العدد 427 - الخميس 06 نوفمبر 2003م الموافق 11 رمضان 1424هـ

العقوبات... إبادة جماعية وجرائم حرب

العراق والقانون الدولي

محمد رضا بوحسين comments [at] alwasatnews.com

-

تحاول الإدارة الأميركية في أيامنا انتهاز فرصة صدور مشروع «قانون محاسبة سورية» واستخدامه كوسيلة ضغط على دمشق وابتزازها على مختلف الملفات العراقية واللبنانية والفلسطينية. وكانت الإدارة السابقة استخدمت الوسائل نفسها (قوانين المحاسبة) ضد بغداد وطورتها لاحقا مستفيدة من نتائج حرب الخليج الثانية (1990 - 1991) والقرارات والعقوبات التي صدرت عن مجلس الأمن ضد العراق فارضة عليه الحصار لمدة عشر سنوات وانتهت بحرب ثالثة ودخول قوات الاحتلال بغداد. ماذا تقول تلك القرارات وكيف طبقت وما أوجه الشبه والخلافات مع الاتفاقات الدولية؟ هنا دراسة للباحث والمحامي محمد رضا أبوحسين عن الموضوع.

إن العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق بعد حرب الخليج الثانية كانت الأكثر شمولا وتأثيرا على المجتمع العراقي والبنية التحتية التي دمرت أثناء الحرب ولم تتم إعادة بنائها بسبب العقوبات والحصار الاقتصادي الشامل. القطاع الصناعي والزراعي تضرر بشكل خطير، ولكن كان الأخطر من ذلك الأزمة الصحية التي راح ضحيتها ما يجاوز مليون طفل سنويا وانتشار الأمراض والأوبئة.

أولا: القرارات التي تتعلق بنظام العقوبات

قام مجلس الأمن على أثر غزو العراق للكويت بفرض حصار تمثل في نظام العقوبات الاقتصادية الجماعية وأصدر الكثير من هذه القرارات التي من بينها:

1- قرار مجلس الأمن رقم (661) الصادر في 6/8/1995 وبموجبه تم منع الصادرات والواردات من وإلى العراق ومنع نقل أي أموال أو بيع أية تجهيزات أو منتوجات للعراق باستثناء السلع الطبية ومواد الأغذية في الظروف الاستثنائية.

2- قرار مجلس الأمن رقم (665) الصادر في 25/8/1995 وبموجبه تم تفويض الدول الأعضاء لاستعمال القوات البحرية لايقاف كل الشحن البحرية الداخلة والخارجة بغرض تفتيشها وتدقيق حمولتها ووجهتها لضمان التطبيق الصارم للقرار (661).

3- قرار مجلس الأمن رقم (670) الصادر في 25/9/1995 وبموجبه تم فرض الحصار الجوي على العراق مخولا الدول الأعضاء اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان نفاذه وتأثيره.

4- قرار مجلس الأمن رقم (687) الصادر في 3/4/1991 وقد تضمن الكثير من الأحكام والتي من بينها الاعتراف بسيادة العراق ودعوته للالتزام باتفاق جنيف التي تمنع استخدام الأسلحة الجرثومية والكيماوية، واستثناء جميع مواد الأغذية المنصوص عليها في القرار (661) من الحظر بالإضافة إلى التجهيزات الإنسانية المصادق عليها من قبل مجلس الأمن.

5- وبعد حرب الخليج استمرت تلك العقوبات وأصدر قرار مجلس الأمن رقم (986) لسنة 1995 الذي بموجبه تقرر إنشاء برنامج «النفط مقابل الغذاء» تحت اشراف لجنة العقوبات.

