العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ

اضطراب في التوجه العسكري - السياسي في العراق

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

تواصل القوات الأميركية حملتها على المناطق التي تتعرض فيها قواتها لهجمات المقاومة في الوقت الذي تزداد سرعة عمليات إعادة تشكيل قوات عرقية مسلحة وعلى نحو يراد به أن يصبح عدد أفرادها أكبر من عدد جنود قوات التحالف الموجودة حاليا في العراق، إذ وصل عدد القوات العراقية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 131 ألفا، والرقم في ارتفاع بشكل أسبوعي. ففي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول كان عدد القوات 60 ألفا، ووصل إلى مئة ألف في نهاية أكتوبر. وجاءت الزيادة اللاحقة خلال أقل من أسبوعين من نوفمبر والمتوقع أن يبلغ عدد القوات العراقية مع نهاية الشهر الجاري 160 ألفا.

ويأتي ذلك في الوقت الذي بدأ فيه الحديث العلني عن سحب القوات الأميركية من الرمادي وبغداد، فيما وافقت الإدارة الأميركية على إعطاء الأولوية لإعادة السيادة بسرعة إلى العراقيين وإنهاء دور السلطة المحتلة وتأجيل إعداد الدستور الدائم وإجراء الانتخابات العامة إلى مرحلة لاحقة. وبينما رشحت معلومات مؤكدة في بغداد أن إدارة جورج بوش ستعمل على إصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي الشهر المقبل يدعم الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المسئولين الأميركيين و«مجلس الحكم الانتقالي» بشأن الجدول الزمني لإنهاء دور السلطة المحتلة وإعادة السيادة ومسئوليات الحكم إلى العراقيين. وأكدت هذه المعلومات من جهة أخرى استمرار التوجه الأميركي في تهميش دور الأمم المتحدة في العراق.

ويأتي ذلك وسط استمرار عملية «المطرقة الحديد» التي ألحقت أضرارا بالغة بالمدنيين، بينما تواصلت الهجمات على قوات التحالف بالفعالية والحجم ذاته. فقد ولد استعراض القوة الذي مارسته طائرات إف 15 و16 والأباشي مردودا سلبيا لكونه (أي الاستعراض) انصب على السكان المدنيين من دون النيل من عزيمة المهاجمين أو يقلص من فعالية هجماتهم أو يقضي عليهم في الوقت الذي اعترف قادة قوات التحالف في الميدان بـ «أن المهاجمين مازالوا أشباحا يصعب القضاء عليهم».

والواضح أن ثمة اضطرابا يتجلى في آلية العمل العسكري والسياسي للولايات المتحدة، وهذا الاضطراب ليس مرده - بحسب مصادر مقربة من سلطة التحالف - الهجمات الشرسة والكبيرة التي تواجهها قوات التحالف في العراق، وإنما وجود جو أزمة في واشنطن ينبع من تجاذب القوى المتعددة المرتبطة بعملية صنع القرار المتعلق بالعراق في واشنطن.

وأوضحت المصادر لـ «الوسط» عن تصوراتها بالإشارة إلى وجود تيار داخل الإدارة الأميركية يعبر عن عدم رضاه بل ويعارض السياسة الحالية في العراق. وأكدت المصادر أن وكالة المخابرات المركزية عندما أصدرت تقريرها القاتم في وقت سابق من الشهر الجاري بشأن العراق، حاولت تبرئة نفسها من صورة الوضع الحالي الذي اعتبره التقرير أن العراق يقف على حد سكين متأرجحا بين الديمقراطية والفوضى، مذكرا الإدارة أن الجهد الأميركي الهائل في العراق مازال يكتنفه الفشل ونتائجه غير مضمونة.

وقالت المصادر إن عدم الرضا على السياسة الحالية قائم حتى داخل قوى موجودة في «البنتاغون». وبرزت انتقادات واضحة من دوائر كثيرة داخل «البنتاغون» لعملية «المطرقة الحديد» من دون انتظار نتائجها ومعرفة مدى نجاحها أو فشلها. وحذرت هذه الانتقادات من أن مردود هذه العملية السلبي قد يكون أكبر من فوائدها. وذهبت المصادر في القول إن بعض الأوساط في «البنتاغون» بدأ يعبر عن رفضه للحرب واستمرار العمل العسكري في العراق عن طريق نسف القصة الذي تبنتها الإدارة الأميركية من أجل اتخاذ قرار الحرب، وتأكيد أن العراق فعلا لم يعد يملك «أسلحة دمار شامل» منذ العام 1991. وعبّر الصحافي سيمور هيرش المعروف بصلته بأوساط بيروقراطي «البنتاغون» عن رأي هذه الأوساط في محاضرته التي ألقاها الأسبوع الماضي في مدرسة فليتشر.

وأضافت المصادر أنه على رغم أن القرار بشأن العراق مازال الآن بيد «المحافظين الجدد» في قيادة «البنتاغون»، فإنه من الواضح أن هناك من يسعى إلى سحب البساط من تحتهم. فإسناد الإشراف على عملية التغيير السياسي في العراق إلى سفير الولايات المتحدة في الهند روبرت لاكويل، الذي سيصل إلى العراق الأسبوع الجاري وربطه بمستشارة الأمن القومي يكشف عن تداخلات القوى في واشنطن بشأن العراق. فبريمر يرفع تقاريره إلى دونالد رامسفيلد، في حين ان لاكويل سيرفع تقاريره إلى كوندوليزا رايس، وبالتأكيد أن ذلك يطرح مجددا سؤال عن: مَنْ لديه اليد الطولى في العراق؟ ولاسيما أن الرئيس بوش رفض اقتراحا من وزارة الدفاع يقضي بحل «مجلس الحكم الانتقالي» وإيجاد رئيس أو حاكم بدل مجلس الحكم.

وهذا كله يكشف عن قلق بوجود أحادية بشأن القرارات التي تصدر عن وزارة الدفاع بشأن العراق، وأن هناك اتجاها للحد منها. وبحسب المصادر، فإن الرئيس بوش هو الذي طلب إعادة نقل مقر القيادة المركزية الوسطى من قاعدة تامبا في فلوريدا إلى قاعدة العديد في قطر، وهو أمر جاء مفاجئا لوزير الدفاع، فضلا عن كونه يأتي في وقت صار القادة الأميركيون في الميدان يصفون الهجمات التي تتعرض لها قواتهم بأنها «بداية للهجوم العراقي المقابل».

وخلصت المصادر إلى أن حال الارتباك السائدة في واشنطن هي التي دفعت إلى تسريع عملية إعادة تشكيل القوات العراقية بما تضمنته هذه العملية من تسريع عملية الاختيار وضم العناصر الجديدة إلى الجيش من دون تدريب كافٍ وإعادة تأهيل، الأمر الذي قد يحمل في طياته إعادة تسرب عناصر النظام السابق إلى القوات الجديدة وبما يمكنهم من التحكم في بعض مفاصل القوات المسلحة التي ازدادت مسئولياتها الأمنية في المرحلة الراهنة، وهذا ما يعزز من نفوذ بقايا النظام السابق ويكسبها قوة أكبر تزداد خطورتها إذا ما اعتبرت الهجمات التي تتعرض لها قوات التحالف هي من بقايا النظام السابق

العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً