العدد 4303 - الأربعاء 18 يونيو 2014م الموافق 20 شعبان 1435هـ

العراق من الاحتلال إلى التقسيم

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تسارعت الأحداث في العراق، في الأيام الأخيرة بشكل دراماتيكي. وكانت النتيجة حتى الآن خروج ثلاث محافظات هي نينوى والأنبار وصلاح الدين عن سيطرة الدولة العراقية، وشمول الانتفاضة ثلاث محافظات أخرى، جميعها تقع ضمن ما أطلق عليه المحتل الأميركي في المثلث السني.

هناك روايتان عن القوة السياسية التي تصدرت المشهد، وقادت عملية سلخ المحافظات التي أشرنا لها عن المركز في بغداد. رواية حكومية تقول، إن جميع ما جرى في المحافظات، التي خرجت على الدولة العراقية هو من فعل تنظيم داعش الإرهابي. وبالتأكيد فإن مثل هذا الاتهام، يتيح لحكومة بغداد، بزعامة نوري المالكي، تعاطفاً دولياً وإقليمياً وعربياً، ويبرزه كضحية لقوى الإرهاب. وهو بذلك يضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته في التصدي للإرهاب، وتقديم ما يجب لنصرته في المواجهة العسكرية مع داعش.

الرواية الأخرى، التي تعبّر عن موقف الثوار، وتنفي ضلوع تنظيم داعش في كل ما جرى مؤخراً، في نينوى وصلاح الدين، إنما جرى، من وجهة النظر هذه، ثورة شعبية، قادتها العشائر العراقية. والدافع لهذه الثورة، هو الخلاص من نظام الاستبداد والفساد المدعوم من طهران، والمعتمد على سياسة الإقصاء والتهميش للمكوّن السني .

وعلى هذا الأساس، فإن ما جرى من وجهة نظر الثوار، هو خطوة أولى على طريق تحرير العراق بأكمله من الحكم الحالي، الذي يمثل أحد إفرازات الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003، خصوصاً أن معظم من يقودون العملية السياسية الآن، هم ممن عادوا إلى العراق على ظهور دبابات الاحتلال.

وأياً يكن الموقف من التفسيرين، وسواء كان ما جرى عملاً إرهابياً أو ثورة شعبية فإن العبرة في النتائج.

أدى الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 إلى تفكيك الدولة العراقية، وتصفية هياكلها. وكان أبرز ما أقدمت عليه قوات الاحتلال، هو حل الجيش العراقي. وفي حينه اعتبر وزير الدفاع الأميركي رونالد رامسفيلد ما جرى بأنه فوضى خلاقة، وأن حرق الجامعات والمكتبات والمتاحف من قبل الغوغاء، هو تعبير عن الحرية لشعب لم يتعود ممارستها من قبل. وتلا ذلك تشييد عملية سياسية، هندس لها وقادها المندوب السامي الأميركي بول بريمر، تأسست على القسمة وتوزيع مصادر القوة السياسية حصصاً بين المذاهب والأقليات.

وكان من نتائج حل الجيش العراقي، حدوث فراغ سياسي أمني في بلاد السواد، عوضت عنه ميليشيات الطوائف المسكونة بالكيدية وهواجس الانتقام من التاريخ. يضاف إلى ذلك، أن غياب الجيش غيّب حالة التكافؤ في القوة، بين دولة المركز والحركة الكردية في الشمال، التي ظلت تحت حماية الطيران الأميركي من مطالع التسعينات. والنتيجة أن الشمال الكردي أصبح يحظى بما تحظى به الدول المستقلة، وصار يمارس سلطته بمعزل عن المركز. وأصبحت مسألة الإعلان عن انفصال الشمال، مسألة وقت، ورهناً لتسويات وتوافقات إقليمية ودولية .

لم يكتف المحتل الأميركي بحل الدولة العراقية، وتفكيك مؤسساتها، وتشكيل نظام قائم على أساس القسمة بين الطوائف والأقليات، بل عمد إلى خلق ظروف مواتية لتقسيم العراق إلى ثلاث دول: دولة كردية في شمال العراق، ودولة شيعية في الجنوب ودولة سنية فيما عرف بالمثلث السني. وقد توجت هذه الخطوات، بتقديم نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن مشروع قرار إلى الكونغرس الأميركي يدعو إلى تقسيم العراق. وقد وافق الكونغرس على ذلك وأصدر قراراً غير ملزم به.

إن التطورات الأخيرة في نينوى وصلاح الدين والأنبار، إن هي اقتصرت على المحافظات التي يشكل فيها المكون

السني أغلبية السكان، فإنها تتسق حتماً مع مشروع تقسيم العراق. فالدولة الكردية في شمال العراق، هي أمر واقع يتحقق ولم يتبق سوى الإعلان عنه . دولة الجنوب الشيعة لم يكن لها أن تقوم في ظل هيمنة القوى الطائفية الموالية لإيران على المركز. وبالنسبة للأنبار، كان من المستبعد قبول القوى الإقليمية، وخصوصاً إيران، بخروجها عن المركز. فهذه المحافظة تشكل الطريق البري الوحيد، الذي يصل العراق بسورية ولبنان وبالتالي إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، بما يضمن تحقيق استراتيجية إيران، التي عبّر عنها قادتها مرات عدة والتي تعتبر البحر الأبيض المتوسط عمق إيران الاستراتيجي غرباً.

هناك أيضاً الموقف التركي المرتبك والحائر تجاه ما يجري في العراق. ففي الوقت الذي يتعاطف فيه مع بعض التنظيمات الإسلامية، فإنه يخشى باستمرار، من قيام دولة كردية مستقلة على حدوده الجنوبية.

الأوضاع في العراق خطرة جداً، والأيام المقبلة ستشهد صراعاً دموياً مريراً. لن يكون بمقدور حكومة المالكي لجم تطلعات الشعب العراقي في المحافظات التي انتفضت مؤخراً. إن المعلومات الواردة من تلك المحافظات، تشير إلى أن كثيراً من ضباط الجيش العراقي، الذي جرى حله قد ارتبطوا بالثورة، وهم معروفون بكفاءتهم وقدراتهم العسكرية، وأنهم الآن يستعدون لقيادة المواجهة ضد قوات نظام المالكي، والحرس الثوري الإيراني، المتوقع مشاركته في القتال إلى جانب قوات حكومة بغداد.

مطلوب تدخل عربي فوري، لحماية العراق من التفكيك، ومنع المجازر وشلالات الدم، التي ينتظر أن تسيل قريباً. خروج العراق من محنته لن تتم إلا بمصالحة حقيقية وبميثاق وطني يلغي العملية السياسية التي أسس لها المحتل، وتشييد عملية سياسية تستند إلى مبدأ المواطنة والندية والتكافؤ، وتأسيس جيش قوي تشارك فيه على قدم المساواة، جميع مكونات النسيج العراقي للدفاع عن سيادة البلاد وصيانة استقلالها وحماية أرضها وسمائها وبحرها، وتأمين عودة العراق بلداً عربياً قوياً وشامخاً، ليمارس دوره في عملية النهضة والتقدم العربيين .

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4303 - الأربعاء 18 يونيو 2014م الموافق 20 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:41 م

      يتبع

      من جرائم يترفع عنها كل مجرم قاتل , اما من يرفع الاعلام في بعض الدول ويسيرون بمظاهرات سلمية فهم ارهابيون في نظركم لان الله تعالى جعلكم عمي البصائر ترون الحق باطلا والباطل حقا منذ ان تولى معاوية الحكم والى يومنا هذا . الانتخبات في العراق حرة و نزيهة والمالكي فاز فيها وحصل على اكثر الاصوات ولو كان دكتاتورا كما تصفون لما ابقى جيشه خارج الفلوجة الى يومنا هذا ولدكها مثلما دك طاغيتكم صدام مدن العراق وما جاوره من بلدان حيث رايناه ماذا فعل بكم عام 1991 .علي جاسب . البصرة

    • زائر 1 | 10:45 م

      من متي؟

      لم أتمكن من درك الفقرتين الأخيرتين من المقال. من متي و العرب فالحون في عمل اي شيئ؟ اذا أئمة القوم يدعون الغرب الكافر للتدخل و قصف بلداننا.

اقرأ ايضاً