العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ

مازال طعم الحلوى في فمي

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كان دائماً ما يذهب للرجل الكهل في المشفى، يحممه ويشرف على إطعامه ويأخذه في جولة في حديقة المستشفى ثم يغادره بعد أن يطمئن عليه.

أثار إعجاب الممرضة فقالت للكهل: ما أروع ابنك، حفظه الله لك، مازال مصراً على الاهتمام بك وزيارتك كل يوم، فأجابها قائلاً: ليته يكون أحد أبنائي؛ فما هذا البار إلا يتيمٌ في الحي الذي أسكنه، رأيته مرةً يبكي عند باب المسجد بعدما توفي والده، فهدأته واشتريت له الحلوى ولم أحادثه منذ ذلك اليوم، وعندما علم بوحدتي أنا وزوجتي، صار يزورنا كل يوم ليتفقد أحوالنا حتى ضعف جسدي فأخذ زوجتي لمنزله وجاء بي إلى المستشفى، وعندما سألته عن سبب تكبده كل هذا العناء قال: «مازال طعم الحلوى في فمي»!

ربما يرى البعض أن هذه مثالية غير موجودة في وقتنا الحاضر، لكنها واقع، ومهما اختلفت القصص الدالة عليه، إلا أنه مازال موجوداً ومازال بعض الناس يعملون به؛ فرد الجميل خصلة لا يتمتع بها إلا من في قلبه حياة، ولا يتبناها إلا من جُبِل على الفعل الحسن، ومن ربى ضميره وروّضه ليكون له عوناً على فعل الخير وكفِّ الأذى عن الآخرين.

في الحياة صورٌ كثيرةٌ ومواقف متعددة تؤكد ما ذُكِر أعلاه،على النقيض مما يروّج له كثيرون وأولهم وسائل الإعلام التي تكرّس العقوق وتكرّس نكران الجميل من خلال ما تنشره من قصص وما تبثه من حكايات في المسلسلات والأفلام وكأن هذا هو الوضع الطبيعي، ومن خلال ما نراه ونسمع به بشكل يومي عن عقوق أبناء لآبائهم وخيانات بين الأخوة وإهدار حقوق في المجتمعات التي من المفترض أن تكون مثالاً لغيرها؛ لكونها مجتمعات محافظة، وملتزمة بأمور دينها وتعالميه.

نقل لي يوماً أحد الأخوة عن أخيه الذي أعرف من ظاهره صرامته وجديته في عمله وفي علاقاته بالآخرين، حتى خاله بعض معارفنا رجلاً متحجراً لشدة اهتمامه بعمله ولشدة صلافته في التعامل مع من حوله، هذا الرجل الذي وجدنا ظاهره كذلك هو من أكثر الأبناء براً بوالدته المطلّقة، فلا تمضي ساعة إلا واتصل بها ليطمئن عليها، ولا يمر يوم من دون أن يتفقّدها ولا يخرج من باب منزلها إلا بعد أن يطبع قبلة رحمة على يدها وقدمها، حتى تعلم أبناؤه منه ذلك وصارت كل أسرته الصغيرة تقوم بذات ما يقوم به لوالدته وزوجته، وصارت زوجته تفعل ذات الأمر حين يغيب زوجها في سفر وما أكثر ما يسافر في رحلات عمل.

حين سألها أخاه لم تفعل ذلك أجابت: «لأنها الأم التي أنجبت زوجي وربته وجعلت منه رجلاً ليس ككل الرجال في مشاعره واهتمامه ببيته وعمله». وحين مرضت هذه الزوجة وجدت أخت زوجها تتبرع لها بكليتها تعبيراً عن امتنانها وكنوع من رد الجميل لها لأنها الوحيدة التي تتفقد والدتهم كلّما سافر أخاهم الأكبر.

الحكايات والأمثلة التي تدل على رد الجميل كثيرة، وما أكثر الناس الذين لا يزال طعم الحلوى في أفواههم، ولم ينسوا من أدى لهم معروفاً.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:42 ص

      ..

      كلام معبر جدًا، و يبعث الطمأنينة بأن الدنيا لا زال في ماكثيها خيرًا و برّ.

    • زائر 3 | 2:27 ص

      دمعت عيوني

      سردك للقص بحس مرهف اسال الدمع من عيوني
      ياريت كل الناس بهالطيبة
      وتعرف الاحسان ورد الجميل

    • زائر 2 | 1:16 ص

      من زرع حصد

      على الوالدين أن يربو والدهم على فعل الخير

    • زائر 1 | 11:09 م

      جميل ..

      قصة معبرة تداولت في القروبات موخرا وفعلا تستحق النشر لتعم الفائدة والاجمل هو تلخيصكم للموضوع مرفقا بقصة الابن البار والحكم على الظاهر دون التأكد من من يحمل المشاعر والخير نحو اهله والاخرين والحمدلله مازالت الدنيا بخير ..

اقرأ ايضاً