العدد 4521 - الخميس 22 يناير 2015م الموافق 01 ربيع الثاني 1436هـ

إشكالية التحول الديمقراطي في الخليج

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كثيرة هي المحاولات لفهم واستقراء الواقع السياسي للخليج والتحولات الطارئة على هذا الإقليم الذي حافظ على كينونته التقليدية دهراً من الزمن. كتاب «مفارقات الدولة والمجتمع في الخليج» لأحمد شهاب يعتبر محاولة لاستيضاح صيرورة هذا الواقع الذي عبّر عنه كاتبه بأنه «قراءة نقدية وتحليلية لواقع سياسي قائم».

مفهوم الدولة هو البداية، فعلى الرغم من تجاوز الفهم القديم لهذا الكيان فأطروحة توماس هويس التي ترى أن الدولة تنشأ من تعاقد إرادي وميثاق حر بين البشر، نرى أن الكاتب يخضعها للقانون الدستوري بأنها «مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لتنظيم معين». فالدولة الآن لم تعد هي النظام الأساسي الوحيد في العالم، حيث ظهرت أنواع أخرى من الفاعلين الدوليين، كالمنظمات الإنسانية والحقوقية، والشركات المتعددة الجنسية، مع اختلاف تأثيراتها وحجمها السياسي، ونفوذها الاقتصادي والحقوقي.

الدولة لدينا قائمة بمحور الحاكم والرعية، بينما الدولة بالمنظور الغربي الحديث قائمة على أساس المؤسسات والتزامها بالقانون، وهذا ما يرجعه الكاتب إلى الخلفيات الفلسفية. فيما يعرف بـ «دولة الأمير» و«دولة القانون»، إذ اعتمدت الأولى حسب قوله على سياق السيطرة، والأخرى على فلسفة السلطة، لذا فهو يدعو إلى إعادة النظر في خزينة المفاهيم التي نمتلكها. بمعني أن يتحوّل اختلاف العلماء من صراع ثقافي إلى صراع اجتماعي.

ومن باب أن التغير قضية بديهية لا يمكن الفكاك منها طرح الكاتب في كتابه خمسة أنماط للتحول الديمقراطي في الخليج. أولها التحول عبر مبادرة من النظام السياسي، وهو التحول الذي يتم من خلال مبادرة من النخبة الحاكمة لقيادة عملية التحديث في النظام. أما النمط الثاني فهو التحول عبر نقل السلطة، ويعد هذا التحول الديمقراطي مخرجاً لكلا الطرفين، إذ أن السلطة لا تستطيع نقل البلاد إلى الديمقراطية بمفردها. والنمط الثالث التحول بالقطيعة، ويحصل عندما يعصف بالنظام ضعف عام، وتلجأ المعارضة إلى التعبئة الجماهيرية في إقناع الرأي العام. أما النمط الرابع فيكون التحول بالعدوى الديمقراطية، وهو ما يطلق عليه «نظرية الدومينو». أما النمط الخامس فيختص بالتحول بضغط الخارج، إذ يأتي من قوي خارجية لها تأثيرات على النظام في البلد.

الأنماط التي ذكرها الكاتب ليست بالضرورة هي الإطار العام للتحول، بمعنى أن ليس هناك تحول آخر خارج تلك المنظومة ربما لا تتفق ولا تساير ما هو المذكور، إذ لازالت إشكالية البحث عن التوازن بين دولة الأمير ودولة المواطن قائمة. وفي هذا السياق يرى الكاتب أن الدولة لا تتحمل مسئولية هذه الأزمة لوحدها، إنما يتحمل المجتمع مسئولية توفير البديل النوعي عن سلطة الدولة القائمة.

ويطرح الكاتب جدلية تسويق أن تكون القبلية والطائفية كبديل لمؤسسات المجتمع المدني، نظراً لقوتها المعنوية الهائلة وإمكانية استغلال هذه التدفقات المعنوية في اتجاهات تنموية عالية الأداء. وهو اقتراح غير موفق، إذ تعاد الأمور إلى مربعها الأول دون إيجاد حل جذري لأصل المشكلة. فالقبلية والطائفية تعززان من الاستئثار والتمييز، وهي ما لا يتوافق مع التعددية والتشاركية اللتين هما أساس التحول الديمقراطي.

ينهي الكاتب مؤلفه حول إمكانية نسج ديمقراطية تتلاءم مع واقع دول مجلس التعاون الخليجي، لكن يبقى السؤال قائماً: ما هي فرص هذا التحول؟ لذا طرح صيغة الملكية الدستورية باعتبارها أحد الحلول التوفيقية بين استمرار الحكم الوراثي ومتطلبات الحداثة السياسية، معولاً في ذلك على الرخاء الاقتصادي للمنطقة الذي يمكن بدوره أن يساعد في الترويج لثقافة ديمقراطية، بمعنى أن ذلك يعتمد على محورين أولهما التغيير في عقلية المؤسسات الحاكمة لمواكبة التطوير الديمقراطي الحقيقي، وثانيهما أن تمتلك القوى السياسية رؤى واستراتيجيات واقعية بجانب التفاعل الشعبي.

ويبقى المعول في ذلك على اجتهاد فقهي معاصر يقدّم أنموذجاً جديداً يساير الواقع الخليجي، وفي الوقت ذاته يقدم تغييراً في الواقع السياسي يجعل المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات مشاركة فعلية. تبقى المسألة اجتهادات، لكنها تفتح المجال أمام دراسات ورؤى فكرية لتحولات سياسية قادمة تفرض نفسها في المنطقة.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4521 - الخميس 22 يناير 2015م الموافق 01 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:13 ص

      يستحيل التحوّل في الخليج من انظمة قمّة الديكتاتورية الى انظمة ديمقراطية

      من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان تتحوّل انظمة هي في قمة الديكتاتورية ثم تتحوّل الى حكم الشعوب وان يكون لهذه الشعوب رأي في صنع مستقبل بلادها وان يكون للشعوب ادوات محاسبة فاعلة توقف المسؤول عن التلاعب باموال الشعوب. هذا حلم في ظل وضع تستفيد الانظمة الغربية من هذه الانظمة فها هي اسعار البترول احد الأمثلة : ثروات وخيرات الخليج يتم التلاعب بها من اجل
      اركاع دول ثم ماذا؟ ثم يصحوا ابناؤنا على مستقبل استنزفت خيراته واصبحت وبالا

    • زائر 1 | 9:57 م

      معلومة مهمة

      لو تكرمت الكاتبة الفاضلة رملة عبدالحميد بذكر اسم الكاتب المذكور في القال باللغة الانجليزية مع ذكر مؤلفه باللغة الانجليزية ان توفر لدى الكاتبة و ساكون شاكرا لو ذكرت الكاتبة الفاضلة حول وجود مؤلف احمد شهاب، حيث أني احد المهتمين بهذا المجال .شاكرا للكاتبة حسن تعاونها.

اقرأ ايضاً