العدد 4314 - الأحد 29 يونيو 2014م الموافق 01 رمضان 1435هـ

المصالحة الفلسطينية... حقيقة أم هدنة؟

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تأسست السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كمرحلة أولوية، من تنفيذ بنود اتفاقية أوسلو، التي جرى توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، ورئيس حكومة الكيان الصهيوني، إسحق رابين. وكان المؤمل أن تنتهي المرحلة الانتقالية بعد خمس سنوات، من التوقيع على الاتفاقية، لكن التسويف والمماطلة الصهيونية، أجّلا تحقيق صبوات الشعب الفلسطيني، في الحرية والاستقلال، إلى أمد غير منظور.

اقتصر أعضاء حكومة السلطة الفلسطينية الأولى، على أعضاء منظمة التحرير. ولم تدخل حركتا «حماس» و»الجهاد» في إطار التسوية، فقد رفضتا الحلول السياسية، كما رفضتا أية تسوية تنتهي بإقامة دولة فلسطينية، على الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني الغاصب العام 1967، وتمسكتا بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، بما يعني، التمسك بالقضاء على الدولة الصهيونية، التي تأسست بعد نكبة فلسطين العام 1948.

لكن حركة حماس، تراجعت لاحقاً، عن رفضها الالتحاق بالسلطة الفلسطينية، وتنافست مع منظمة التحرير، وبشكل خاص حركة فتح، على مقاعد المجلس التشريعي، وكان تمسكها بالحقوق الفلسطينية، ورفعها لشعارات جذرية، واتهام منظمة التحرير، من قبل قطاع واسع من الشعب الفلسطيني، بالفساد والتفريط في الحقوق، قد أكسب حركة حماس شعبية واسعة في الأراضي المحتلة، وبشكل خاص في قطاع غزة. وأدى ذلك في نتائجه، إلى حصدها معظم المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، وبالتالي تكليفها بتشكيل الحكومة الفلسطينية، لشطري رام الله وقطاع غزة.

ومنذ البداية، أوقعت حركة حماس نفسها بقبول المشاركة في السلطة الفلسطينية، وتحمل مسئولية قيادة الحكومة، في تناقض حاد، بين رفضها للتسوية من جهة أخرى، وقبولها برئاسة حكومة، هي في حقيقتها من إفرازات اتفاق أوسلو، وجاءت وفقاً لبنوده ومقاساته.

ومن هنا كان التناقض الأول في ممارسات حركة حماس، يضاف إلى ذلك، التناقض الواضح بين عقيدة منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها حركة فتح، وعقيدة حركة حماس.

فحركة فتح، التزمت في برنامجها، وعدّته جزءًا من عقيدتها، النضال من أجل تحرير فلسطين، اعتماداً على إقامة علاقات جيدة مع جميع الدول العربية، بغض النظر عن نظمها وتوجهاتها السياسية، وكانت الهوية الفلسطينية، هي عنوان الحركة، منذ تأسست في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، واستمرت الهوية الوطنية الفلسطينية، عنواناً لنضال حركة فتح، حتى يومنا هذا.

أما حركة حماس، فإنها باعتبارها فصيلاً تابعاً لجماعة الإخوان المسلمين، فإنها لم تؤمن أصلاً بالتوجهات الوطنية، وعدّت نفسها جزءًا من حركة إسلامية عالمية، لا تؤمن بفكرة الوطن، وكان مشروع تدمير إسرائيل هو جزء من رسالتها العالمية، المتلفعة بالإسلام.

وأثناء مرحلة ما قبل أوسلو كانت شعاراتها المدوية المطالبة بتحرير فلسطين تملأ المساجد، وعلى الأخص شعارها الذي يذكر بخيبر: «خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود».

لكن براجماتية الحركة، ورغبتها في الوصول إلى السلطة، قد أسهمتا في تخفيف حدة هذه الشعارات، وتبني براجماتية سياسية، تقول صراحة بمشروعية الاتصال والتفاوض مع الكيان الصهيوني، متى ما أسهم ذلك في تخفيف معاناة الفلسطينيين.

ورويداً رويداً، بدأت الحركة تتخلى عن شعاراتها القديمة، وتلعب دور الدولة، لكن شقيقاتها، في حركة المقاومة الفلسطينية، كحركة الجهاد، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لم يهتموا بالمواقف الجديدة لحركة حماس، وواصلوا إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، وإن كان ذلك بشكل متقطع.

رئاسة حركة حماس، لحكومة السلطة، وهيمنتها الساحقة على قطاع غزة، واشتداد حمى الصراع المرير بين عقيدتين، العقيدة الوطنية والعقيدة العالمية، أدى إلى احتدام الصراع بين حركة فتح، قائدة منظمة التحرير، وبين حماس، التابعة لجماعة الإخوان، وكانت النتيجة قيام حماس، بانقلاب على السلطة، بعد أن أصدر الرئيس الفلسطيني، قراراً بحل الحكومة، ومنذ ذلك التاريخ، ظل قطاع غزة تحت سيطرة الإخوان.

ورغم جهود مضنية بذلتها القيادة المصرية، أثناء حكم الرئيس حسني مبارك، وبعض الحكومات العربية؛ من أجل تحقيق مصالحة بين فتح وحماس، وإعادة اللحمة للشطرين، فإن المسافات بين الحركتين استمرت في الاتساع، وضاعف من الفجوة بينهما، سقوط مبارك، ووصول الإخوان المسلمين إلى السلطة، في المؤسسات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتسلم محمد مرسي موقع رئاسة الجمهورية.

أدت هذه التطورات إلى رفض حماس، لأية تسوية مع حركة فتح، وسلطة رام الله، مستندةً إلى عمق حيوي جديد، يتمثل في أرض الكنانة، التي وقعت تحت سطوة الجماعة. وعندما تحقق الهجوم الصهيوني على القطاع، للجم الكفاح المسلح، كانت حماس خارج دائرة الفعل الكفاحي، واقتصرت المواجهة العملية للعدوان الصهيوني على حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وانتهت تلك المواجهة بوساطة مصرية، قادها الرئيس مرسي، وانتهت بتعهد حماس بوقف القتال لعشرين سنة مع الكيان الغاصب.

وتكشف زيف مقولات الإخوان حول الصراع مع الصهاينة، عندما أعلنت أجهزة الإعلام الصهيوني عن تسلم رئيس الكيان العبري، شمعون بيريز رسالة شخصية من الرئيس المصري، محمد مرسي، وصف فيها بيريز بـ «الصديق الوفي».

انتهى حكم الإخوان المسلمين، بعد عام من تسلمهم سلطة انتظروها ثمانين عاماً، ولينكشف العمق الحيوي لحماس، ولتصبح في حالة صدام مع الحكم الجديد في مصر، حيث أصبحت تواجه تهم الإرهاب، والتدخل الفاضح في الشئون المصرية، والاعتداء على السجون، وإخراج معتقليها منها بالقوة.

ومن جهة أخرى، فشلت محاولات جون كيري للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والحكومة الصهيونية، وواصل الصهاينة بناء المستوطنات، وطرحوا شروطاً جديدة للتسوية، على رأسها إجبار السلطة على الاعتراف بيهودية الكيان الغاصب؛ تمهيداً لطرد البقية الباقية من الفلسطينيين، والتوسع في عمليات الاستيطان، وتهويد المدينة المقدسة، والتقدم بمشروع تبادل الأراضي، بما يعني التسليم بالأمر الواقع، واستبدال المستوطنات في الضفة والقدس بأراض في صحراء النقب، بما يعبد أرضية قتل الذاكرة الفلسطينية.

المصالحة الفلسطينية إذاً، لم تكن موقفاً استراتيجياً، بل أمراً فرضته طبيعة اللحظة، لحركتين تعانيان من أزمات حقيقية: عزلة حماس وفقدانها لعمقها الحيوي، وعجز السلطة بقيادة «أبو مازن» عن الإيفاء بتطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

اعتقال ثلاثة من الإسرائيليين مؤخراً، واتهام حركة حماس بالقيام بعملية الأسر، من شأنه ـ إن تأكد ذلك، وأقرت به حماس ـ أن ينسف المصالحة، فتكون بذلك هدنة مؤقتة وليست موقفاً استراتيجياً. ويبقى كلامنا هذا في دائرة التحليل، وسوف تتكفل الأيام القادمة بالإجابة عن سؤالنا: المصالحة هدنة أم حقيقة؟

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4314 - الأحد 29 يونيو 2014م الموافق 01 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً