العدد 450 - السبت 29 نوفمبر 2003م الموافق 04 شوال 1424هـ

بين «العمة نور» و«ماما أنيسة»

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

كثيرا ما دار الحديث عن البرامج والمسلسلات التلفزيونية في رمضان هذا العام، شأنه شأن كل رمضان تقريبا، ويأخذ الحديث غالبا صفات الانطباع والمراقبة العامة، وهذا النوع من الحديث ربما يكون الأقرب إلى القارئ غير المتخصص، الذي لا يود أن يقرأ تفاصيل صناعة السيناريو وحركة الكاميرا وغيرها من الأمور التقنية التي من الأفضل له أن يتوجه إلى المصادر الخاصة والمتخصصة التي تتناول هذه الأمور التقنية.

ومن بين المسلسلات التي حُشد فيها جمع من نجوم السينما والتلفزيون المصري، مسلسل «العمة نور» الذي لقي رواجا جيدا بين المشاهدين، لعدد من المحطات، وأهمها قيام نبيلة عبيد بتمثيل دور البطولة في هذا المسلسل، وهي المعروفة بالتخصص السينمائي منذ سنوات بعيدة.

ولن ننشغل كثيرا بالألقاب التي وردت في «كاست» المسلسل، من تسميات، كـ «نجمة مصر الأولى»، و«الممثل القدير» و«الممثل الكبير» وغيرها من ألقاب مجانية وزعت بكرم حاتمي مبالغ فيه وخالٍ من أي تبرير حقيقي لماهية هذه الألقاب، إلا أن الأداء العام للمسلسل وبنيته هما الأساس في التعامل مع أي عمل درامي يعرض على الشاشة الفضية.

إن الملمح الأساسي للمسلسل يعكف على الإعلاء من قيمة البطل الفرد، ويصوره بشكل كلاسيكي يفترض تجاوزه على أنه الملاك الذي لا يخطئ، وأنه المجرد من النوازع الإنسانية، والمتعالي على الرغبات البشرية الطبيعية.

فكانت «العمة نور» مثال الرقي البشري الذي لا يمكن أن يرتكب خطأ، وأن كل ما يصدر عنها عبارات مدروسة وممتحنة وتقع في موقعها الصحيح دائما.

نقول إن هذا الشكل من التعاطي مع «بطل» أية قصة، يفترض تجاوزه منذ زمن بعيد، وذلك لما يفترضه النضج الفني في صناعة الدراما المصرية الأقدم والأكثف على المستوى العربي.

فقد سبق وأن تم تقديم نماذج مشابهة جدا ومطابقة لـ «العمة نور» في أكثر من مسلسل قامت ببطولتها فاتن حمامة كـ «ضمير الأبلة حكمت»، وجسّد محمود مرسي جانبا آخر من هذه الأعمال، وكذلك سيرة أم كلثوم التي أظهرتها ملاكا خال من أي غرض دنيوي.

إن هذه النماذج ربما يقصد منها التأسي والاقتداء بألا يتصور أو يتخيل المشاهد أن هناك أي نقيصة في الشخصية الفذة التي يقدمها، فهي لا تضعف، ولا تزل قدماها، ولا يمكن أن يوسوس لها الشيطان.

وهذا الأمر، ربما رهين التربية التي ترى في الشخصيات المثالية منتقيات جميلة فقط، وتغض الطرف عن الوجه الآخر الإنساني لهذه الشخصيات، وبالتالي، فإما أن يكون «البطل» متكاملا، وتطابق سريرته علانيته، وإما أن يكون غير مستحق للاقتداء.

سقطت «العمة نور» في الفخ نفسه الذي أسقط «أبلة حكمت» منذ عشر سنوات تقريبا، فاكتظت حلقاتها بكم كبير من النصائح التي تلقى متتابعة وبأسلوب فج، وأحيانا سياسي دعائي، وذلك مثل الترويج لمشروع ثقافي لسوزان مبارك، قرينة الرئيس المصري، فعلى ما للمشروع من أهمية، إلا أن طريقة التناول تشبه إلى حد كبير ما كانت تقدمه «ماما أنيسة» من برامج نصحية وإرشادية للأطفال في تلفزيون الكويت في السبعينات من القرن الماضي.

مع أن المعاهد المصرية للسينما والمسرح، قديمة عربيا، إلا أن خريجيها لا يزالون يخفقون في الطرق الحديثة لمخاطبة الرأي العام والتأثير عليه، ولا يجد الكثير منهم الصبر الكافي لكي يمرروا ما يودون تمريره من رسائل عبر حوارات ثرية وغير مباشرة، أو ربما يجد البعض أن المتلقي - المشاهد العربي - ليس بالذكاء المطلوب ليفهم تلميحا ما، أو يستشف فكرة معينة ترد في السياق، ولا يكون لها هذا الوقع التعليمي المباشر، وكأنه يجلس إلى محاضرة في علم نفس النمو أحيانا، أو في خيمة انتخابية يعدد فيها المترشح مزاياه وإنجازاته، ويظهر أجمل صوره لإعادة ترشيحه.

سيبقى مسلسل «العمة نور» من ضمن المسلسلات التي لن تتوقف عند تضخيم صورة البطل الأوحد، والتي تمجد شخصية البطل الأسطورية، وقدرته على تخطي كل العقبات، ووصوله إلى الحلول بأبسط الطرق وذلك لما حباه واضع السيناريو من مقدرة فذة على أن يكون في مرتبة أعلى من البشر، وأدنى من النبيين

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 450 - السبت 29 نوفمبر 2003م الموافق 04 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً