العدد 4346 - الخميس 31 يوليو 2014م الموافق 04 شوال 1435هـ

هل نستطيع التعلم من التاريخ؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أدرك جيداً مقدار اختلاف المؤرخين والمفكرين حول مدى الاستفادة والتعلم من عبر وأحداث التاريخ. فالفيلسوف الإنجليزي ديفيد هيوم يقول بأن التاريخ لا يخبرنا بأي شيء جديد، إذ البشرية هي هي ذاتها في كل الأزمنة والأماكن. أما الكاتب الساخر جورج برنارد شو فيقول بأن «الشيء الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ هو أننا لا نتعلم منه شيئاً». أما بالنسبة للفيلسوف الألماني هيجل فإن ما يعلمنا التاريخ هو أن «الشعوب والحكومات لم يتعلموا قط من أي شيء من التاريخ».

بالمقابل يؤكد سياسي إيطالي شهير بأن الذي يريد أن يتنبأ بما سيأتي به المستقبل عليه أن يستشير الماضي، أي يتعلم من التاريخ.

لاشك بأن الشعوب والمجتمعات تختلف في مقدار تعلمها من التاريخ. أوروبا تعلمت بجد وموضوعية من كوارث صراعاتها في حربين مدمرتين فأقامت اتحادها الذي نراه أمامنا. الحركة الصهيونية لم تتعلم شيئاً من الهولوكوست الذي واجهه اليهود في أوروبا فانقلبت إلى وحش بربري قاتل ينشد أناشيد الفرح الحقير في جنازات ضحاياه. فأين نقف نحن العرب في أرض العرب؟ دعنا نستعرض بعضاً من الصور لنتعرف على ملامح الجواب.

في الخمسينيات من القرن الماضي كنا نردد أن «لا حرية لأعداء الشعب» في معارك الحرية التي كنا نخوضها، دون ذكر لماهية الجهة التي ستقرر من هم أعداء الشعب، واستناداً لأي قانون ولأي موازين وقيم، واعتماداً على أية شرعية. وانطبق الأمر نفسه على ترديدنا الشعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» مع العدو الصهيوني. كانت الضحية في النهاية هي الحرية نفسها والديمقراطية وحكم القانون.

اليوم، دون أن نتعلّم شيئاً، نهتف بأن لا شيء يعلو على الأمن وسلامة المواطنين ومجيء السواح وتدفق الاستثمار الخارجي، وأن لا مكان لأعداء الأمن وهدوء المجتمع مهما كانت المطالب التي ينادون بها، ومهما كانت المظالم التي يريدون رفعها.

لا حرية لأعداء الأمن ولا صوت يعلو فوق صوت استتباب الأمن. ولكن ما هو ذلك الأمن المطلوب، ومن يقرر حدوده وسقفه، وأمن من يجري اللطم باسمه؟ فتلك تفاصيل ليس أوان الاختلاف من حولها. وكما بالأمس تكون الضحية في النهاية هي الديمقراطية والعدالة وحكم ونزاهة القانون.

في الخمسينيات من القرن الماضي بدأت عادة بناء إعلام يمارس، باسم الثورات أو قادتها العظام أو أحزابها الطليعية القائدة، إعلاماً غير موضوعي في أحسن الأحوال، وغوغائياً كاذباً في أسوأ الأحوال. ولقد غطّى ذلك الإعلام على الأخطاء والخطايا وأضرّ بسمعة الثورات وقادتها، وساهم من حيث لا يدري، في الكوارث التي لحقت بكل محاولات التحرر والتوحد والعدالة الاجتماعية التي ملأت آفاق الوطن العربي كله آنذاك.

الآن، وفي خضم محاولات الشعوب العربية كسر حواجز التسلط والظلم والبطش التاريخية، تنهج أكثرية وسائل الإعلام العربية نفس النهج القديم، من غياب الموضوعية، وممارسة الكذب والشتائم السوقية، والانحياز الأعمى لسلطة الحكم والمال، والانخراط في الصراعات الطائفية العبثية. وبذلك تساهم في كل أنواع الغوايات والإثارة المجنونة والخطابات البليدة.

لم يتعلّم الإعلام العربي، الرسمي المنافق والتجاري الانتهازي والمجتمعي المريض، إلا من رحم ربي، لم يتعلم من مراهقات الماضي وعبثياته الطفولية.

في الخمسينيات لم تستطع الدول العربية التعايش مع بعضها البعض حتى ولو كانت مختلفة في ايديولوجياتها وأنظمة حكمها ودرجات وعي شعوبها. في تلك الأجواء المليئة بالحقد والكراهية والجهالات السياسية، انتهى البعض بالاحتماء بأحلاف أمنية مع دول استعمارية نكايةً بالمد القومي، وحارب البعض كل خطوة وحدوية نكايةً بهذا القائد أو ذاك، وتخلّى البعض عن أخوتهم في العروبة وفي الإسلام، حتى في فترات أحلك أوضاعهم، ولم تبق رذيلة إلا ومورست. والنتيجة كانت وبالاً على كل الأمة وعلى الوطن الكبير وربحاً للصهيونية وبقية الأعداء.

لم تتعلم حكومات هذه الأمة من دروس الماضي، إذ اليوم تمارس صوراً من الصراعات ومن المؤامرات ضد بعضها البعض، أشد وأقبح مما فعلته في الماضي. ولا حاجة لوصف النتائج، فهي كارثية بكل المقاييس.

لا يسمح المجال لذكر كل الصور الأخرى من مثل حماقات وجنون الدويلة الإسلامية الداهشية الجديدة وهي تمارس نفس النهج الذي مارسه الخوارج والقرامطة في الماضي البعيد، فما جاء ذلك النهج إلا بالخراب واليباب وإضعاف الأمة وبإسفاف الذين الذي شوهوه.

هل نستطيع ممارسة نهج الأوروبيين فنتعلم من التاريخ، ولا نلتفت لما يقوله هذا المؤرخ أو ذاك المفكر عن قيمة التاريخ في حياة الأمم والبشر؟ نرجو أننا قادرون.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4346 - الخميس 31 يوليو 2014م الموافق 04 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:41 م

      شكراً للوسط ..

      شكراً للوسط ، و شكراً للدكتور علي فخرو على القيّم
      ( أعتقد في خطأ مطبعي في نهاية آخر فقرتين ـ الدويلة الداهشية ( الداعشية ) ـ الذين الذي شوهوه ( الدين ) .. و شكراً

    • زائر 3 | 3:24 م

      الاوربين

      الديمقراطية في اوربا ليست وليدة اليوم لقد خاضت الشعوب الاوربية صراعات طويلة بين الدكتاتورية والديمقراطية كما خاضت معارك طاحنة ولنا امثلة في الحرب الاولي والثانية في الوطن العربي الاستعمار هو الدي دمر الاتجاهات القومية وفرض حصارا علي التوجهات القومية في مصر وسوريا والعراق وليبيا وغرس العدوالصهيوني في الوطن العربي بغية تحطيم اي حلم للوحدة العربية كما صنع انظمة موالية لة تقف ضد اي مشروع وحدوي فسقطت تجربة حزب البعث في سوريا 1966 وناصر بعد 1970 والعراق بعد 2003 ان مؤمرات الاستعمار لاتنتهي

    • زائر 1 | 5:54 ص

      عندما نكون احرار

      نتعلم بعد أن نكون أحرار هكذا أوربا بعد أن خلعت عن نفسها لباس الكنيسه

اقرأ ايضاً