العدد 4399 - الإثنين 22 سبتمبر 2014م الموافق 28 ذي القعدة 1435هـ

الأخ الأكبر يراقبك!

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في روايته الشهيرة “1984”، تنبأ الكاتب الانجليزي المشهور جورج أورويل، بقيام الدولة الاستبدادية الشمولية التي تخضع المجتمع للسيطرة والرقابة، حيث “الأخ الأكبر يراقبك”.

وكان الكثيرون يظنون أنه كان يعني الاتحاد السوفياتي والدول الشيوعية فقط، لكن تبين بعد سقوط الأنظمة الشيوعية، فإن ما يُدعى بالأنظمة الديمقراطية هي في حقيقتها استبدادية شمولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

في تحقيق كتبه الصحافيان جيرمي ساشيل ورايان ديفرو، في صحيفة “هفينجتون بوست” الالكترونية، كشفا عن تسريبات مثيرة لعدد من المصادر، ومنها لعميل وكالة الأمن القومي السابق سنودن الذي يعيش لاجئاً في موسكو؛ أن المركز الوطني لمكافحة الإرهاب ووكالات الاستخبارات الأميركية جمعت معلومات استخباراتية عن أكثر من 680 ألف شخص باعتبارهم مشكوكاً بكونهم إرهابيين، ومن بين هؤلاء 280 ألفاً لا ينتمون إلى أية منظمات إرهابية مثل “القاعدة” و«حماس” و«حزب الله” حسب تصنيف الوكالة، وهم بذلك يمثلون %40 من المتهمين. وتشترك بعض الأجهزة الأميركية المعنية مثل سلطة الحدود والجمارك، وسلطة الإقامة، والوزارات والوكالات والشركات الأميركية، وعدد من الدول في هذه المعلومات، ويترتب على ذلك متابعتهم في بلدانهم أو أثناء تنقلهم من بلد لآخر، حيث يتعرضون للاستجواب والتفتيش وحتى المنع من السفر من قبل شركات الطيران، خصوصاً تلك المتوجهة للولايات المتحدة. وقد شهدت المطارات الأميركية مواقف درامية للإصرار على تفتيش مسئولين ودبلوماسيين كبار، مثل رئيس الهند السابق أبو الكلام كونه مسلماً.

ويكشف التحقيق أن هذا التوسع المذهل فيمن تشملهم المراقبة الاستخباراتية الأميركية، حتى في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما الذي انتخب من خارج إطار النخبة الأميركية المعتادة (الواسيب) استناداً إلى برنامجه، ومن ذلك تحرير المواطن الأميركي من سطوة الاستخبارات في ظل سلطة جورج بوش الابن.

ومن بين الـ 400 ألف على قائمة الإرهاب الأميركي، ينتمي 307 آلاف تقريباً إلى منظمات إرهابية عربية وإسلامية في نظر أميركا، أما باقي أعضاء المنظمات الإرهابية في العالم فهم بحدود 93 ألفاً، ومنهم بالطبع من هم داخل الولايات المتحدة. وقد كشف المركز الوطني لمكافحة الإرهاب أن غالبية المشتبه بهم في أميركا ذاتها، هم في ضاحية ديربورن من مدينة ديترويت حيث يعيش الكثير من العرب والمسلمين. وقد دلت تقارير نشرتها منظمات حقوقية أميركية أن وكالات الاستخبارات الأميركية وخصوصاً (FBI) تستهدف قيادات ونشطاء إسلاميين أميركيين بالتجسس بدون مبرر، وبتأثيرات اللوبي الصهيوني واليمين الأميركي المتطرف، لكن العدد الإجمالي لمن هم على قائمة الإرهابيين المشتبهين (TSDE) غير المؤكدين هم بحدود 1.5 مليون جرت إضافتهم خلال الخمس سنوات الماضية، حيث ذكر منظمة (Intercept) أن الاستخبارات لا تحتاج لأدلة قاطعة لوضع المشتبه به على اللائحة. ويرفض المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، المعني أساساً بإعداد قوائم المشتبه بهم بالإرهاب، إعطاء معلومات عن قواعد وضع هذه القوائم والتثبت منها ومصادرها. ويشير التقرير لوجود 47 ألف مشتبه بالإرهاب في الولايات المتحدة، منهم 16 ألفاً ممنوعين من السفر بالطائرات التجارية. كما يشير إلى حوادث تقع مسئوليتها على منظمات إرهابية مثلما حدث في ماراثون بوسطن، والتجنيد للقتال في سورية، ومجموعة الشيشان داغستان وغيرها.

التدرج في الخطورة

يبدأ التدرج في تصنيف المشتبه بالإرهاب، بقائمة ما يعرف تحت المراقبة ضمن (قوائم هويات الإرهابيين المشتبهين (TIDE)، استناداً إلى معايير مطاطة، حيث تضم أكثر من مليون أميركي أو زائر محتمل ومقيم في أميركا، تجمعها وتتبادلها مختلف الوكالات الأمنية الأميركية. وعلى سبيل المثال تشمل هذه القائمة رئيس جمهورية بوليفيا موراليس، ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري! والمشكلة أن أعداد من يجرى تثبيتهم على قوائم مكافحة الإرهاب يزداد دراماتيكياً بعشرات الآلاف وبحذف آلاف فقط، وتبعاً لذلك اتخذت احتياطات خاصة في مختلف مطارات العالم للرحلات المتوجهة للولايات المتحدة، ومن ذلك التفتيش المبالغ فيه وتدقيق هويات المسافرين بل واستجوابهم من قبل عملاء المخابرات الأميركية، حتى ولو كان المسافر عابراً. وقد تعرّضت شخصياً لمثل هذه المعاملة في أكثر من مطار أثناء توجهي للولايات المتحدة أو عابراً إياها ورغم ما يعرف بالسماح (Clearance) لركوب الطائرة، إلا أنني في كل مرة أتعرض لاستجواب مطوّل في المطارات الأميركية تمتد لثلاث ساعات أحياناً، مع تفتيش دقيق لأمتعتي، وعندما استفسر عن السبب يكون الرد بكل بساطة: اسمك على القائمة. وقد فشلت كل جهودي مع السفراء الأميركيين والمسئولين بالخارجية الأميركية، في إزالة اسمى من القائمة “المباركة”! وحالتي نموذج لمئات الآلاف من المسافرين الذين يعتبرون السفر لأميركا أو عبرها لعنة ضرورية.

ويكشف عميل (FBI) ميشيل جيرمان عقم هذه الآلية بتضخيم الأخطار والخطرين للمواطنين الأميركيين، والتباهي بجمع معلومات عن مئات الألوف غير الخطرين وغير المعنيين بالإرهاب، وإفلات الكثير من الخطرين فعلاً على الأمن القومي الأميركي حيث بعضهم في مواقع القرار.

وتؤكد الوثائق الرسمية أن قائمة المشتبهين بالإرهاب لا تضم إلا أولئك الذين يمثلون خطراً على أميركا، حيث يضاف مئات المشتبهين كل يوم. ففي أغسطس 2013، أظهرت الإحصاءات أن ما يقارب 680 ألف شخص مشتبه بهم، إضافةً إلى 320 ألفاً على قاعدة بيانات (TIDE)، ومنذ أغسطس 2013 حتى الآن أضيف 5000 أميركي مشتبه بهم، فيما أضيف 15800 إلى قوائم (TIDE). وكشفت الوثائق عن 16 ألف شخص بينهم 1200 يتوجب التدقيق معهم في المطارات ونقاط الحدود؛ 611 ألف رجل و39 ألف امرأة على قوائم المشتبه بهم. أما المدن الخمس الكبرى التي يتركز عليها الرصد وتحوي إرهابيين، فهي نيويورك وديربورن وهوستون وسان دييجو وشيكاغو. ورغم أن ديربورن مدينة صغيرة جداً بسكانها البالغ عددهم 96 ألفاً فقط، فإنها كانت مركزاً للمراقبة لوجود نسبة %40 من سكانها من أصول عربية.

ويتوزع المسجلون على قوائم الإرهاب من حيث الانتماءات كالتالي: 73 ألف (القاعدة في العراق)، 63 ألف (طالبان)، 50 ألف (القاعدة)، 22 ألف (حماس)، 21 ألف (حزب الله)، و8 آلاف (القاعدة في الجزيرة العربية)، 12 ألف (جماعة حقاني)، 11 ألف (حركة فارك) في كولمبيا، و11.5 ألف من حركة الشباب في الصومال. كما تم تشخيص 3200 كمشتبهين بالإرهاب في سورية، بينهم 715 أوروبياً وكندياً، و41 أميركياً. وقد ذكر مات أولسن أن هناك ما يقارب 12 ألف مقاتل أجنبي في سورية.

وتذكر المصادر أن السلطات الرسمية لا تكتفي بإيقاف المشتبهين في المطارات، بل تجمع نطاقاً واسعاً من المعلومات بما في ذلك الصور وبصمات الأصابع. حيث تجمع المعلومات الحيوية عن الأميركيين بالرجوع إلى قاعدة معلومات وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية. كما عمدت (DTI) إثر حادثة مارثون شيكاغو إلى التعمق في قواعد المعلومات الحيوية من خلال بطاقات السياقة، وبالتعاون مع ما لا يقل عن 15 ولاية أميركية، ضمن جهد أوسع شمل أكثر من مليون مشتبه به، من ضمنهم من كانوا أصلا على قائمة المراقبة (Watchlist).

ويظهر تقرير آخر أن قائمة الإرهابيين الرئيسية للعام 2013، تتضمن 860 ألف ملف حيوي حول 144 ألف شخص، وأكثر من نصف مليون صورة للوجه، وربع مليون للبصمات. وعمدت الحكومة إلى التوسع فيما تجمعه من معلومات حيوية غير اعتيادية، بما في ذلك نمط خط اليد (%32) والتوقيع (%52)، وآثار جروح أو علامات أو وشم (%70)، بالإضافة إلى الحمض النووي الوراثي (%90).

ويقول مدير مشروع الأمن الوطني للحريات المدنية الأميركية حنا شامي بأنه “عندما تدخل نطاق تقرير الأقليات وعندما تتخذ من الأشخاص الغلط أصدقاء، فإن ذلك يعني أن الحكومة تضعك على قائمة المشبوهين، وتكون عرضة لتكنولوجيا التعرف على الوجه لتتبعك الـ (CIA) بسرية دون علمك”.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4399 - الإثنين 22 سبتمبر 2014م الموافق 28 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:36 ص

      ماذا عن ايران و نظام بشار؟

      ماذا عن ايران و نظام بشار ؟ ام انه يجوز لهم ما لا بحوز لغيرهم؟

    • زائر 2 | 5:15 ص

      صدقت ايران

      امريكا الشيطان الاكبر

اقرأ ايضاً