ثانيا: تأثير الحصار والعقوبات الاقتصادية على المدنيين

على رغم أن الصوغ القانوني لقرار العقوبات وخصوصا فيما يتعلق بالمواد الغذائية، لم يتضمن أية قيود أو صعوبات لحصول العراق على المواد الغذائية والأدوية، إلا أن تجميد أموال العراق وبيروقراطية إصدار الموافقة من مجلس الأمن واستخدام الولايات المتحدة حق الفيتو على نطاق واسع إذ قام النائب الأميركي على سبيل المثال في 7 سبتمبر/ أيلول 1995 بنقض طلب تقدمت به بلغاريا للحصول على ترخيص لشحن مواد غذائية لأطفال العراق بحجة أنه قد يستهلك من قبل الكبار. وفي العام 1997 قام النائب الأميركي أيضا بمنع أربعين عقد للغذاء والإمدادات الطبية الضرورية المطلوبة للأغراض الإنسانية من بينهم عشرون عقدا كانوا على قائمة أولويات منظمة الصحة العالمية. كانت تلك الإجراءات والممارسات من المعوقات الرئيسية التي منعت وأخرت تصدير الغذاء والأدوية للشعب العراقي. وكان أثر هذا الحصار تدمير البنية التحتية ونسيج المجتمع المدني العراقي بحيث أصبحت الحياة الطبيعية لكل العراقيين مستحيلة تقريبا إذ تحول وجودهم لكفاح يومي للغذاء والماء الصالح للشرب والأمن. وعلى أثر تدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية للعراق انتفضت مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والسياسيين والمتخصصين والهلال الأحمر الدولي ووكالات الأمم المتحدة، لرفض استمرار هذه العقوبات والحصار الذي أحدث كارثة إنسانية أدت إلى إبادة جماعية للمدنيين العراقيين. وقد أكد خبراء تأثير العقوبات حال المدنيين بالقول «ترجع حال ارتفاع نسبة الوفيات إلى المياه الملوثة، نقص الأغذية، الرضاعة غير الملائمة وعدم ملائمة تجهيزات نظام الرعاية الصحية».

في 29 سبتمبر 1995 أصدرت لجنة برنامج الغذاء الدولي التابع للأمم المتحدة (W.F.P) تقريرا بأن 2,4 مليون طفل عراقي تحت سن الخامسة كانوا في خطر سوء التغذية الحاد.

في ديسمبر/ كانون الأول 1995 ذكرت الفاو (F A O) بأن 567,000 طفل عراقي ماتوا كنتيجة مباشرة من العقوبات الاقتصادية، وأنه بحدود 12 في المئة من أطفال بغداد ضائعون و28 في المئة منهم معوقون و29 في المئة منهم تحت الوزن نتيجة لنقص الأجهزة الطبية. وأنه بحلول العام 1997 فإن 30 في المئة من أسرة المستشفيات ستصبح غير صالحة للاستخدام و75 في المئة من أجهزة المستشفيات لا تعمل و25 في المئة من مستشفيات العراق سيتم اغلاقها. (المرجع السابق Richard Garfield).

في 26 يناير/ كانون الثاني 2000 تقدم المدعي العام السابق للولايات المتحدة رمزي كلارك بمذكرة لمجلس الأمن لوضع نهاية للعقوبات إذ أقر بأن «عدد الوفيات سببه العقوبات، يجب أن يصدم ضمير كل إنسان حساس».

إن كل الأدلة والوثائق مستمدة بشكل خاص من مصادر الأمم المتحدة لكي نضمن بأن المعلومات الوحيدة الدقيقة التي قبلتها الأمم المتحدة يمكن أن تستخدم للحكم على أعمال الأمم المتحدة ومدى موافقتها لميثاق الأمم المتحدة، وأحكام القانون الدولي واتفاقات حقوق الإنسان العالمية.

ثالثا: معرفة تأثير

العقوبات وعلم الأمم المتحدة

الحقيقة أن الأمم المتحدة أصبحت تدرك جيدا تأثير الحصار ونظام العقوبات على الشعب العراقي من خلال اسهاب الكثير من التقارير التي تمت الإشارة إلى بعضها في هذه الورقة. كما أن الأمين العام للأمم المتحدة كان يشعر بوضوح بالأهداف الصحيحة للعقوبات عندما ذكر في العام 1995:

«العقوبات، كما تعرف عموما هي وسائل عديمة الإحساس. إنها تثير سؤالا أخلاقيا إذا ما كانت المعاناة التي تقع على المجموعات الضعيفة في الدول المستهدفة تعتبر وسائل شرعية بدلا من ممارسة الضغط على القادة السياسيين الذين سلوكهم من غير المحتمل أن يؤثر عليه محنة مواطنيهم».

كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة في مارس 2000 «انه حتى إذا تم تنفيذ «برنامج النفط مقابل الغذاء» على نحو تام فإنه من الممكن أن تكون جهودنا غير مجدية للإيفاء بحاجات السكان».

وتشير سجلات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أن الدولة عاصرت تحولا من الوفرة النسبية إلى الفقر الحاد.

وقد أعلن مساعد الأمين العام السابق والمنسق العام للشئون الإنسانية في العراق دنيس هاليدي، إلى أن العقوبات «أثرت بشكل كبير على النظام العائلي، وقد شهدنا عائلة الفرد الواحد وارتفاع نسبة الطلاق. الكثير من العائلات اضطرت لبيع منازلها وأثاثها وممتلكاتها الأخرى للحصول على الطعام، ما أدى إلى بقائها بلا مأوى، كما ارتفع اتجاه الشباب نحو البغاء».

وقد أدى استمرار العقوبات على رغم التقارير والدراسات المرفوعة إلى الأمم المتحدة من اللجان المختصة الى استقالة مساعد الأمين العام والمنسق للشئون الانسانية في العراق دنيس هيلدي في اكتوبر/تشرين الأول 1998 احتجاجا على تأثير العقوبات على السكان المدنيين معبرا «أننا في عملية لتدمير مجتمع بالكامل. انه غير قانوني وغير أخلاقي».

كما استقال خلفه هانز سبونك في 13 فبراير/شباط 2000 بعد ان انتقد بشدة العقوبات الاقتصادية بعد أن صرح في مقابلة تلفزيونية مع (سي إن إن) «كمسئول في الأمم المتحدة يجب ألا يتوقع مني أن أكون صامتا إلى ما اعترف به كمأساة إنسانية حقيقية والتي من الضروري أن تنتهي... الى متى السكان المدنيون البريئون كليا في كل هذا يجب أن يتعرضوا الى مثل هذا العقاب على شيء لم يعملوه أبدا؟... بموجب الصفة التي أحملها كمنسق إنساني اقترح بأنه لا يمكنني أن أكون صامتا على الذي نراه بأنفسنا هنا. إن برنامج النفط مقابل الغذاء لا يضمن الحد الأدنى لمتطلبات الانسان وفقا لما تم تعريفه بشكل واضح في الاعلان العالمي لحقوق الانسان».

وفي 16 فبراير/شباط 2000 استقالت أيضا رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في العراق جوتا بيرغهار معلنة «إن ما يحدث هنا يعتبر مأساة إنسانية حقيقية، وأنا أؤمن بأن أي إنسان ينظر إلى الحقائق وتأثير العقوبات على السكان سوف لن ينكر بأن (سبونيك) محق».

رابعا: مخالفة نظام العقوبات للقانون الدولي

الثابت من خلال الاستعراض المتقدم بأن قرارات الحصار ونظام العقوبات الاقتصادية قد وضعت ابتداء لمواجهة احتلال العراق لدولة الكويت، وقد استمرت هذه القرارات على رغم انتهاء حال حرب الخليج الثانية لتؤدي إلى تدمير البنية الاجتماعية، الاقتصادية، الصحية والبيئية في العراق وقد أدى هذا الحصار تدمير الإنسان العراقي بتجويعه ونشر الجهل والأمراض وحرمانه من الحاجات الأساسية الإنسانية. يضاف إلى ذلك استمرار قوات الحلفاء بقصف العراق بانتظام خلال السنوات العشر الماضية معتمدة في ذلك على قرار مجلس الأمن رقم (687) إذ قتل عدد كبير من المدنيين بانتظام نتيجة الهجمات بالقنابل وتحطيم عدد من الأهداف المدنية الرئيسية التي تضمنت مستشفيات تعليمية، مصفاة نفط، مستودعات أغذية لمدن رئيسية، وقد أبلغ عنها مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بالعراق.

الواقع أن الحصار ونظام العقوبات والقصف العشوائي يمثل مخالفة واضحة للمواد (48، 51، 54) لاتفاق جنيف لسنة 1977، وللمواد (2، 3، 4) من اتفاق الإبادة الجماعية ومبادئ محكمة نورمبيرغ لسنة 1950. فضلا عما يمثله من مخالفة لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وعليه فإ

إقرأ أيضا لـ "محمد رضا بوحسين"

العدد 427 - الخميس 06 نوفمبر 2003م الموافق 11 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً