العدد 4318 - الخميس 03 يوليو 2014م الموافق 05 رمضان 1435هـ

أجوبة أخرى مطلوبة لمواجهة الطائفية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

إذا كانت الانقسامات والصراعات المذهبية الطائفية، المغموسة بمخطّطات خارجية أمبريالية – صهيونية لتفتيت وإنهاك المجتمعات العربية، وبانتهازية سياسية داخلية وتخلف فقهي لدى بعض علماء الدين وبعض منابر الإعلام الديني، هي أخطر التحديات التي يواجهها المواطن العربي في أيامنا الحالية وهي من أكبر العوامل التي يمكن أن تحرف حراكات الربيع العربي وتشوّهها، فإن مواجهة الموضوع تحتاج أن تكون شاملة وعلى كل المستويات.

في مقالة الأسبوع الماضي ذكرنا بأن جسد تلك المذهبية الطائفية يجب أن تحصل تعريته وذلك تمهيداً لإطفاء حريقه الهائل. ولقد ذكرنا بأن أحد المداخل لعملية التعرية تلك هو تحليل ونقد تاريخ الصراعات المذهبية في ماضي الأمة العربية من أجل تبيان انغماس ذلك التاريخ في السياسة وصراعات الملك والسلطان والغنائم. إن ذلك الجهد سيكون أول خطوة لإيجاد قطيعة معرفية فقهية، ولو جزئية، بين الماضي والحاضر من جهة، ولمحاولة تجاوز ذلك الماضي من خلال عملية النقد والتحليل التي بدورها ستسقط كل ما أفسد الفقه عبر العصور الماضية.

وبيّنا في ذلك المقال أن من أفضل الجهات التي يمكن أن تقوم بتلك المهمّة تجمّعٌ من علماء الفقه الذين ينتمون إلى جميع أو غالبية المذاهب الفقهية الإسلامية، ويمارسون مهمّتهم باستقلالية وحرّية عن جميع جهات الهيمنة السياسية والمذهبية.

لكنّ مدخل تحليل ونقد وتعرية التاريخ لن يكون كافياً. ستحتاج الجهة التي ستقوم بذلك إلى الإجابة على العديد من الأسئلة، وإلى مجابهة بعض الإشكاليات المعاصرة إن أرادت أن تخلًص الجيل العربي الحالي من الدخول في لعبة الصراعات المذهبية الطائفية العبثية التي يُراد للأمة الدخول بها.

هناك مثلاً سؤال يلحُ على الكثيرين في الصورة التالية: هل من الضروري أن ينتمي كل مسلم إلى مذهب معين بحيث يلتزم باتباع مفاهيم ذلك المذهب وتفاسيره للقرآن الكريم والسنة النبوية، وبالتالي الالتزام بتوجيهاته ونواهيه، أم أن المسلم يستطيع أن يأخذ من كل المذاهب وكل المدارس الفقهية ما يراه مقبولاً دينياً وعقلياً وملائماً للواقع الذي يعيشه؟

قد يبدو السؤال أكاديمياً نظرياً، ولكنه مطروح من قبل البعض كمدخل لتغليب وصفة الانتماء للدين بدلاً من الانتماء لمذهب. في نفس الوقت فإنه تسهيل وتيسير لاتّباع دين نادى باليسر بدلاً من العسر.

هناك مثلاً سؤال آخر: لماذا لا تقوم مدرسة فقهية تجمع أفضل وأيسر ما في المذاهب كلّها من جهة، وتضيف إلى ذلك قراءات جديدة لمصادر الدين الأساسية. بحيث أن تأخذ تلك القراءة بعين الاعتبار حاجات العصر التي استجدّت لاتباع الدين الإسلامي؟ فإذا كان عظماء علماء الدين في الماضي قد أسَّسوا مدارس ومذاهب فقهية عديدة، اعتماداً على فهمهم وفهم عصرهم لمصدري الدين الإسلامي الرئيسيين، الوحي والسنّة النبوية، فلماذا لا يحقّ لأخيار علماء عصرنا أن يقوموا بنفس المحاولة، باجتهاد وتقوى وعقلانية صارمة، طالما أن كل دين يحتاج إلى تجديد قراءته عبر الأزمنة وعبر تغيّر الأحوال؟

هناك مثلاً سؤال ثالث: ألم يحن الوقت لحسم موضوع العلمانية، لغةً ومفهوماً وتطبيقاتٍ في الواقع، بدلاً من إبقاء الموضوع عائماً وغامضاً وورقةً في يد العابثين والمهرّجين؟ فمن الناحية اللغوية هل نحن نرفض العَلمانية (بفتح العين) أم العِلمانية (بكسر العين) أم كليهما؟ وإذا كان الرفض لكليهما، فما البديل المقترح لغةً ومضموناً؟ ذلك أن كلمة العلمانية قد أصبحت جزءاً من ثقافة العصر العولمي وتحتاج إلى اتخاذ موقف وتقديم شرح.

ثم إن كلمة العلمانية لها تعاريف كثيرة، اعتماداً على تجارب تاريخ المجتمعات وعلى مدى تبنيها لأفكار الحداثة الغربية. وعليه فهل آن الأوان لمحاولة إيجاد تعريف خاص بنا وبظروفنا؟ تعريف يبيّن المحددات، أي ما هو مقبول وما هو مرفوض. إن تجمّع علماء الفقه المستقل المشار إليه سابقاً يستطيع أن يفتح أبواب مناقشات وحوارات مع بعض المفكرين وبعض علماء علوم الاجتماع المختلفة، من أجل النظر بعمق وموضوعية وعقلانية لإيجاد التعريف المطلوب.

إن هذا الموضوع بالغ التعقيد ولكن لا تستطيع هذه الأمة أن تبقي كل شيء معلّقاً كما فعلت مع الأسف مع كلمات أخرى كثيرة من مثل الحداثة والليبرالية والديمقراطية والحرية وغيرها. لكنه موضوع مرتبطٌ أشد الارتباط بحلّ إشكالية المذهبية الطائفية التي نتحدث عنها.

هذه بعضٌ من أسئلة كثيرة، وهذا جانبٌ من بين جوانب كثيرة. لكن خطورة المشهد الطائفي الحالي طرح الأسئلة والتفتيش عن مداخل لمواجهة هذا المشهد البغيض.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4318 - الخميس 03 يوليو 2014م الموافق 05 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:26 ص

      كيف نطلب من صانع المشكلة حلها؟

      علماء الفقه هم من تفننوا في خلق الطائفية. هذه بضاعتهم فكيف نرتجي منهم العمل على كسادها. كفانا تعلقا بالمثاليات. الحل في العلمانية بفتح الحاء والعلمانية بكسرها.

    • زائر 7 | 3:50 ص

      مخطّطات خارجية أمبريالية – صهيونية مموّلة خليجيا

      نعم هي مخططات خارجية امبريالية صهيونية فعلا لكنها ممولّة ومدعومة خليجيا. فأموال البترول البترول بدل ان تجعل من شعوب الخليج كلهم اثرياء ودولهم من اقوى الدول في البنية التحتية: ها هي الشعوب كلها مديونة والبنية التحتية لمجرد زخات بسيطة من المطر تفضح المستور.

    • زائر 6 | 3:19 ص

      الحل سهل جداً رقم 2

      يُلزم المراجع السنة على إصدار حرمة تكفير الشيعة ؛ الذين يلتزمون العقيدة الشيعة كماهي.
      و يُلزم المراجع الشيعة على إصدار حرمة تكفير السنة ؛ الذين يلتزمون العقيدة السنية كماهي.
      و المتلكئ يُسمى و يُفضح على الملأ!
      بعدها يبدأ الحوار و الوفاق.

    • زائر 5 | 2:31 ص

      الحل سهل جداً

      الحل سهل جداً هو فصل الدين عن الدولة و منع الخلط بينهما

    • زائر 4 | 2:04 ص

      صدقني يادكتور احنا العرب خبراء فرق تسد

      لايجب أن نظلم الإستعمار البريطاني فنحن الدول العربية وتحديدا الخليجية من علمناهم سياسة فرق تسد وإقصاء فئات المجتمع والطائفية ولك بمنظومة الحكم فيها لتعرف مدى تقدم خبراتنا والقهر يحكمون وينفدون باسم الإسلام

    • زائر 3 | 1:32 ص

      امه يصعب ائتلافها

      ربما يكون المشهد طائفيا ولكنه فى اعماقه سياسيا بامتيازانما الكل يجد له كبش فداء لتسويق افعاله ولو استطاع العلماء فعل هذا المقترح نحن كشعوب حاضنه للتخلف والخلاف سنوءش لخلافات اخرى ونعنونها مذهبيا لا يوجد حل لهذه الامه الا بتذويبها والسيطره عليها وهذا امر سيسهل تنفيذه بعد انتهاء مخزون النفط

    • زائر 2 | 1:06 ص

      لو يحدث ذلك لأمكن إصلاح حالنا

      فلماذا لا يحقّ لأخيار علماء عصرنا أن يقوموا بنفس المحاولة، باجتهاد وتقوى وعقلانية صارمة، طالما أن كل دين يحتاج إلى تجديد قراءته عبر الأزمنة وعبر تغيّر الأحوال؟
      لو حدث هذا وهو صعب المنال لقام المتمصلحون والمؤزمون بثورة معاكسة علمها أن هؤلاء العلماء هم من مرتدون ويجب رجمهم ، ويكفي مثالا أن السيد الحيدري عندما بدأ بالتنقية وفضح الكثير من الخرافات من خلال برنامجه التلفزيوني الشهير حتى تدخلت قوى اقليمية وليست محلية فقط وأوقفوا برنامجه بحجة أنه يفتت ويشتت المسلمين ويحرض على شق المذاهب والتحريض عليها.

    • زائر 1 | 1:03 ص

      وجهة نظر

      جمعةمباركة .. د.علي أظن وللأسف بأن معظم ماتطرقت اليه قد قام به المستشرقون بدلا من المسلمين !
      في كتاب برنارد لويس ( what went wrong ) الصادر في 2002 ذكر خلاصة ل "هاملتون جب" مفادها (بأن عدم وجود بحوث تحدد اجماع المسلمين على كيفية تنظيم سياسة دولهم ، واجهو بديلا من خيارين فاما " التوتاليتارية " - أي الدولة التي تحتكر السلطة - واما الفوضى و الاضطراب ) . أي اما رعية كالقطيع أو مذبوحا كالشاة .. ولعلهم أدركوا ذلك من قبل حين قالوا ( جور السلطان ولا عدل العوام ) .

اقرأ ايضاً