العدد 4429 - الأربعاء 22 أكتوبر 2014م الموافق 28 ذي الحجة 1435هـ

جزيرة الشعب... ذات مسئولية متكاملة

خالد جناحي

مصرفي بحريني

استنزفت الأحداث المحلية المجتمع البحريني على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، وبات الجميع يفتش عن مخرجٍ يضع حداً لهدر الطاقات المادية والبشرية في غير اتجاهها، إلا أنَّ تسييس المجتمع وقرب الاستحقاق الانتخابي حصرا البحث في طريق واحد وهو المخرج السياسي، ناسين أو متناسين الملفات الأخرى التي يجب أن تتصاحب مع الملف السياسي، سواءً أكانت معالجة للشرخ الطائفي الذي أصاب المجتمع أو لحالة عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

فلا يختلف اثنان على الدور الذي يلعبه الاقتصاد في تثبيت الاستقرار السياسي في الدول، فكما أن رأس المال لا يأتي لدول مضطربة، فإن تدهور الاقتصاد وعدم شعور المواطنين بالرضا يدفع إلى عدم الاستقرار؛ إذاً نحن أمام علاقة متكاملة بين شقين لا يمكن السير بأحدهما دون الآخر.

في الشق السياسي هناك الكثير ممن يمكن أن يدلوا بدلوهم في ظل مجتمع مسيس حتى النخاع؛ أما في الجانب الاقتصادي فيمكننا أن نلقي نظرة سريعة على بعض الجوانب التي قد تكون إحدى مسببات الأحداث... فقد توسعت اليابسة في البحرين بفعل عمليات الردم في السنوات الثلاثين الاخيرة بواقع 95 كيلومتراً تقريباً، خُصّص جزء منها لا يزيد في أحسن الأحوال عن الثلث لإنشاء مشاريع يستفيد منها المواطن كالمشاريع الإسكانية، فيما ذهب جلها إلى أشخاص وجهات أخرى لإنشاء مدن ومشاريع خاصة فكم كانت استفادة المواطن؟

تم استغلال موارد ميزانية الدولة في عملية الردم، أي تم اقتطاع جزء من الثروات العامة بدلاً من أن توجه لمشاريع تنموية، فما الذي استفاده المواطن؟

أنفقت الدولة أموالاً كثيرة لتهيئة البنية التحتية وإنشاء جسور تصل إلى مشاريع خاصة محددة، فيما تتهالك البنية التحتية والشوارع في المناطق العامة، وتكتظ بالإزدحامات المرورية، فما الذي استفاده المواطن؟

من الطبيعي في أي دولة يشعر المواطن أن ثروات بلاده التي هي ثروته تتبعثر وتبذر في غير اتجاه وتستخدم لإثراء أشخاص أو جهات معينة فيما لا يطاله هو إلا النزر اليسير، وقد يسلب منه باليد الأخرى من خلال ارتفاع الأسعار كالعقارات وغيرها - من الطبيعي جداً - أن يتمرد وأن يتحرك لتغيير هذا الواقع، ربما بأساليب غير صحيحة، ولكنه يريد أن يعبّر عن غضب يختلج في داخله، أو وضعٍ يريدُ تغيير اتجاهه، دون أن يهتم بالأسلوب إن كان صحيحاً أو لا. فمن وجهة نظره لن يخسر أكثر مما خسره، ولن يعاني أكثر مما يعانيه... هذه نظرة البعض التي لا يمكن أن نتغافل عنها.

ولتدارك ومعالجة هذه المشاكل يجب علينا البحث عن حلولٍ دائمة، تُشعر المواطن أنه جزءٌ من وطنه وليس غريباً، فـ «الفقر في الوطن غربة» كما يقول الإمام علي ابن أبي طالب؛ وتعزّز هذه الحلول في الوقت ذاته مستوى إنتاجيته وتخلصه من الإتكالية وانتظار المساعدة من قبل الدولة وغيرها.

أعتقد أن البحرين التي لم تتردد في ردم 95 كيلومتراً مربعاً في السنوات الماضية - بسبب عدم توافر مساحات على اليابسة التي تحول بعضها لأملاك خاصة- بإمكانها أن تعمل على ردم 35 كيلومتراً مربعاً جديداً، على أن تحوّل لمدينة اقتصادية حرة غير تابعة للحكومة، وإنّما توزع ملكيتها على جميع المواطنين، وفقاً لمستوى الملاءة المالية لكل أسرة، فكلما زادت الملاءة المالية كلما قلت الحصة، والعكس صحيح، مع عدم السماح ببيع هذه الحصص.

وبذلك نخلق مدينةً للشعب البحريني على هيئة شركة مساهمة، يكون مسئولاً عن إدارتها وانتخاب مجلس إدارتها، ومسئولاً عن نجاحها وفشلها، يضع قوانينها الخاصة، ويستفيد من مردودها المادي.

لا يتصور أحدٌ أن هذا الاقتراح هو تخيلات أو آمال بعيدة التحقيق، وإنما اقتراح من الممكن تحقيقه في البحرين أكثر من أية دولة أخرى بفضل مساحتها الصغيرة، وعدد سكانها المحدود، إضافةً إلى تكلفتها التي قد لا تزيد عن 6 مليارات دولار (3 مليارات للردم ومثلها للبنية التحتية)، حيث يمكن توفير هذه المبالغ إما من ميزانية الدولة أسوةً بالمبالغ التي صرفت على مشاريع خاصة، أو من خلال المبالغ التي يمكن استحصالها من إعادة النظر في آلية الدعم كما تحدثنا عن ذلك في مقال سابق.

أعتقد أن القيام بمثل هذه الخطوة من شأنه أن يحقق مجموعة من النتائج الايجابية التي تصب في مصلحة الجميع، وتسهم في تحقيق الاستقرار للبلاد، منها: الانتقال من مرحلة الاتكال على الدولة إلى الاعتماد على الذات في وضع استراتيجية الشركة؛ توفير فرص عمل للمواطنين وبالتالي الابتعاد عن شبح البطالة والفراغ، وسيكون الجميع مجبراً على العمل بدرجة عالية من المسئولية، بعيداً عن التشاحن الطائفي وعدم المبالاة، نظراً إلى أن نجاح هذه الشركة يصب في مصلحة الجميع وسينعكس إيجاباً على مستوى الأرباح والعوائد السنوية التي ستحققها المدينة والتي ستوزع على المواطنين جميعاً في نهاية المطاف.

أطروحة تستحق الدراسة ضمن جهود البحث عن مستقبل واعد.

إقرأ أيضا لـ "خالد جناحي"

العدد 4429 - الأربعاء 22 أكتوبر 2014م الموافق 28 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:08 ص

      أحسنت قولا

      كلام جميل جدا. هل ممكن تحقيق المدينة الاقتصادية من دون مخرج سياسي؟

    • زائر 7 | 3:09 ص

      نعم ولكن

      نعم اتفق معك ان المشروع له ابعاد اقتصاديه مهمه وجذير بالدراسه لكن لا يمكن تثبيت اقتصاد بلد من غير استقرار سياسي الموضوع ابعد من تصويرك له انه مجرد غضب شعبي بسبب وضع اقتصادي في مشكله تمتد للعداله الاجتماعيه قانون يطبق على الجميع وقف التفرقه و فتح مجال العمل في مختلف دوائر البلد للمواطنين شكل النظام السياسي لي يحكم العلاقه بين الحاكم والمواطن مشكلة التجنيس ان يكون للشعب صوت في قرارت الدوله توزيع عادل للثروه من البلد الام وليس الاعتماد على جزيره صناعيه مدخولها للمواطن الخ

    • زائر 6 | 2:05 ص

      الحر يفهم بالإشارة !!

      هل هو مشروع وهمي اخر يظم الى المشاريع المتعثرة الاخرى وتذهب عشرات الملايين الى جيوب فئه لا تزيد على عدد الأصابع والفتات للمواطنين والمقال احتوى على حقائق تتداول شعبيا في المجتمع

    • زائر 5 | 12:49 ص

      اين حقي

      المسؤلين هم قلب الفساد تقاسمو اليابسة ودفنو البحار وملكو الاجنبي وسخرو اموال الدولة لصالح مشاريعهم

    • زائر 4 | 12:42 ص

      اقتراحك يعتبر برغبة

      لذلك سنستمع له ونطنشه اقتراحك وأقول هي الأفكار كثيرة لكنه نزعت الفرد ليكون هو المحور بالموافقة على عدمه لذلك لا احد يشارك في القرار

    • زائر 3 | 11:14 م

      حلم كبير

      والله المكتوب كلام كبير و واضح من شخص مؤهل متعلم فاهم ... مثل هالافكار نحتاج من يدرسها في السلطتين التشريعية و التنفيذية .... لكن للاسف لا نجد احد يملك المؤهلات للتكلم في مثل هذه الامور

    • زائر 2 | 10:40 م

      من سيدرسها

      من سبدرس الفكرة يا استاذ خالد ؟ الحكومة ليست متفرغة للشعب !

    • زائر 1 | 10:35 م

      مشروع قوي وذكي المدينة الصناعية لكنه غير مقبول من اصحاب القرار

      مستحيل يعطون فرصة للشعب ليعمل هذه المشاريع هم من يخلقونها ويوزعونها وهذه المساحة تباع من قبلهم افضل لهم من ان تدخل ميزانية الدولة هنا غير وواقع استعبادي مطلق لا فرصة لإنجاحه

اقرأ ايضاً