الاستنتاجات.

وللتغلب على هذه المعضلة، ارتأينا اللجوء إلى تقديرات ليست مبالغاً فيها وهي محافظة. وأياً كان حجم معضلة التجنيس تبقى الآثار قائمة، قد تتفاوت زيادةً أو نقصاناً بقدر تقدير الحجم.

ونظراً لغياب الشفافية في موضوع التجنيس الموجه، فسوف نحاول إيجاد علاقة بين أرقام الاحصاءات المتوفرة من جهات رسمية لكي نصل إلى استنتاجات منطقية.

لقد تم تناول موضوع التجنيس في شقه السياسي من قبل عدة جهات من المجتمع والجمعيات السياسية والحقوقية، حيث شخّصت تلك الدراسات جملة من الضغوط التي يخلفها التجنيس على الإسكان والتعليم والأمن الاجتماعي وغيرها من القطاعات الخدمية. وخرجت تلك الدراسات بعدة توصيات منها إعادة النظر في شروط التجنيس الواردة في القوانين، والمطالبة بوضع معايير جديدة تحكم التجنيس للحدّ من الآثار السلبية له والمطالبة بتطبيق مبدأ الشفافية وإلغاء التمييز في عملية منح الجنسية.

وأجمعت تلك الدراسات على أن عملية التجنيس في مملكة البحرين هي عملية موجّهة لتحقيق أغراض سياسية، أهمها تغيير التركيبة الطائفية للسكان وتحقيق مكاسب في الانتخابات البرلمانية واحتكار التوظيف في القطاع الأمني على طائفة بعينها، تخوفاً من استغلال هذا القطاع من قبل المعارضة.

ولتحديد تكلفة التجنيس الموجّه، نستعرض الموازنات الخدمية التي لها علاقة بعدد السكان لمعرفة حصة المجنسين من تلك الموازنات.

النمو السكاني والتجنيس

سجلت احصاءات الجهاز المركزي للاحصاء نمو سكان البحرين من البحرينيين ما مقداره 256,462 نسمة من العام 1992 إلى العام 2011. وكان معدل النمو السكاني للبحرينيين 2.44 % من العام 1992 إلى العام 2000، وبمعدل 8,700 نسمة سنوياً. وفي العام 2001 قفز المعدل إلى 2.86 %.

وخلال الأعوام 2002 لغاية 2007 سجّل معدل النمو السكاني للبحرينيين زيادة غير طبيعية، حيث وصل المعدل إلى 4.30 % سنوياً (أي بمعدل 16,635 نسمة في العام). ومقارنةً مع السنوات 1992 – 2000، حيث كان المعدل 2.44 %، فإن هذه الزيادة تمثّل الضعف.

وهنا يمكن الاستنتاج أن عوامل غير طبيعية تدخلت للوصول إلى هذا المعدل غير الطبيعي وغير المبرّر، حيث لم يحدث شيء غير طبيعي في البحرين يدعو لهذه الزيادة المضاعفة. لذا يمكن اعتبار مصدر تلك الزيادة البالغة 1.86 % نتيجة عملية التجنيس الموجّه خلال هذه الفترة.

خلال الفترة 2010 – 2011، رجع معدل النمو إلى طبيعته، مسجّلاً 2.45 %. ولربما سبب هذا التراجع الضغوطات السياسية التي واجهت عملية التجنيس الموجّه. وعند احتساب مقدار تلك الزيادة غير الطبيعية نستنتج أنها تصل إلى ما يعادل 60,000 نسمة خلال تلك الفترة فقط، وسوف نستخدم هذا العدد للتعرف على تكلفة التجنيس من الموازنات الخدمية.

الموازنات الخدمية

تبلغ الموازنات الخدمية ما مقداره 5,596 مليار دينار للأعوام 2013– 2014، وتشمل الإسكان والتعليم والصحة ودعم المنتجات والسلع والكهرباء ومشتقات النفط والقطاعات الخدمية الأخرى.

هذه الموازنة يفترض أن توجّه للمواطنين البحرينيين بالدرجة الأولى، الذي يبلغ عددهم 585 ألف نسمة في العام 2011. وإذا قمنا بتحديد حصة الأفراد المجنسين والمقدر بـ 60 ألف نسمة، فإن حصتهم من الموازنات الخدمية تصل إلى 573 مليون دينار. هذه النسبة تعتبر كبيرة جداً، وبإمكانها في حالة إعادة توجيهها، حلّ كثير من المشاكل التي تواجه المواطنيين.

التجنيس والقوى العاملة

بلغ عدد القوى العاملة في مملكة البحرين 716 ألف في العام 2013، موزعةً بين بحريني وغير بحريني، حيث بلغت نسبة البحرينيين 26 % (188 ألفاً) وغير البحرينيين 74 % (528 ألفاً). وهنا نلاحظ مدى تدني نسبة البحرينيين في القوى العاملة، أضف إلى ذلك أن هذه النسبة المتدنية يشاركهم فيها المجنّسون بنسبةٍ قد تصل إلى ثلث العدد، مع وصول نسبة العاطلين إلى ما يقارب 4 % حسب الاحصاءات الرسمية.

تقديرات السكان حسب الجنسية

يبلغ عدد سكان البحرين 1,195 مليون نسمة في العام 2011، يمثل البحرينيون ما نسبته 49 % بعدد 585 ألف نسمة، مقابل ما نسبته 51 % بعدد 610 ألف نسمة. ويعتبر كثيرٌ من غير البحرينيين مرشحين للحصول على الجنسية البحرينية وفق شروط استثنائية كما يحدث الآن. واستمرار زيادة غير البحرينيين وتضاؤل نسبة البحرينيين، كل ذلك يمثل عبئاً كبيراً على تدني الخدمات التي يحصل عليها المواطن من سكن وتعليم وصحة وغيرها من الخدمات.

شركاء في مشكلة التجنيس الموجه

أول الشركاء الأساسيين في مشكلة التجنيس هي الحكومة، حيث أنها ارتضت أن تتحمل عبئاً مالياً ثقيلاً يقدّر بـ 573 مليون دينار مقابل تحقيق مكاسب سياسية عن طريق خلخلة التركيبة السكانية وما تحويه من طوائف. أضف إلى ذلك لجوء الدولة إلى الاقتراض للإيفاء بالتزاماتها المالية، بسبب العجز بين الإيرادات والمصروفات.

المواطن البحريني، أياً كانت طائفته، هو شريك آخر في هذه المشكلة، حيث يعاني من تدنّي الخدمات التي تصل إليه بسبب مشاركة المجنّسين له في تلك الخدمات مثل الإسكان والصحة وغيرها من الخدمات.

مؤسسات المجتمع المدني هي الشريك الآخر، لكنها وعلى مدى سنوات لم تستطع حلحلة موضوع التجنيس الموجّه، ولم تستطع إقناع السلطة بعدم جدوى الاستمرار في عملية التجنيس. ويبقى الحال على ما هو عليه، حيث لم نلحظ تغييراً في القوانين التي تحكم التجنيس، ولم توجد معايير حديثة لضبطه.

وأخيراً... لابد من كلمة بشأن التجنيس، إن كان يخلق قيمةً مضافة ويجذب الكفاءات العلمية ورأس المال، فإن هذا التوجه محمود ويجب تشجيعه. إما إذا كان لتحقيق مكاسب سياسية، فنحن ضده وعلينا مواصلة السعي لإيقافه لما له من آثار سلبية تمسّ جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم.

إقرأ أيضا لـ "غازي جاسم زبر"

العدد 4246 - الثلثاء 22 أبريل 2014م الموافق 22 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 9:33 ص

      ( كارثة التجنيس )

      إن التجنيس فى مملكة البحرين موجه و له أهداف سياسية تتمثل فى تغيير التركيبة السكانية و تغير الدوائر الانتخابية إضافة الى الضغط على الخدمات المختلقة.بدلا أن تقدم للمواطنين

    • زائر 11 | 4:58 ص

      خبرك عتيج يالطيب 60000 بس

      ماخلو فريج الا ترسوه ولا مدرسة ولا دختر ولا حديقة ولا شارع من اول البديع لى الحد ومن جو لى البسيتين قول 100000 وازيد اما عن التكلفة يحليلك يعنى الحكومة ماتعرف ولا المواطنين مايعرفون علشان تشرحها اقول شوف لك سالفة ثانية اخوى التجنيس قرار مصيرى واستراتيجى وماشى قطاره ماشى

    • زائر 9 | 3:40 ص

      مأساة وطن

      شكرا أستاذ غازي علي هذه الدراسة ولو أنها تقديرية وأتوقع الأرقام الرسمية كارثة ومخيفة هذا ما نراه علي الواقع !!!!

    • زائر 8 | 3:06 ص

      مقال رائع

      شكرا استاذ غازي ، وفيت وكفيت ، بارك الله فيك ، موضوع المقال مهم جدا ، ويتطلب من مؤسسات المجتمع المدني تحمل مسؤولياتهم التاريخية والتصدي لهذا المشروع الخطير جدا ، كذلك على المثقفين من الطائفتين دورهام جدا ، لكننا لا نرى الا عدد قليل منهم يحاول اتخاذ موقف مضاد لما يحدث، حبذا لو تكاتفت الجهود لمناهضة هذا المشروع السيئ الصيت .

    • زائر 5 | 1:04 ص

      وباء يجب استئصاله

      للاسف الشديد صارت الجواز البحريني سلعة رخيصة جدا وفي متناول كل من هب ودب واصبحنا كبحرينيين اصليين ندفن رأسنا في الرمال عندما تقف الى جانب اسيوي وسوري واردني ومغربي وباكستاني وغيرهم من باقي جنسيات العالم وهم يحملون الجواز كما تحمله انت يا ابن البلد

    • زائر 4 | 12:45 ص

      دراسة تستحق الاحترام

      آاااااااه لو كنت اعرف خاتمتي ما كنت بدأت

اقرأ ايضاً