العدد 4304 - الخميس 19 يونيو 2014م الموافق 21 شعبان 1435هـ

تحديان ينتظران الاستجابة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

الوطن العربي كلّه يحترق حالياً في لهب نار السياسة العابثة من جهة، وفي لهب نار الدّين المختطف من جهة أخرى، ويكذب من يدّعي، في طول الوطن الكبير وعرضه، بأنّه في منأى عن نيران هذا الجحيم المتعاظم الذي يأكل الأخضر واليابس.

لكنّ المأساة هي في الإعراض البليد، غير المفهوم ولا المبرّر، عن التعامل مع ذلك الحريق على مستوى الأمّة كلّها، لإطفاء الحريق كلّه، وذلك بدلاً من التلهّي بصبّ الماء هنا أو هناك. لنُفصّل ما نعني بذلك.

ففي السياسة هناك محاولات في بعض الأقطار العربية لتكوين تجمعات وجبهات من الأحزاب السياسية ومناصريها من أجل أهداف محليّة ومؤقّتة من مثل خوض معركة انتخابات برلمانية أو الوقوف في وجه دكتاتور أو المطالبة بإصلاحات محدودة. وبالطبع فإن تلك الجهود، من مثل التي تبذل حالياً في أقطار مصر والجزائر وموريتانيا على سبيل المثال، مطلوبة ومحمودة، لكن التدهور المتراكم في المشاهد السياسية العربية يؤكّد أن المحاولات على مستوى الأقطار لن تكون كافية على الإطلاق.

وإذاً ما العمل؟ لنعد إلى الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. آنذاك، عندما شعر المهمومون بتحرر ونهوض الأمة بوجود أخطار مشتركة تستهدف الوطن العربي كلّه، من مثل الخطر الصهيوني والخطر الاستعماري وخطر التخلف الرجعي العربي... عندما شعروا بذلك توجّهوا، بعبقرية ملفتة وبروح متحدّية، إلى تكوين حركات قومية جامعة ترتفع بالنضال السياسي من مستوى القطر الوطني إلى مستوى الوطن القومي.

ومن دون الدخول في مماحكات ما ارتكب من أخطاء من قبل تلك الحركات، أو الدخول في عبثية لعبة اللّوم والتقريع، فإن حركات حزب البعث والقوميين العرب والناصريين كانت محاولات تاريخية كبرى، صحيحة في أفكارها وشعاراتها، نبيلة في أهدافها. كانت استجابة لصدّ أخطار كبيرة هائلة على مستوى طاقات الأمّة كلها.

ما يهمُّنا ليس ما آلت إليه تلك الحركات، فالتاريخ الموضوعي سيحاكم وسيحكم، لكننا اليوم وفي هذه اللحظة المتفجّرة الملتهبة من مسيرة الأمة، تعنينا تلك الحركات كرمز للإستجابة للتحدّي والأخطار، وكطريق عقلاني مقنع يكاد يكون لا بديل عنه، تحت كذا ظروف وكذا أخطار.

وإذاً سنجمل كل ما سبق في السؤال التالي: أليست الهجمة الصهيونية – الإمبريالية، تعاونها مع الأسف بعض قوى الداخل، أليست تلك الهجمة الهادفة لتمزيق وتفتيت الأقطار العربية الحالية لتصبح كنتونات قبيلة أو طائفة أو عرق ضعيفة تابعة مستباحة من قبل القوى العسكرية أو الاقتصادية أو المالية الخارجية، وبالتالي لتبقى هذه الأمة على هامش العصر إن لم تكن خارجه. أليست تلك الهجمة المذلّة المبكية المستهزئة كافيةً لشعور البعض بأن شيئاً كبيراً يجب أن يحدث، وفي الحال على مستوى الأمّة الواحدة والوطن الكبير الواحد والمصير المشترك الواحد والنضال الشعبي الواحد؟ هل سيقبل هذا الجيل أن يكون السّابقون أكثر شجاعة وحكمة من اللاّحقين؟ ليست هذه أسئلة الحنين للماضي، إنها أسئلة المستقبل الوجودية.

أما في حقل الدين فإن المصائب والمحن أصبحت تتسابق مع المصائب السياسية الوطنية منها والقومية. لقد أصبح نمو الفطر العبثي المتعاظم للقوى التكفيرية الجهادية، الممارسة لأقبح أنواع العنف الشيطاني تجاه الأبرياء في كل أنحاء العالم، أصبح قضيةً دوليةً تصبّ في صالح مشوّهي ومحاربي الإسلام والمسلمين.

وفي داخل عالم الإسلام وصل جنون إدخال السنّة والشيعة في صراعات سياسية عبثية، تحت غطاء عباءة طائفية لا تمتُّ للإسلام بصلة، وصل إلى قرب إدخال المسلمين في حروب لا نبالغ إن قلنا بأنها ستهدّد وجود الإسلام نفسه.

فإذا أضيف إلى ذلك دخول الإعلام الإسلامي، عن طريق جهلة وانتهازيين وزبونيّين، في نشر ثقافة إسلامية بالغة التخلف والتزمُّت والجهل بالعصر وحضارته، فإننا أمام أخطار انحرافات فكرية وفقهية في صلب رسالة العدل والحق والقسط والميزان التي جاء بها نبي الإسلام (ص).

أمام هكذا أخطار وفواجع ينتظر الإنسان أن مؤسسة أو جبهة أو جماعة من علماء الدين الإسلامي، ستولد من هذا الرُّكام تجمع ممثّلين مستقلين عن الشيعة بكل مدارسهم، وأهل السنة بكل أطيافهم ومدارسهم، وأتباع الأباضية والزيدية وكل مذهب ينتمي إلى دين الإسلام، وذلك من أجل التصدّي لكل تلك الأخطار، باسم الإسلام الجامع وليس المذاهب المختلفة، لا قولاً فقط وإنّما فعلاً أيضاً.

لكن ذلك لا يحدث، ولا تسمع إلاّ صوتاً فردياً من هنا أو بياناً لفئة مذهبية من هناك، أو فتوى خجولة من جهة رسمية. الإرتفاع بالعمل السياسي إلى مستوى الأمّة، وبالنشاط الديني إلى مستوى الدّين وليس المذهب، تحدّيان ينتظران الاستجابة لهما، ومرور الوقت لن يرحم. ولنا عودة للموضوع.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4304 - الخميس 19 يونيو 2014م الموافق 21 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:29 ص

      قادة الحركات القومية الجامعة اين هم ؟

      السؤال الم يلتحق قادة الحركات القومية بالانظمة التي حاربوها واصبحوا في خدمتها مخلصين لها ولا زالوا يتمتعون بعطاياها فمادا تتنظر منهم وليس العيب في الحركات بل في قادتها اعطوا جمهورهم الوعود واخدوا هم المنح والعطايا والهبات

    • زائر 4 | 3:16 ص

      الشعوب الإمّعة

      الإمعة من الناس هو من لا رأي له ولا قيمة له حاله حال البهائم تساق لحتفها ولا تدري .
      هذا هو واقع معظم الشعوب العربية وبالذات شعوب الخليج يخرجونهم من محرقة الى أخرى تحت مسميات الجهاد ومن يسوقهم للجهاد يجلس في القصور فتذهب ارواحهم هباء ويضحكون عليهم ثم يصنفونهم ارهابيين ويطالبونهم بتسليم انفسهم

    • زائر 3 | 2:24 ص

      الشعوب الجاهلة كالكرة. فالكرة ملعوب بها وليست لاعب

      نشاهد كأس العالم ونرى هذه الكرة المسكينة لا تكاد تستقر في منطقة حيث انها الملعوب بها وليست هي اللاعب لتقول لا.
      الشعوب العربية هي كرة يتقاذفها السياسيون من دون ان تكون لها ارادة الرفض او القبول كل ذلك بسبب جهل الشعوب التي لم يتقف موقفا واحد معارضا لرأي السياسيين ولماذا تزجون بنا في حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل

    • زائر 2 | 2:06 ص

      الاسلام المعتدل

      الحل دائما في الاسلام الصافي النفي البعيد عن الحزبية والطائفية الذي يدعو الى السلام والتعايش السلمي بين الاديان والمذاهب والاعراق - اما ما ذكرته عن البعثية وغيرها من الاحزاب فهذا لايليق بك ككاتب ومتابع وصاحب خبرة طويلة فالاجدر بك ان تطوي صفحة هذه الاحزاب التي دمرتنا ومزقتنا بافكارها من فكرك فالبعث الذي كنت من رواده ومؤسسيه لا يحمل الا الدمار حتى في اهدافه التي وصفتها بالنبيلة.يفترض ان تكون اقرب الى الطرح الاسلامي المعتدل يا دكتور.

    • زائر 1 | 10:56 م

      علم النفس والاجتماع

      جمعة مباركة ... تلاعب الغرب بنا لأنه تمكن من دراسة " النفس البشرية " بعمق وسبر أغوارها وبالتالي وجهها لأهدافه الاقتصادية أو الاستعمارية بحيث تصبح مسألة غسيل الأدمغة كغسيل الأموال تتم بالتعاقد مع مراكز البحث العلمي.
      أما " علم الاجتماع " فليس للعلم والمعرفة فقط بل قوة هائلة للسيطرة على الآخر والتلاعب به وخصوصا الغارق في " طائفيته " !

اقرأ ايضاً