العدد 4349 - الأحد 03 أغسطس 2014م الموافق 07 شوال 1435هـ

داحس والغبراء من جديد... لكن أشنع

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

«وأنا في هذا الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه، سجّان يمسك سجان»، الشاعر وضمير العرب مظفر النواب... لكنني أود أن أضيف وهذا الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه وقد تكالب عليه القتلة ممن ينتسبون إليه زوراً من أنظمة ومنظمات ومؤدلجين ومفتين وحثالات الأرض من مختلف البقاع، وكيان صهيوني غاصب، وأميركا الباغية، والغرب الاستعماري، والانتهازيين وتجار الحروب والنفط والغاز، ليعيدوا هذه الأمة إلى عصر الجاهلية، تتناهبها ولايات الجهل والتخلف والتعصب، باسم الدين الإسلامي زوراً وبهتاناً، فماذا نحن فاعلون؟

في إحدى ليالي رمضان المبارك، قمت بزيارة المجالس الرمضانية في المحرق، مهد الوطنية البحرينية والعروبة، وكانت فرصة للحوار الأخوي الصريح، وكعادة البحرينيين، فإنه لابد من لازمة معروفة، وهي أننا شعب طيب لا نعرف التفرقة بين السني والشيعي، لكن... عندها تتفرع الدروب، وتصطدم التحليلات، وكل طرف يحاول جهده إثبات وجهة نظره، وهذا هو الوضع، كما أعتقد في كل بيت عربي من الخليج إلى المحيط.

فالكل يدرك أننا في مأزق عميق، وكارثة حقيقية، لكن حيث اشتعل الوطن العربي كالهشيم، فيما العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين يفترس أهلنا في غزة، إلا من بضعة فدائيين جسورين يردون عليه بما توافر لديهم من أسلحة محدودة، وهم يقاومون ويستشهدون واقفين.

أعتقد أن الجدل قائم حول من يتحمل مسئولية ما يجري، الأنظمة الجمهورية وبعضها أتى بانقلابات عسكرية وبعضها بانتخابات ولو صورية؛ الأنظمة الملكية وبعضها عمره مئات السنين، وتستند في شرعيتها إلى ذلك؛ الأحزاب ولديها قواعد بالملايين، المفكرون وقد حبّروا آلاف الصفحات؛ الاستراتيجيون وقد ملأوا الشاشات بالتحليلات؛ الإعلام الذي اقتحم علينا حتى منامنا.

من المسئول: إيران ودعوى مشروعها بالهلال الشيعي؛ تركيا ومشروعها بالخلافة العثمانية؛ أم «إسرائيل» ومشروعها من الفرات إلى النيل؛ أم أميركا التي أبادت السكان الأصليين، ثم تفرعنت لتهيمن على العالم؛ أم الغرب الذي لا يهمه سوى «إسرائيل» والنفط والأسواق؛ أم حتى من يتظاهرون بصداقتنا مثل روسيا والصين وهم الطامعون في نفطنا وأسواقنا.

هل نحن أعداء أنفسنا أم العالم كله عدونا ويتآمر علينا؟ هل نحن ضحية الجغرافيا حيث تلتقي القارات الثلاث: أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتعبر أرضنا الممرات البحرية العالمية؟ أم نحن ضحية لعنة النفط، الذي تختزنه أراضينا؟

لماذا إذاً نجحت الصين، وهي التي كانت واقعة تحت الاحتلال لست دول كبرى في القرن التاسع عشر (أميركا، بريطانيا، ألمانيا، اليابان، البرتغال وروسيا) والتي كانت مقسمة إلى عدة كيانات، في أن تتوحد بقيادة صن يات سن، وتطرد المستعمرين جميعهم وتكنس عملاءهم، وتترك حكم الأباطرة والسخرة، وتوحّد الصين كلها في ظل حكم وطني؟ في حين أننا فشلنا في ذلك؟

وعندما يتصدى قائد تاريخي، كالقائد القومي جمال عبدالناصر، لهذه المهمة التاريخية، يتم التآمر عليه من قبل الشقيق قبل العدو، ويُجهض مشروعه التاريخي، ويموت بالسكتة القلبية وهو يحاول إطفاء فتنة اقتتال الأعدقاء؟ لماذا أجهضت كل حركات التغيير والتقدم والإصلاح من حركة الإصلاح الديني للأفغاني، إلى الربيع العربي وما بينهما؟

لماذا يطمس تاريخ الشعوب العربية ونضالاتها، وحركاتها الوطنية، وقادتها المناضلون من عبدالرحمن الباكر في البحرين حتى عبدالكريم الخطابي في المغرب وما بينهما؟ لماذا يكرس في المناهج والإعلام، تاريخ السلاطين والملوك والسلالات الحاكمة والرؤساء المزوّرون؟ لماذا يبرز مشايخ الدين من وعاظ السلاطين بحسب تعبير العلامة علي الوردي، ويطمس مشايخ الدين على هدي أبي ذر الغفاري؟ لماذا يسود فنُّ التفاهات والانحطاط، ويطمس الفن الراقي والجميل؟

كيف تسنى بناء جيل حاقد على أهله والبشرية، مسكون بأفكار ظلامية، ونزعة وحشية، وانقياد أعمى لمتعطشي السلطة، بحيث لا يتردد في ارتكاب أبشع الجرائم حتى ضد أهله؟ وأين أفكار التنوير والتسامح والعروبة والإنسانية التي بزغت في فترة النضال الوطني والقومي وبداية عصر الاستقلال؟

هذه الأسئلة وغيرها طرح بعضها في مجلس المحرق. البعض حمّل «الوفاق» مسئولية كل الخراب في الذي نعيشه. والبعض قال لا، لا نعتب على «الوفاق» لأنها طائفية، وعميلة لإيران، وولاية الفقيه، ولكن نعتب على «وعد»، المدعية العلمانية والتقدمية، فلماذا لا تفك تحالفها مع «الوفاق» وتشهر موقفها الوطني اللاطائفي؟

البعض وضع اللوم على الشيخ عيسى قاسم، والبعض وضع اللوم على الأسير إبراهيم شريف، لأنه تجرأ وخاطب المحتشدين في الدوار، إلى جانب القيادات الطائفية! جيّدٌ أن يبوح كل واحد بمكنونه، لأنه كشف لنا عن مدى التضليل والتعبئة الحاقدة التي نجحت السلطة في حقنها في مكون ضد إخوته من المكوّن الآخر. ولذلك لا نستغرب تقبل حملات الكراهية والتسقيط والتخوين والشيطنة ضد قوى المعارضة وقياداتها ورموزها الدينية والمجتمعية، ولماذا تقطعت الوشائج التي ربطت أبناء هذا الشعب على مدى قرون وأضحت من ذكريات الماضي الجميل.

في رأيي أن شعب البحرين، سنةً وشيعةً، مسلمين وغيرهم، هو الخاسر مما يجرى، والرابح الوحيد هو السلطة والفئات الجديدة التي يتم تجنيسها، في حين أن مكوّناً بحرينيّاً ينال الفتات، والمكوّن الآخر ينال السياط. فهل ندرك هذه الحقيقة البسيطة؟

في اعتقادي أنه يجب على البحرينيين المختلفين، نتيجة جهل كل منهم بالآخر، أن يجلسوا مع بعض ويتصارحوا، ويكشفوا عن هواجسهم ويتفقوا على مشروع وطني، كما اتفقوا على مشروع هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات بعد أحداث طائفية مؤسفة، افتعلها الإنجليز وحلفاؤها حينها.

هذا المقترح ممكنٌ حتى في سورية التي تحرقها حرب أهلية؛ وليبيا التي تحرقها نار قتال كتائب القبائل والمناطق؛ واليمن التي تحرقها نار المذهبية والمناطقية؛ وفي كل بلد عربي تلفه الأزمة بمختلف تجلياتها. فلم تكن الصراعات المحلية التي عصفت بالصين بأقل مما نعانيه نحن الآن. ولنا مثال جنوب إفريقيا في ظل العنصرية البغيضة، وكيف تمكن أبناؤها من وضع حدٍ للنظام العنصري، وبناء دولة لكل أبنائها وأعراقها بعيد عنّا. وللتخفيف من الضغط النفسي على القارئ أردّد بتصرف كلمات الزجل:

عا الهواره الهواره،

ناس بتمشي لقدام، ونحنا نرجع لورا.

العالم تطلع عا القمر ونحن ننزل بالحفر.

كنا مهد الحضارة

نبكي عليها بمراره.

عالهواره الهواره.

والله من وراء القصد.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4349 - الأحد 03 أغسطس 2014م الموافق 07 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 7:55 ص

      العلمانية هي الحل

      العلمانية هي الحل فلا انا سأقبل بالسيعيدي و لا السني سيقبل بعيسى قاسم العلمانية و فصل الدين عن الدولة و منع رجال الدين من الخوض في السياسة هو الحل الوحيد

    • زائر 13 زائر 12 | 9:09 ص

      العزيز

      الى زائر 12 كل واحد يتكلم بقدر فهمه وعقله ..

    • زائر 11 | 3:57 ص

      الحميّة الجاهليّة حذّر منها القرآن

      ما نراه من البعض لا يخرج عن مسألة الحمية الجاهليّة والوقوف ضد الحق مع الطائفة وهذا امر مذموم مرفوض جاءت الأديان لمحاربته

    • زائر 10 | 3:40 ص

      الحلم والماضي

      لم يبقى لكم إلا الحلم ولكن ليس في الحاضر بل الماضي الذي لم يعد قائماً ..؟!

    • زائر 9 | 3:17 ص

      حين يعشعش الجهل تجد اجهزة الظلم طرقها للعقول

      لا يتمكن الظلم من اختراق العقول المستنيرة والواعية والتي ترى قبح الظلم وفظاعته وكراهته ولكن حين يعشعش الجهل يمكن اختراق العقول وبسهولة ويمكن التخويف مما هو موجود وغير موجود . خوفوهم من العدالة ومن المساواة وكما قال الإمام علي من ضاق عليه العدل فالظلم عليه اضيق.

    • زائر 8 | 2:48 ص

      الحقيقة المرة والمكابرة ، تحليل واقعي

      في رأيي أن شعب البحرين، سنةً وشيعةً، مسلمين وغيرهم، هو الخاسر مما يجرى، والرابح الوحيد هو السلطة والفئات الجديدة التي يتم تجنيسها، في حين أن مكوّناً بحرينيّاً ينال الفتات، والمكوّن الآخر ينال السياط. فهل ندرك هذه الحقيقة البسيطة؟ Q

    • زائر 7 | 2:35 ص

      ولاية الفقيه هل هي ام الخضر والليف ام هي العوعو؟

      ايام الطفول والتي هي ايام الجهل كانوا يخيفوننا من امور لا واقع لها بل هي لا تخيف اصلا وعلى سبيل المثال كانوا يخيفوننا من ام الخضر والليف وهي بالطبع النخلة والتي توجد في كل بيت وفي كل زقاق . ولكن الطفل يخاف حين لا يعرف معنى الكلمة وكذلك الآن مصطلح ولاية الفقيه والتي تخيف عقول البعض فين انها لا وجود لها بتاتا على ساحة المعارضة ولا احد يتطرق لها مطلقا فماذا يعني ذلك؟
      هل هو الجهل المعشعش

    • زائر 6 | 2:10 ص

      الحل هو

      إلغاء جميع الجمعيات التي تقوم على أساس طائفي (الوفاق - الأصالة - المنبر الإخواني) و منع العمائم و اللحى من التدخل في السياسة عندها فقط ستحل مشاكلنا

    • زائر 5 | 2:05 ص

      ولاية الفقيه: لا اسمعها الا في الاعلام الرسمي والموالي له

      احضر المسيرات والمنتديات والتجمعات وكل المحافل للمعارضة ولكني لا اسمع كلمة الولي الفقيه بتاتا ولكني اسمعها من الاعلام الرسمي واعلام الموالين يوميا وفي كل منعطف وكل نقاش. ماذا يعني ذلك هذا الغول الذي يحاولون اخافة الناس منه ولا وجود له؟

    • زائر 4 | 2:03 ص

      ماذا يريدون من الطائفة الشيعية؟ إما ان نقبل بممارسة العنصرية علينا او يخرجونا من الملّة

      ما هذا المنطق السقيم والاعوج والأهوج! إما ان نقبل بالظلم وما يقع علينا في وطننا لكي نعيش مواطنين من الدرجة العاشرة او الخيار الآخر ان نكون في وجهة نظرهم عملاء لإيران وغيرها.
      اليس لهؤلاء القوم من عقول؟

    • زائر 3 | 1:42 ص

      حين يركزّ الظلم على طائفة معينة فماذا يراد من هذه الطائفة؟

      لا نفع في الكلام مع هؤلاء الذين اشربوا في قلوبهم حبّ العجل. أي انهم يرون في ظلمنا كطائفة شيعية وممارسة الظلم علينا هو قمّة العدالة وان أي مطالبة منا بحقوقنا هي مطالب طائفية بحتة. فنحن امام خيارين لكي نرضي هؤلاء إما ان نقبل بالظلم والاجحاف والتمييز العنصري وإما ان نوصم بالطائفيين اذا قمنا وطالبنا بحقوقنا

    • زائر 2 | 11:12 م

      لا العلمانية نججحت ولا القبلية تنججح

      الناس تتطلع الى حقوقها العادلة ليس منه من احد وانما حقوق واجبة على الاخرين في اعناقهم ليوم الدين.

    • زائر 1 | 11:07 م

      خد اسمك وسمني به

      ايران مثل ماتقول تريد هلال شيعي بينما الواقع الاخرون يتطاولون بالمال والسلاح لا لمساعدة الفلسطينين بل لتدمير الوطن العربي كما حدث في سوريا على ايدي الارهابين.

اقرأ ايضاً