العدد 4317 - الأربعاء 02 يوليو 2014م الموافق 04 رمضان 1435هـ

صفحة من العلاقات المشبوهة بين الصحافة والسياسة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عادت مرة أخرى إلى السطح تداعيات فضيحة تجسس صحيفة أخبار العالم «News of the world» البريطانية على عدد كبير من المواطنين البريطانيين، والتي هي جزء من امبراطورية قطب الإعلام الأسترالي روبرت ميردوخ من خلال شركة «نيوز كورب» القابضة، التي يقودها ابنه جيمس وتمتلك عدداً من أهم الصحف والمحطات الفضائية البريطانية.

أتت عودة القضية إلى السطح بقوة بعد أن كشف النقاب عن أن المتهم الرئيسي فيها وهو أندي كولسن (Andy Coulson)، رئيس تحرير صحيفة «أخبار العالم»، الذي أدين بمسئوليته الأولى عن التجسس على المواطنين، وينتظر الجلسة النهائية التي سينطق فيها بالحكم، وقد حظي في 2007 بتعيينه كمسئول للاتصالات في مقر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، بعد استقالته في «نيوز كورب» لتجنب تداعيات الفضيحة دون أن يخضع للتدقيق الأمني، وتبين أنّ دافع كاميرون لتعيينه هو للتقرب مع قطب الإعلام روبرت ميردوخ، وبالتالي الاستفادة من علاقات كولسن للتلميع الإعلامي لرئيس الوزراء.

القضاء البريطاني حمّل مسئولية التجسس على أندي كولسن، وبعض المحررين ومنهم المراسل كلايف جودمان، والمحقق الخاص جلن موليكير والمتعاونون من رجال سكوتلنديارد، ويقال أن بينهم الجنرال يتيس، المستشار الحالي لحكومة البحرين للشئون الأمنية، بتهمة التهاون، لأن المتعاونين من سكوتلنديارد مع أندي كولسن كانوا يمتدحون دائرته.

القضية لها تعقيداتها التي لم تنتهِ حتى الآن، رغم تبرئة رئيس تحرير صحيفة «أخبار العالم» ريبكا بروكس (Rebekah Brooks) التي أمر القضاء البريطاني بإيقافها في سابقة تاريخية، إلا أنه تبيّن أن أندي كولسن وريبكا بروكس ارتبطا بعلاقات غرامية، وأنهما أخفيا ذلك عن عائلتيهما وعن المحكمة، وتبيّن ذلك للمحكمة من خلال فحص تراسلهما عبر الإيميل.

وبالنسبة لكاميرون، فقد اضطر إلى إقالة كولسن في يناير/ كانون الثاني 2011 بعد أن تقدم التحقيق في القضية والمحاكمة بما يشير إلى احتمال إدانة كولسن. وقد اعتذر كاميرون حينها للشعب البريطاني لثقته العمياء بكولسن، ووعد بإجراء تحقيق كامل إذا ما أدين فيما يتعلق بملابسات تعيينه. والآن وقد أدين كولسن، فإن كاميرون لم يقدم على تعيين لجنة مستقلة للتحقيق وهو عرضة للإحراج والانتقادات جراء ذلك، ما يثير علامات استفهام عن علاقات كاميرون بميردوخ.

وفي موازاة المحاكمة، فقد خضع جيمس ميردوخ وكبار المسئولين في شركته القابضة (نيوز كورب) لتحقيق اللجنة البرلمانية للثقافة والإعلام والرياضة، وخصوصاً ما يتعلق بسعيها لتملك فضائية «بي سكاي بي» (B Sky B)، وقد قررت اللجنة منع ذلك بعد أن تبيّن التجسس التليفوني لـ «نيوز كورب» على هواتف لوردات ونواب بمن فيهم عضو اللجنة ميلي دولر (Millie Dowler). كما أن لجنة خاصة برئاسة القاضي ليفرسون (Leverson) أجرت تحقيقاً مستقلاً أكدت فيه على تورط «نيوز كورب» في ممارسات غير سوية للاستحواذ على أبرز وسائط الإعلام البريطانية من صحف وفضائيات، بما في ذلك التأثير على كبار الساسة البريطانيين في الحكومة، ومنهم رئيس الوزراء كاميرون ولوردات ونواب، إما بالإغراء أو بالابتزاز بعد التنصت على هواتفهم.

وفي ضوء إدانة كولسن في المحكمة، فإن هناك تفاعلات ومطالبات سواء في أوساط المعارضة البريطانية بقيادة إد ميلبان (Ed Miliban) والنخب الإعلامية والثقافية، بالمضي قدماً بالتحقيق في الروابط الخفية ما بين ميردوخ وامبراطوريته الإعلامية والطبقة الحاكمة وممارساتها غير السوية، بدءاً بالتحقيق في تعيين كاميرون لكولسن كمسئول للاتصالات مع معرفته بماضيه.

الغريب أن ميردوخ صامت وواثق، رغم انتكاسة محاولته للاستحواذ على فضائية «سكاي» وإغلاق صحيفة «أخبار العالم». في حديث مع المحامي فيليب الذي شارك في الندوة التي قادها اللورد أيفبري، في مجلس اللوردات بشأن التعذيب في البحرين (بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب في 2014/6/26) وبعد انتهاء الندوة، شرح لي تعقيدات الشبكة العنكبوتية الدولية للسيطرة على العالم، والتي تقاد من مركزي المال في العالم، وول ستريت في نيويورك والسيتي في لندن؛ وأن كل هؤلاء القادة السياسيين مثل كاميرون وأوباما وميركل، وكل القادة الإعلاميين أمثال ميردوخ، ما هم إلا منفذون لمركز السيطرة المالية العالمي، وهذا ما يفسر استمرارهم في السلطة رغم فضائحهم المتكررة.

بالطبع كلامه هذا يثير كثيراً من التساؤلات، ويتطلب بحثاً جدياً، وفي جميع الأحوال هناك مطالب متزايدة سواء في أوساط السياسيين أو النخب الثقافية والإعلامية فضلاً عن عموم المواطنين، خصوصاً أولئك الذين ذهبوا ضحية تجسّس صحف ميردوخ، بأن توضع تشريعات صارمة للفصل ما بين السياسيين ووسائط الإعلام، ووضع حدٍّ لعلاقات تبادل المنافع الحالية، وكذلك تحريم تجسس وسائط الإعلام على اتصالات المواطنين والمقيمين بأي شكل من الأشكال.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4317 - الأربعاء 02 يوليو 2014م الموافق 04 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً