العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ

الديمقراطية بين الرفض والقبول

عن معنى المفردة في الإسلام

حسن محمد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

مفهوم الديمقراطية، ومدى توافقه مع الاسلام مسألة أحدثت ولا تزال جدلا فكريا وثقافيا واسعا. فقد اختلفت وتباينت الآراء بشأنها بين من تشدد في رفضه للديمقراطية ورآها مشروعا يهدف الى القضاء على الدين وقيمه، وبين من انبهر بها ورأى فيها المخرج الذي يمكنه أن ينتشل الواقع الاسلامي من حضيض التراجع الحضاري الى التقدم والرقي في أسمى صوره، وبين من اتخذ رأيا وسطيا بين هذا وذاك. يصف عدنان علي رضا النحوي الديمقراطية في كتابه «الشورى والديمقراطية»: «أداة لمحاولة إزاحة قوة الاسلام من المجتمع، من الصدور، من العقول، من القلوب»، بينما نجد عباس محمود العقاد في معرض حديثه عن الديمقراطية في كتاب «القرآن والإنسان» يقول: «إن فكرة الديمقراطية أنشأها الإسلام لأول مرة في تاريخ العالم» هذا الاختلاف الكبير في توصيف الديمقراطية وما يترتب عليه من صدامات يعطينا دافعا لاستكشاف حقيقة الديمقراطية وبالتالي مدى توافقها كأطروحة مع التشريع الاسلامي السماوي.

كلمة الديمقراطية لفظ يوناني الأصل والمعنى المراد به هو «حكم الشعب»، ولما انتفض الأوروبيون على الدكاتورية والكنيسة وما صاحبهما استعاروا هذه المفردة ليعبروا بها عن مرجعية الشعب على جميع السلطات. ثم اتسع مفهوم الديمقراطية في دلالاته ليشمل الكثير من المعاني والقيم التي تتصف بها الدول الغربية اليوم من حرية مطلقة للفرد، وتعددية، وعدل ومساواة، وكل ما ارتبط بذلك واقعيا من أهمية الفصل بين السلطات، وأهمية الحفاظ على الحريات العامة، واستقلالية القضاء، وتداول السلطة بأسلوب سلمي عن طريق صناديق الإقتراع، وأهمية وجود أدوات الرقابة الشعبية على أداء المسئولين. هذا الإتساع في مفهوم الديمقراطية انشأ لدى بعض المثقفين تصادما وتشنجا فضلا عن الأناس العاديين، وذلك لأن الذي يريده هذا من استخدامه لمفردة الديمقراطية قد يكون غير الذي يفهمه ذاك، فالديمقراطية اليوم تطلق أحيانا والمراد بها هو البعد الأخلاقي، إذ الدعوة الى احترام الانسان وحقوقه الاساسية في العقيدة والاختيار والانتماء، ورفض الدكتاتورية التي تعطي وصاية لمجموعة من الأفراد على الآخرين وتعبر عن استبداد في الرأي. وتطلق الديمقراطية أحيانا أخرى والمراد منها البعد الفلسفي الذي يعطي الشرعية للغالبية دائما من دون اية ضوابط أو حدود، فالحاكمية في الفلسفة الديمقراطية للشعب لا غير، ولا معنى في الفلسفة الديمقراطية للدين وتشريعاته إذا لم تجد تلك التشريعات غالبية جماهيرية تؤيدها. لذلك نجد الإباحة الجنسية ومقاهي المخدرات وما شابه مشروعة في بعض الدول الغربية، ذلك لأن الغالبية قبلت بها، والغالبية حسب الرؤية الديمقراطية هي الصواب وهي الحق. ويطلق مفهوم الديمقراطية في الاقتصاد ويعنى به حرية السوق وحرية انتقال البضائع والأموال وإلغاء الرسوم الجمركية وانفتاح الأسواق وسيطرة المؤسسات العالمية على الأسواق، ايضا تطلق الديمقراطية أحيانا بمعنى الشورى وتعدد الآراء وأهمية احترام مختلف الآراء.

تأجيل المفردة

عندما ندرس فكر الاسلام السياسي نجده كما الجوانب الاسلامية الأخرى يعتمد قاعدة توحيد الله منطلقا في فلسفته للحكم. فالحاكمية والتشريع لله سبحانه وتعالى ولقد ورد هذا المعنى في الكثير من النصوص منها قوله تعالى: «إن الحكم إلا لله» سورة يوسف: 40، «أم اتخذوا من دونه أولياء، فالله هو الولي» سورة الشورى: 10، «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» المائدة: 44، «سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا» الفتح: 23، ولعل الكثير من الدعوات الرافضة للديمقراطية انطلقت من هذه المسألة، فالديمقراطية تدعو صراحة لحاكمية الشعب المطلقة من دون أية ضوابط يرسمها الدين أو غيره. أما الاسلام فكما أوضحنا يرى أن الحاكمية والتشريع لله سبحانه وتعالى -، هذا الاختلاف الفلسفي لا يعني عدم تقاطع الاسلام والديمقراطية في الكثير من المسائل، فحرية العقيدة والفكر مقولة ديمقراطية، ولقد دعا اليها الاسلام منذ 1400، «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فاليكفر» الكهف: 29، «قل آمنوا به أو لا تؤمنوا» الإسراء: 107، «لا إكراه في الدين ...» البقرة: 256. أما عملية التشاور واحترام الآراء المتعددة ومشاركة الناس في تدبير الأمور فالاسلام ايضا قد سبق غيره إلى ذلك، قال تعالى: «وشاورهم في الأمر ...» آل عمران: 159، وقال أيضا: «... وأمرهم شورى بينهم ...» الشورى: 38، كما أننا نجد في السنة النبوية الكثير من الشواهد على انتهاج الشورى في الحكم وإصدار القرار، نكتفي منها بأمر الرسول (ص) للمسلمين بحفر الخندق لأجل واقعة الأحزاب التي انتصر فيها جيش المسلمين، ولقد كانت طريقة الخندق في الحروب فارسية اقترحها على الرسول الأكرم (ص) سلمان الفارسي «المحمدي». ولابد من الالتفات الى أن الحرية والشورى في الاسلام مقيدتان بعدم مخالفة أحكام الشريعة «تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون» البقرة: 229، «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا» الأحزاب: 36، بينما الديمقراطية تطلق الحرية وتعدد الآراء والاتجاهات من دون اية ضوابط فيترتب على ذلك مظاهر نشاز من إباحة جنسية خطيرة وانحرافات فكرية أخذت ببعض شباب الغرب الى عبادة الشيطان وغير ذلك من مآسي الغرب التي نشهدها اليوم بأم أعيننا. أما العدل والمساواة فيهما قيمتان ومبدءان لا يمكن لأي دين أو مذهب أن يزايد على الاسلام في دعوته اليهما، فلقد جاءت الرسالة الاسلامية مبشرة الناس بالعدل والمساواة داعية الى زوال كل مظاهر الظلم والتفرقة لأي سبب من الأسباب، فلقد قال عز من قائل «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى» المائدة: 8، «وزنوا بالقسطاس المستقيم» الشعراء: 182 نفهم إذن أن لا مشكلة لدى الاسلام مع الآليات الديمقراطية التي يمكننا أن نوظفها في سبيل تطبيق الاسلام ما أمكن، وتبقى الديمقراطية كفلسفة للحكم غير مقبولة. فالحاكمية لله عزوجل - وللرسول (ص) وللمؤمنين: «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا» المائدة: 55، يقول آية الله السيد محمد حسين فضل الله مختزلا ما سبق إيضاحه: «نختلف مع الديمقراطية في نقطة فلسفية أساسية، وهي ان الديمقراطية تعتبر أن الشرعية هي الأكثرية، وأن الحق هو ما تقوم به الأكثرية من دون أية ضوابط أخرى، ليس لأحد أن يفرض على الأكثرية أية قيود واية حدود معينة، ولكن الإسلام ليس كذلك، ولذلك كنا نقول نأخذ بالديمقراطية أو بالأكثرية كآلية، ولكن لا نتبنى فلسفتها»

العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً