العدد 4404 - السبت 27 سبتمبر 2014م الموافق 03 ذي الحجة 1435هـ

الديمقراطية وجدوى الفصل بين سلطات الدولة

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

دعنا أولاً نحدد خيارنا لنظام الحكم، ما بين النظام الديمقراطي، ذاك الذي تكون فيه السلطات متعددة في تخصصاتها ومستقلة في قرارها، ومنتخبة شعبياً في منشأها، وبين نظام الحكم المطلق، فإن اخترنا النظام الديمقراطي، فقد بات خيارنا في “الملكية الديمقراطية الدستورية”.

و«الملكية الديمقراطية الدستورية”، لا تستقيم إلا بفاعلية تطبيق صفتيها، الديمقراطية والدستورية، هذان المُقوِّمان اللذان يدعمان مصداقية عمل كليهما، في كلا الإتجاهين في ذات الوقت، فالمبادئ الديمقراطية، في أن الشعب مصدر السلطات جميعها، ومبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وصون الكرامة الإنسانية، ومبدأ أن الوطن بثرواته حق للشعب، الذي يُوَكِّل أفراد سلطات الدولة، الذين هم أفراد من الشعب في أصلهم، توظيفاً لإدارة شئونه وخدمته، ويخولها أي سلطات الدولة، الانتفاع بأتعاب هذه الإدارة في صيغة رواتب وعلاوات وظيفية، كل ذلك في عقد إجتماعي وهو الدستور، يعرض الشعب على السلطات بنوده وشروطه، من بعد التوافق الشعبي عليه، من خلال المجلس الدستوري، التأسيسي في البدء حين تأسيس السلطات، وهو أي الدستور، الذي يؤسس المعايير الدستورية والقانونية والحقوقية، الموصوفة فيه، لتأسيس هذه السلطات وصلاحياتها، ووسائلها ومرجعيتها لقرار الشعب، في مراقبتها ومحاسبتها وإبدالها، بطريقة موصوفة أيضاً في الدستور.

وللشعب وسائله لتحقيق الإنشاء والرقابة والمحاسبة والإبدال، لهذه السلطات، وبالوسائل الموصوفة في الدستور، في طريقتين، كلاهما سلمية الممارسة والفعل، الأولى صناديق الاستفتاء والانتخاب، والثانية الحراكات الشعبية في التظاهرات والمطالبات الجماعية، وهذه الأخيرة، من أول الحقوق الشعبية، التي على سلطات الدولة، حماية تلك الجموع الشعبية، ضد أي مساس بأمنها، تبعاً لأساسيات توكيلها الشعبي لتلك السلطات.

والقوة الضامنة لمثل هذه العلاقة الدستورية الديمقراطية، بين الشعب والسلطات، هي تلك الآلية الديمقراطية في الفصل بين السلطات، وفي استقلالية قرارها، وفي انتخاب الشعب لأفرادها، دون تدخل من قبل أي سلطة كانت، وخصوصاً السلطة التنفيذية (الحكومة) أو السلطة المعنية بالتأسيس أو التشكيل عبر الانتخاب، وإلا فلا ديمقراطية.

وبمثل ما للسلطات ذاتها، من استقلالية وفصل عن بعضها، لمنع تأثير بعضها في قرار بعض بالتبعية وعدم الاستقلال، ليتسنى للشعب، مراقبتها ومحاسبتها وإبدالها إذا لزم الأمر، بالفعل المُقاضِي، سواء لفعلها أو تأثرها بغيرها من السلطات، فحق للشعب استقلالية قراره وبالانفصال عن سلطات الدولة، حين إنشاء تلك السلطات، وحين إعادة هيكلتها، ومراقبتها ومحاسبتها، والبت في مصيرها.

لذا يلزم للشعب أن يؤسس، وبآلية دستورية، الهيئات المستقلة التخصصية، مثل تلك لشئون الاستفتاء والانتخابات، لتدير عمليتي الاستفتاء والانتخاب، بما أسس لها الشعب في الدستور، لضمان عدم تدخل أي سلطة قائمة في قراره، وعدم عرقلته، وكذلك مثل الهيئة العامة المستقلة لمراقبة حقوق الإنسان، وهيئات أخرى كلما لزم الأمر.

فمهام مثل توزيع الدوائر الانتخابية، وإدارة العملية الانتخابية، من التسجيل إلى التصويت إلى الفصل في المخالفات، حين تستحوذ عليها أية سلطة غير شعبية، فلن تكون محايدةً في قراراتها، لمصلحة الشعب عامة، بل ستميل إلى ما يحفظ لها مكانة ترتجيها. ولا عجب حين نسمع اليوم بقرار إلغاء إحدى المحافظات، وتوزيع أصوات مواطنيها الانتخابية، فقط الأصوات الانتخابية هي المعنية، للتأثير في نتيجة الانتخابات، بما يلبي استفادة إحدى السلطات، وبعيداً عن الصالح العام لشعب البلاد، وخصوصاً أن الدوائر الانتخابية، تم توزيعها طوال الفصول التشريعية الثلاثة الماضية، على خلفية مقولة غير ديمقراطية المنشأ، أن صغر حجم الدوائر، يتيح لمواطنيها انتخاب من يعرفونه عن قرب واحتكاك عبر العلاقة الشخصية المباشرة. ومن المؤكد أن هذا المعيار قد سقط، في الجمع بين بعض من قاطني المحافظة الشمالية مثلاً، مع بعض من قاطني المحافظة الجنوبية.

ومن مبادئ الديمقراطية، مبدأ المساواة بين المواطنين، وليس أقرب إلى المعاينة الملموسة، في مدى تطبيق ذلك، من قياس مدى تساوي صوت كل مواطن، مع غيره في دوائر ذات المنطقة الانتخابية، أو مع غيره في المناطق الانتخابية المختلفة، ويقاس ذلك بكم من عدد المواطنين يتمثل كل نائب، فإن تمثل أحدهم لألف مواطن وتمثل نائب آخر لعشرة آلاف، فهناك خلل حقوقي، خرج عن نطاق الفروقات الطبيعية التي لا مناص منها.

وهناك من الممارسات التي لا يمكن فهمها، إلا بابتعادها عن مبادئ الديمقراطية، مثل تقسيم السلطات، وخصوصاً التشريعية، إلى أكثر من مجلس، مثل الشورى والنواب، لتبدو في ظاهرها المعلن، للرقي بالعملية التشريعية، عبر الاستفادة من أصحاب الكفاءة والخبرة، وهي حالة محمودة، لو كان كلا المجلسين، الشورى والنواب، تشكلا بالانتخاب العام الحر المباشر، ولم تتدخل أية سلطة في هذه الانتخابات، إلا أن واقع الحال، في حقيقته أبعد من ذلك، بما يشير إلى التأثير في إرادة المشرع، وسحب هذه الإرادة من الشعب وإيكالها للسلطة التنفيذية (الحكومة)، فتجد أن السلطة التشريعية تتكون من ثمانين نائب، نصفهم (الشورى) معينون من قبل السلطة التنفيذية غير المنتخبة، ونصفهم الآخر (النواب)، منتخبون شعبياً، في ظل إدارة الانتخابات من قبل السلطة التنفيذية، وبما تؤثر في نتائجه، بالإعاقة أمام بعض المرشحين، والتسهيل والدعم للبعض الآخر، عبر التحكم بتوزيع الدوائر الانتخابية، وبالوسائل المعروفة لدى العامة، ومن خلال التعليمات لبعض القطاعات، لنخرج بمجلس تشريعي يجمع المجلسين، بالخصوص في التشريع بالرفض أو بالموافقة، على المشروعات المفصلية، التي عادة ما تحتاج في أقلها إلى غالبية أعضاء المجلسين، وأكثرها ثلثي كلاً من المجلسين، أو نفس النسبة للجمع ما بين أعضاء المجلسين في مجلس واحد، بما هو ليس صعباً على طالب الإبتدائي، أن يجد النتيجة في الغلبة للحكومة، في ظل الميزانيات الضخمة للمجلسين، التي لو كان للسلطة التشريعية الصفة الشعبية، واستقلال القرار، لأوقفت الكثير من هدر المال العام، وتسريباته إلى غير مستحقيه، بما يوفر للمواطنين، الكثير من الخدمات، وفي أقصر الأوقات، قياساً بانتظار واحدهم عشرين سنة أو أكثر، ليحظى ربما أحفاده ببيت العمر.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4404 - السبت 27 سبتمبر 2014م الموافق 03 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:31 م

      الى متى

      ليتهم يقرأون ويقرون ولا يتكبرون ويكابرون. بارك الله فيك وسدد خطاك

    • زائر 4 | 6:29 ص

      الحكومة

      الحكومة تضرب بقوة على الشعب وتريد تدميره ولاتريد منهو ان يتكلم عن مطالبه ولاتريد تنفيد الدستور .....ولازم الشعب يكون مصدر السلطات هادى هى مطالب الشعب والحراك مستمر حتى تحقيق المطالب ولن تقدر الحكومة ايقافه والله ياخد الحق المسلووووب وشكرا للكاتب الشريف

    • زائر 3 | 4:27 ص

      الديمقراطية

      الديمقراطية لا تستقيم الا في دولة علمانية نفيل الدين عن الشأن العام و تمتع قيام احزاب على أساس ديني

    • زائر 2 | 1:21 ص

      شعب البحرين مطلع على كل ما تقول و لكن

      الشعب منقسم و البعض مستفيد أو يظن أنه مستفيد من هذه المخالفات لذا فهو يحرص على استمرارها مما سهل التفريق بين مخلتف فئات الشعب و التسيد عليه. لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

اقرأ ايضاً