العدد 4260 - الثلثاء 06 مايو 2014م الموافق 07 رجب 1435هـ

وأكثرهم للحق كارهون

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لم نكره الحق ونخافه، هل لأنه يعاند أهواءنا ولا يسايرنا فيما نريده؟ وهل الحق يعني الموت الذي نخافه ونكرهه جميعاً؟ أم هو الحقيقة التي نتجنبها ونفر منها إن كانت ضدنا، ونقف معها بإصرار إذ تنصفنا؟ هناك الكثير ممن يكره الحق، لكنهم لا يقفون عند كره بل يحاولون نشر سموم كرههم لمن حولهم بالكذب تارةً، وبالتحريض تارةً أخرى، فمن يوقف كرة الكره هذه من التدحرج حيث تصيب من تشاء؟

«وأكثرهم للحق كارهون»، هي تصف حال من ينكر ما جاء به الحق على يد نبي الرحمة محمد (ص) في قوله تعالى: «أَمْ يقولونَ بِهِ جِنَّةٌ بل جاءهُم بِالحقِّ وأَكثرُهُمْ للحقِّ كارهونَ» (المؤمنون، 70).

أكثرهم هل يعود الضمير على الإنسانية ككل أم على فئة أو جماعة محددة خصصتها الآية؟ أم يعود على كل جماعة تنكر الحق لأنه لا يرتضيها، فالذين يرفضون الحق أكثرهم يكرهونه لا جهلاً به أو عدم الشعور بالأمان معه، وإنّما يكرهون الحق لمخالفته هواهم، فهم يريدون من الحق، أي الدعوة الحقة، أن تتبع أهواءهم ولو كانت فاسدة ومخلة بالصالح العام، لأنهم يريدون الحياة تسير لتمكنهم من المزيد من النهب والطمع اللذين لا حد لهما، فهم يشبعون ولو مات الناس جوعاً، ويزدادون غنى بأي طريقة ومن حولهم يدقع بالفقر، يسكنون القصور والآخرون يلتحفون بالتراب. وهذا مما لا يكون البتة، وقد أنكره الحق جل وعلا في قوله تعالى: «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون» (المؤمنون، 71).

الأكثرية والأقلية جاءت في القرآن الكريم باستفاضة، فالأكثرية لا تعني على الحق دائماً، وإنها على صواب في كل الأحيان، فقد وصف الحق سبحانه وتعالى أكثر الناس بالأوصاف إنهم لا يعلمون، لا يشكرون، عن الحق معرضون، يجهلون، وأكثر الناس يتبعون الظن، ولكن «وقليلٌ من عباديَ الشَّكور» (سبأ، 13)، فالغالبية من الناس تعرف الحق وتنادي به، لكنها في بعض الأحيان ترفضه وتخاف منه، وتحذر من الاصطفاف مع أهله، لأن ذلك الموقف ربما يحرمها من امتيازات، أو يعرّضها لما لا ترضيه، ويقلق من حياتها ويكدر صفو عيشها؛ كما أن الوقوف مع الحق قد يفقد الأحبة الذين لا يسايرون الحق ولا يتفق مع مصالحهم ولا أهوائهم.

إن من يكرهون الحق ليس لأنه ضد مصالحهم فحسب، بل في حقيقة أمرهم أنهم يعانون من التواءٍ في النفس، ومن المكابرة والعناد والجحود والكراهية المتأصلة لنوع أو لجنس من البشر يرون أنهم أعلى منه وأشرف مقاماً، لذا نراهم ينصبون الحيل والمكائد تجاه أصحاب الحق بنشر كراهيتهم، ليقف الناس معهم فيبدأون بالتحريض ونشر الكراهية بغية إيذاء أهل الحق. لذلك ركب خطاب الكراهية الموجة وعلا حتى طال في ظل صمت الحكومة ورضاها، متناسيةً إن فتح الباب على مصراعيه لهذا النوع من الخطاب مضرٌ للوطن قبل غيره، وإذا اعتادت جماعةٌ على ذلك الخطاب وروّجته على أنه حرية رأي وتعبير، أصبح هو السائد، بل إن ردة فعل الجهة المقابلة يكون بالمثل فتضيع الروح الطيبة، عندها لا يجدي التحرك والإصلاح وفقا للمثل الانجليزي القائل: «إذا فسد الناس أول المشوار فلن تستطيع إصلاحهم آخر المشوار».

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4260 - الثلثاء 06 مايو 2014م الموافق 07 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:28 م

      يا سبحان الله

      اسلمتم من يبرهن كلامة بايات من القران و من يقول الشعر ( لاتنه عن خلق و تات بمثلة.. عار عليك ان فعلت عظيم

    • زائر 4 | 4:58 ص

      ليمضي المسلسل ظلم فئة برضاكم وتأليبكم واصطفافكم ظلم وتهميش وتمييز وتجنيس واستحواذ على ثروة البلد سيمتد الزمن سيكثر الشعب والمجنسون والفئة المغضوب عليها هي ميتة والطعن في الميت لا يضره وانتم تعلمون يا من تكرهون الحق ان المجنسون مقدمون ومفضلون عليكم واذا كثروا احتلوا مكانكم وصرتم شيئا فشيئا مع الفئة المغضوب عليهم ارجعوا الى رشدكم وعقلكم قبل فوات الاوان

    • زائر 3 | 3:53 ص

      تذكرت كلمة

      قالها علي (ع): من ضاق به العدل فالجور به اضيق.....مهما طال بمن يكره الحق ويكره المطالبون به لمصلحة او فقط كرها لاتباع الحق والمطالبون به سيرى عاقبة كرهه للحق في نفسه وعياله واجيال مقبله عاقبة رضاه بالجور هو مستأنس ومرتاح للجور على فئة لكنه في القريب العاجل او الاجل سيرى ان الجور يضيق به وسيؤثر عليه وعلى جماعته واعقابه

    • زائر 2 | 3:49 ص

      قال

      قال امير المؤمنين علي عليه السلام كلمة الحق لن تجعل لي صديق

    • زائر 1 | 3:47 ص

      تسلمي يا شيخة رملة

      لماذا نكره الحق والعدل والانصاف والمساواة والمواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص ؟ اليست كل هذه العناوين حق وغيرها كثير ويا ليت نكتفي بكره الحق انهم يصطفون ويتكالبون ويضمون اليهم جماعات على كره الحق لمصلحة فردية وجمعية للمصطفين واسيادهم واحيانا لا لشيء ولكن كرها وحقدا لمن يطالبون بالحق انهم يكرهون اتباع ومطالبو الحق انهم مرضى مصالحهم ومرضى حقدهم وغلهم نسأل الله العافية ولا تجعل في قلوبنا غلا

اقرأ ايضاً