العدد 4255 - الخميس 01 مايو 2014م الموافق 02 رجب 1435هـ

حقوق الإنسان في الأنظمة الدستورية العربية (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

نتابع الملاحظات حول مؤتمر حقوق الإنسان في الدساتير العربية الرابعه، الذي عقد في القاهرة، وشمل المشاركون شخصيات من أجهزة الشرطة، ومن النساء، وشخصيات قبطية، وهو ما أثلج صدري إذ وجدت ممثلين لقطاعات عديدة من المجتمع المصري، وإن كنت أتمنى في المؤتمر الثالث أن يكون هناك تمثيل أكبر لهذه القطاعات، وللدول العربية أيضاً.

وأحسن ما أعجبني في المؤتمر ابتعاده عن التوجهات السياسية المزعجة وتركيزه على الجانب الحقوقي بمنهج أكاديمي، وهذا دليل على نضج أساتذة جامعة أسيوط بوجه خاص وجامعات الأقاليم بوجه عام، وكذلك الأمر بالنسبة للمشاركين من الدول العربية، فلم يتحدث أي مشارك دفاعاً عن نظام دولته أو هجوماً عليه، بل كان كل مشارك يقدم رؤية تحليلية عقلانية وموضوعية، ولو استمر الباحثون والأكاديميون والحقوقيون على هذا المنهج فإنه يدل على أن عالمنا العربي بوجه عام ومصر بوجه خاص، وضعت أقدامها على الطريق الصحيح للتطور السياسي نحو نظم دستورية وأنظمة ديمقراطية تؤمن بسيادة القانون، ولا تخلط بين ما هو حقوقي وما هو سياسي، كما يحدث في مشاركات كثير من المتحدثين في الفضائيات الذين يصيحون ضد بعضهم بعضاً مثل صياح الديكة، وكل واحد يسعى لإثبات وجهة نظره وتخطئة الآخر، وهذا ما لم يحدث في هذا المؤتمر. فكل باحث ومشارك في المناقشة كان يحترم رأي الآخر، ويناقشه فيه بأسلوب علمي، ويبحث عن المعلومات الصحيحة الموثقة، أو يسعى لتقديم رؤية تحليلية مختلفة، ولكنها ليست هجومية أو عدوانية. ولم يكن أي مشارك في حالة أزمة مع ذاته أو مع غيره أو مع مجتمعه، كما تشاهد في بعض المناقشات الأخرى، وهذا يذكرني بالحوارات الحضارية بين المثقفين والأكاديميين من الدول المتقدمة، كما يذكرني بالحكمة العظيمة للإمام محمد بن إدريس الشافعي «إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، ولذلك سادت بين جميع المشاركين علاقات المودة سواء في الاجتماعات أو في فترات الراحة بين الجلسات أو عند تناول الغذاء أو العشاء. الكل يبتسم ويفرح للقاء أخيه بغض النظر عن اتفاقه أو اختلافه معه في وجهة النظر التي قدمها.

ولو سادت هذه الروح بين المثقفين المصريين بعضهم بعضاً، وبين المثقفين العرب بعضهم بعضاً، فإن هذا سيكون مؤشراً على عودة السلام والأمن والاطمئنان بين أبناء الضاد، وأبناء القرآن والإنجيل، فالدين لله والوطن للجميع، واختلاف الرأي، كما قيل، لا يجب أن يفسد للود قضية. وهذا يعني أن العرب والمصريين بوجه خاص في طريقهم للنضج الفكري وإدراك مبادئ الحوار الديمقراطي.

وهناك ملاحظة إدارية ذات شقين، وهي أن إدارة وتنظيم المؤتمر من قبل جامعة أسيوط حيث شارك في الإعداد والتنفيذ أساتذة الجامعة والإداريون من كلية الحقوق، ومركز بحوث ودراسات حقوق الإنسان متطوعين لخدمة أنشطة المؤتمر، بروحٍ من الرضاء والايجابية والرغبة في مساعدة المشاركين الآخرين من خارج الجامعة، واحتراماً للأساتذة الكبار، وهذه الروح أعتقد أن الجامعات المصرية افتقدتها في السنوات الأخيرة.

أما الشق الثاني فهو أن المؤتمر انعقد في قرية أرابيلا السياحية في مدينة الغردقة، وهي قرية جميلة ومنظمة ومبانيها ذات طابع نوبي تقليدي، فهي أقرب للمباني التراثية، وكافة العاملين بها يتسمون بروح أداء الواجب، والحرص على إراحة النزلاء وحسن إعداد قاعة المؤتمرات، وكان الأستاذ إسحاق أديب المسؤل وممثل الشركة مالكة القرية نموذجاً يحتذى به في اليقظة والمسئولية، فضلاً عن كونه مثقفاً واسع الثقافة، وملماً تماماً بالثقافة الإسلامية رغم كونه قبطياً. وهذا دليل تفاعل أبناء مصر، وأنا شخصياً قرأت الإنجيل عدة مرات، وتعلّمت من أقوال السيد المسيح الكثير.

كان هناك مدعوون للمشاركة، وبعضهم أرسل بحوثه للمؤتمر من الجزائر والسعودية والبحرين والعراق والإمارات، ولكن لظروف خاصة بهم اعتذروا في اللحظات الأخيرة. وأتمنى أن يشاركوا في المؤتمرات القادمة بروح العقلانية والبحث الأكاديمي والبحث عن القواسم المشتركة، كما حدث في هذا المؤتمر.

وتساءلت كما تساءل آخرون غيري، إن مصر بتراثها وحضارتها وشعبها، يستحقون أحسن مما عاشوا فيه في السنوات الخمس والثلاثين الماضية، وأن مصر لو وجدت إدارة سياسية حكيمة تعمل من أجل الوطن بروحٍ من المسئولية ومصداقية وإحساسٍ بأنها في خدمة الشعب لتطوير قدراته والوفاء بحاجاته، فإن مصر سوف تسترد مكانتها وتستأنف مسيرتها في معراج التقدم والحضارة قريباً جداً، أكثر مما يتصور الكثيرون.

إن مصر مرّت بمرحلة عصيبة منذ ثورة 25 يناير2011، وزادت الأمور توتراً وحدّةً منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان بإرادةٍ شعبيةٍ ومساندةٍ من القوات المسلحة، فأعلنوا حرباً شعواء ضد الشعب والدولة ومؤسساته الوطنية، وهذه حالة من تدمير الدولة بأيدي من يدعون الانتماء إليها لم يسبق لها مثيل. فهل يتصور أن يوافق الشعب على عودة الجماعة للسلطة مرةً ثانية إذا كان هذا سلوكها وتهديداتها منذ تقدمت بمرشح للانتخابات وفرضته بقوة السلاح والتهديد، وعبر الميلشيات، واستعانت بالخارج سواءً سياسياً أو مالياً أو إعلامياً ودينياً بفقهاء الشيطان، وفقهاء الفتنة من الحقودين والجهلاء، أو من خلال المليشيات الإرهابية بتصريحات من قادتها الحاليين والسابقين الذين انشقوا عنها، وبتاريخها منذ إنشاء الجهاز السري بقيادة عبد الرحمن السندي في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين، وما قام به هذا التنظيم من اغتيالات.

بالطبع أنا لا أوافق على إقصاء أي قطاع من المجتمع بما في ذلك الإخوان أو الحزب الوطني أو غيره، ما دام مواطناً صالحاً لم يثبت القضاء خروجه عن القانون أو يصدر حكماً ضده في جرائم فساد حقيقية. وأيضاً ضرورة نبذ العنف صراحةً، أي قولاً وفعلاً، واحترام القانون ونظام الدولة ومؤسساتها الرسمية وقواعد العمل السياسي المعمول بها في أية دولة ديمقراطية. فهل يعقل أو يتصور أن تقوم ميليشيات بتدمير الجامعات والهجوم على المؤسسات الأمنية ومؤسسات القوات المسلحة في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو الولايات لمتحدة إذا نجح المتنافس في الانتخابات أو أخفق مرشح حزب ما؟

فالسبيل الديمقراطي معروفٌ عبر القانون والقضاء، وهو ما فعله المرشح الأميركي الأسبق آل جور ضد منافسه جورج دبليو بوش. ومن يخفق في الانتخابات لأي سبب من الأسباب، هل يتصور ديمقراطياً أن يطارد من فاز خصومه السياسيون ويتفرغ محامو الحزب الفائز للشكاوى المختلقة ضد شخصيات ذات تاريخ وطني كما فعل المحامي الأخواني عصام سلطان وغيره، وكما طارد نظام الإخوان المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق.

إن التوافق الوطني ضرورة بقواعده وآلياته، وبقبول قواعد العمل الديمقراطي، وليس بالتهديد، إما الحصول على السلطة والتمسك بها وإما إحراق الدولة، كما حدث في مصر ومازال يحدث.

حفظ الله مصر وحمى شعبها وقياداتها، وحمى الله أرض العروبة والإسلام، بل حمى الله العالم بأسره... فالجميع في قرية عالمية صغيرة ينبغي أن تتفاعل معاً من أجل مستقبل أفضل لشعوبنا قاطبة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4255 - الخميس 01 مايو 2014م الموافق 02 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً