العدد 4450 - الأربعاء 12 نوفمبر 2014م الموافق 19 محرم 1436هـ

حسينية الدالوة ولعبة الإرهاب!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

هل أصبح الإرهاب لعبة هذه الأيام؟ ربما أراده البعض كذلك، لكنه استجاب لهم في البداية ثم استعصى عليهم بعد ذلك فأصبح غصة في حلوقهم!

لعبة الإرهاب الحقيقية بدأت العام 2001، وكانت أميركا هي اللاعب الأساسي فيها، بدأتها باحتلال أفغانستان ثم العراق، وكانت طبيعة هذه اللعبة تقتضي قتل عشرات الآلاف من المسلمين، وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم إذا اقتضت قواعد اللعبة ذلك، كما أن الأمر كان يقتضي جر بعض البلاد العربية وغير العربية للمشاركة في هذه اللعبة كي تبدو مكتملة الأركان وقوية البنيان!

وجدت أميركا وفي بداية تشكّل لعبتها، أن اللعب على أوتار الطائفية العمياء قد يخدمها كثيراً ويجعل مهمتها في احتلال العراق وأفغانستان أكثر سهولةً وأمناً لها ولقواتها الغازية! وبدأ الحاكم الفعلي للعراق آنذاك (برايمر) بوضع قواعد لعبة الطائفية ومن ثم تجربة هذه اللعبة على أرض الواقع! وقد سمعت آنذاك - وعلى سبيل المثال - عراقياً يقول: عندي ولدان أحدهما عمر والآخر جعفر، وأنا أخشى على عمر من القتل إذا مرّ من حارة شيعية كما أخشى على جعفر من القتل إذا مر بحارة سنية! وكان الحل لديه - كما قال - أن يودع كلاً منهما عند أخواله حتى تنفرج الغمة! ومن ذلك الوقت وحتى اليوم ونحن نسمع عن تفجيرات في الحسينيات وفي مواكب العزاء يقوم بها بعض السنة، كما نسمع في الوقت نفسه عن تفجيرات في مساجد السنة يقوم بها بعض الشيعة، ولازال الأمر هكذا حتى اليوم.

العراق ومنذ مئات السنين وهو يعيش حالة انسجام تام بين سنته وشيعته، وبينهما تزاوج وتآلف وتعاون منقطع النظير، فما الذي حدث حتى انقلبت الأمور فجأةً فأصبح الوضع مؤلماً مبكياً لا يطاق؟ هل هي مناهج العراق الدينية أم قنوات التحريض أم المساجد والحسينيات؟ في اعتقادي أن الأمر غير ذلك تماماً.

عدوى العراق انتقلت إلى باكستان وبدأت أعمال القتل والتفجير - ولم تكن هذه معروفة من قبل - ومارسها السنة والشيعة، وإن كان السنة أكثر بحكم كثرتهم العددية قياساً بالشيعة! وهنا أعيد طرح السؤال مرة أخرى: هل مناهج التدريس في باكستان لها علاقة بالاقتتال الطائفي؟ وهل يتابع الباكستانيون قناة «وصال» أو قناة «فدك»؟ قطعاً لا! فالأمر مختلف جداً والأسباب غير ذات الأسباب التي يرددها بعض السعوديين في بلادنا خصوصاً بعد حادثة الدالوة المحزنة.

والدالوة قرية صغيرة في شرق الإحساء كانت تمارس طقوسها المعتادة كل عام بمناسبة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وفي ليلة العاشر من محرم الحرام وقريباً من منتصف الليل هاجم بعض الإرهابيين حسينيتها فقتلوا مجموعةً من أهلها وجرحوا مجموعة أخرى ثم فرّوا هاربين. هذا الحدث كان بشعاً ومؤلماً، ولعل حدوثه لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية كان مصدر الألم والاستنكار والخوف أيضاً!

هذا الحادث طرح أسئلة عديدة كان من أهمها: ما هي الأهداف الحقيقية التي أرادها المجرمون وهل ستتحقق؟ ثم هل سيكون هذا الحادث هو الأخير أم أن في ذهن أولئك القوم خططاً أخرى بغية تحقيق مآربهم؟

وهنا لابد من القول: إنه وحتى كتابة هذا المقال لم تعلن وزارة الداخلية عن القبض على الفاعل الحقيقي للجريمة، وإنما كانت كل إعلاناتها أنها قبضت على مجموعة لهم علاقة بالجريمة، وهذا يتطلب عدم الاستعجال في طرح التهم هنا أو هناك حتى تتضح الحقيقة، وإن كنا جميعاً نتفق على بشاعة الجريمة وأن من قام بها مجرم يجب أن ينال عقابه.

ردة فعل أهالي المتوفين وأهالي الدالوة خصوصاً، ثم كل شيعة السعودية، كانت إيجابيةً إلى حد كبير، فهؤلاء أدركوا أن مواطنيهم السنة بريئون من هذه الجريمة فهم يعرفونهم حق المعرفة، كما أن السنة في السعودية كلها أثبتوا أنهم مع إخوانهم في الدالوة ضد تلك الجريمة النكراء، والوقائع التي تلت تلك الجريمة وإلى هذه الأيام تؤكد ما أشرت إليه.

ولكن يبقى السؤال الأهم: ماذا يريد المجرمون من ارتكاب جريمتهم؟ وهل سيعيدون الكَرّة مرة أخرى مادامت أهدافهم لم تتحقق؟ الواضح للعيان أنهم كانوا يريدون إحداث فتنة طائفية بين السنة والشيعة في السعودية، ربما على غرار ما يحدث في العراق أو باكستان، لكنهم جهلوا أن الوضع في السعودية مختلف كثيراً عمّا يحدث هناك، ولكن جهلهم - الذي نعرفه نحن - قد لا يعرفونه هم وهنا لابد من الاحتياط من تكرار تلك الفعلة وإن كانت بصور مغايرة.

وأسأل مرة أخرى: هل كانت المناهج الدراسية وخطباء الجمعة والحسينيات وقنوات التحريض حاضرةً في هذا المشهد الدالوي المحزن؟ أقول: هذه كلها لها تأثير دون شك، ولكنها ليست هي السبب وحدها فيما جرى، وما قلته عن العراق شاهد على ذلك!

وإذا كان السنة والشيعة جادين فعلاً في تجاوز هذه الأزمة التي تضخمت وتورمت بعد أحداث 2001، وبمساعدة ما فعله ويفعله الأميركان في العالم العربي، فيجب أن يناقشوا الأمور والأسباب بكل صراحة وجدية. فالكلام المعسول لا يكفي وحده وقد سمعنا مثله كثيراً، ولكنه لم يوقف نزف الدماء على الإطلاق وإنما مد جذوره الخبيثة إلى السعودية!

أعتقد أن الأسباب السياسية التي مرت بها بلادنا العربية بعد الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان، ثم ما يجري هذه الأيام في سورية والعراق وفلسطين، هو الدافع الأهم لكل ما نراه ونسمعه! يخطئ من يظن أن تلك الأحداث لا تؤثر على الواقع السني والشيعي في السعودية والبحرين بل وفي كل بلاد المسلمين عموماً. ويخطئ من يظن أن الجرائم التي ترتكبها «إسرائيل» في فلسطين في ظل الدعم الأميركي لها، وكذلك قتل الأميركان للأبرياء سواءً في العراق أو سورية أو اليمن أو أفغانستان ليس لها علاقة بما يجري بين السنة والشيعة! فالعقلية السنية ترى أن على الشيعة أن يستنكروا ذلك وهم لا يفعلون، وعقلية المتطرفين ترى أن محاربة السنة والشيعة واجب شرعي لأنهم يقفون مع الكفار، كما يرون أن إحداث خلل أمني مهما كان نوعه سواء في دول الخليج أو غيرها هو محاربة للأميركان لأنهم يعتقدون أن حكام هذه الدول يصطفون إلى جانب الأميركان، فكل خسارة تحدث فهي بزعمهم خسارة للأميركان!

لعبة الإرهاب مارستها بعض الدول مع شعوبها، وهذه هي الأخطر، فكل من يراد التخلص منه، ولأي سبب كان، يمكن وصفه بالإرهاب، وهذه التهمة أصبحت من التهم المقدسة! بمعنى إذا قيل إن فلاناً إرهابي، فلا يجوز لأحد أن يناقش الأمر أو يتأكد من مصداقيته، وفي بعض الأحيان فالسائل قد يصبح هو الآخر إرهابياً! هذا الواقع أوجد إرهابيين كثراً كردة فعل على ما شاهدوه من ظلم لحق بمن يعرفون براءته مما نسب إليه.

واقع الإرهاب معقّد إلى حد كبير، ولكن التعامل معه ليس مستحيلاً إذا حسنت النيات من كل الأطراف ومن كل الحكومات، فهو ليس أصلاً في ديننا ولا في ثقافتنا، والذين يعتقدون أنهم سيحققون بعض المصالح إذا استخدموا لعبة الإرهاب فهم واهمون بلا ريب! قد تتحقق مصالحهم بعض الوقت لكنه سينقلب عليهم حتماً وسيذوقون ويلاته.

البحرين تستضيف هذه الأيام مؤتمراً حول مكافحة تمويل الإرهاب، ويشارك فيه مجموعة من الدول ومن المنظمات الإقليمية والدولية، وكذلك جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون، وأتمنى النجاح لهذا المؤتمر، ولكنه ولكي ينجح، لابد له من مناقشة كل الأسباب التي تقود إلى الإرهاب، والمال جزء بسيط منها، لا نريده أن يكون مثل عشرات المؤتمرات التي عقدت ولم يتحقق منها شيء!

تشخيص المرض بدقة هو الذي يقود إلى العلاج الصحيح، ومن دون ذلك سيبقى الإرهاب يضرب بأطنابه هنا وهناك، وسنبقى نتحدث عنه المرة تلو الأخرى، ثم ننسى ما قلناه حتى نتفاجأ بكارثةٍ جديدة وهكذا دواليك.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4450 - الأربعاء 12 نوفمبر 2014م الموافق 19 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 7:46 ص

      مرض الارهاب - منيره علي

      الارهاب ماهو الا مرض تفشى وسوف يستمر ان لم نكن جادين وصادقين في مواجهته ومحاربته واستئصال جذوره من مناهجنا ومحاسبة كل المحرضين عليه لكي ï»» نعطي اﻵخر المبرر لإستغلال هذا الجانب، وما فخاخ الارهاب التي نصبها الاميركان والتي لا تزال توقع ابناءنا بها وتصيب مجتمعاتنا بشظاياها إï»» لوجود هذه الثغرات في واقعنا السيئ.
      فما القصد من ايقاع مجتمعاتنا في هذه الفتن والتفرقة الطائفية؟ سوى هز كيان هذه المجتمعات ووحدتها لتسهيل عملية تفكيكها والنيل منها.

    • زائر 6 | 1:39 ص

      عافوور

      شيوخ الشحن والبغض والكره والتكفير الطائفي معروفون لدى الجميع ولا يسعني أن أسرد أسمائهم النتنه .. وكفى

    • زائر 5 | 12:55 ص

      من رزع حصد

      هذا هو الحصاد المرّ الذي زرعه البعض وسوف يصل شوك هذا الشجر للجميع بلا استثناء ومن كان يظن انه بمأمن من الارهاب عندما يزرعه فهو واهم

    • زائر 4 | 12:50 ص

      بسك لف ودوران

      يااخي نحن نحتاج لكتاب ومثقفين ليس على شاكلتك فانت لازلت مغمض العينين ومتعصب وتدور في دائره لاتستطيع الخروج منها انت ومن على شاكلتكم تحتاجون الى وقفات تامل وبتجرد واقراؤ تاريخ الشيعه على مدى العصور فسترون انهم لم يغدرو او يبطشو بل اجارو الجميع حتى النصارى ايام صلاح الدين وقام بإبادتهم انتقاما والشيعه وعلى مدى التاريخ لم يهدمو مسجد اوكنيسه او حتى معبد يهودي وإذا واجهو ولايفرون كغيرهم ولو ارادو الارهاب لسالت بحار من الدماء فى العراق وما بعد الفتوى ليس كما قبلها والشيعه هم من سيغيرون تاريخ الامه

    • زائر 7 زائر 4 | 2:13 ص

      أي تاريخ

      إلي ماله أول ماله تألي أترك عنك الخرابيط

    • زائر 2 | 11:35 م

      مغالطات

      اين هي المساجد التي فجرها الشيعه سم لي مسجداً واحداً
      المعروف ان سماحة السيد السييتاني قال لا تقولو اخوتنا قولو انفسنا
      اين انت من هذا الرقي في التعامل؟

    • زائر 1 | 9:56 م

      لعبة تفريخ الإرهاب

      مناهج في المدارس تشحن بدعة شرك مفر ويش بتخرج غير هالقنابل الموقوتة.

    • زائر 8 زائر 1 | 2:29 ص

      الحمد لله وحدة

      الحمد لله وخذه لإشريك له لامعبود غيره ان يهديك لسراط المستقيم

اقرأ ايضاً