العدد 4537 - السبت 07 فبراير 2015م الموافق 17 ربيع الثاني 1436هـ

البريطاني الذي نكست البحرين علمها لوفاته عام 1914

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

في الثامن من فبراير/ شباط 1914، أي قبل مئة وعام واحد بالتحديد، توفي جون جوردن لوريمر مؤلف كتاب «دليل الخليج»، والمقيم المفوض في الخليج العربي في بوشهر. بعد وصول خبر وفاته للبحرين تم تنكيس الأعلام وتقديم التعازي حسب ما جاء في مقال كتبه دانييل لو ونشره موقع www.qdl.qa استناداً إلى مجموعة من الوثائق البريطانية.

اشتهر لوريمر بكتابه المهم «دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية»، وهو، بحسب ما جاء في المقال، «عبارة عن موسوعة من إنشاء الاستخبارات الاستعمارية مكونة من جزأين وتستعرض تاريخ وجغرافية المنطقة». لم يكن هذا الكتاب معروفاً أو منشوراً حين وفاته، وذلك لأنه «كان مستنداً سرياً للغاية، ومتاحاً فقط للإستخدام الرسمي، إلى أن رُفعت عنه السِرِّية في العام 1955 وفق قاعدة الإفصاح بعد خمسين عاماً». ويعتبر الكتاب اليوم من أهم المصادر التاريخية والجغرافية للخليج العربي، وخصوصاً لمرحلة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

ولد لوريمر العام 1870 في بريطانيا ودرس في إدنبره وأكسفورد. والتحق بالخدمة المدنية في حكومة الهند البريطانية، وعمل في البنجاب ومقاطعة سيملا بالإضافة إلى بغداد وبوشهر. ارتبط والده بالكنيسة الحرة المتحدة، ولكنه اشتهر بارتباطه بخدمة الامبراطورية البريطانية في ذلك الوقت. يتقن لوريمر اللغات الروسية والفارسية واللغات المعروفة في الهند، كما أنه تميّز بسعة اطلاعه على الخليج العربي، الأمر الذي أهّله ليصطحب اللورد كرزون، نائب الملك والحاكم العام للهند البريطانية، في سفراته للخليج.

ورغم الأدوار الإدارية التي قام بها لوريمر، إلا أنه برز بشكل لافت في البعد المعرفي، سواءً من خلال كتابه المهم «دليل الخليج»، أو من خلال الكتب الأخرى التي سلطت الضوء على الجانب المعرفي المميز في شخصية لوريمر. وقد قام بتأليف كتاب «القانون العرفي للقبائل الرئيسية في مقاطعة بيشاور» العام 1899، كما ألّف كتاب «القواعد اللغوية والمفردات للغة البشتو وزيري» العام 1902.

كانت وفاة لوريمر غريبة، حيث أطلق على نفسه الرصاص بطريق الخطأ، فـ «في صباح يوم الأحد الموافق 8 فبراير 1914، اختلى جون جوردون لوريمر المقيم البريطاني الرسمي المفوض في الخليج العربي في بوشهر بنفسه في غرفة الملابس الخاصة به للتحقق من عيار بندقيته الآلية، حيث كان يرغب في طلب خراطيش من بومباي. وقد عُثر عليه فيما بعد مُسجَّى على الأرض جثةً هامدةً في عمر الثالثة والأربعين بسبب إصابته بطلقة من بندقيته بطريق الخطأ».

أقيمت مراسم الجنازة في بوشهر، وحسب مجلة «تايمز أوف إنديا» فإن «الحدث المؤسف أثار تعاطفاً عاماً بين المقيمين البريطانيين والأجانب والفارسيين في بوشهر». وكان ممن حضر مراسم التعزية «كبار التجار الفارسيين في بوشهر».

أما في البحرين، فبعد وصول خبر وفاته إلى الوكيل البريطاني في البحرين، آرثر تريفور، قام بتنكيس علم الوكالة وإغلاق المكتب. وكان ممن ذهب لتقديم التعازي في الوكالة «تجار ووجهاء البحرين وأفراد من الجاليات الهندية والفارسية واليهودية». ويضيف المقال: «وعندما بلغت الأخبار حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، المقيم في المُحرَّق آنذاك، أمر بتنكيس الأعلام في محل إقامته وفي مكتب الجمارك. وتوجّه ابنه الشيخ عبدالله إلى المنامة لتقديم التعازي، بينما حضر الشيخ عيسى شخصياً بعد عدة أيام».

شخصية لوريمر والأدوار المتعددة التي كان يؤديها، تبرز كيف امتزجت المهام الإدارية والمعرفية والاستخباراتية في نموذج واحد، وكيف كانت المهمات الإدارية، رغم أهميتها، مهمات ظاهرة تخفي مهمات معرفية واستخباراتية قد تكون أكثر أهمية. السرية التي أحاطت بكتاب «دليل الخليج» ووصفه بأنه عبارة عن «موسوعة من إنشاء الاستخبارات الاستعمارية»، كما جاء في المقال، تكشف، في جانب منها، التمازج بين الأدوار الإدارية والتنفيذية وبين الأدوار الإستخباراتية الاستعمارية للإمبراطورية البريطانية.

هذا النموذج الإداري/ الاستخباراتي الذي تكشفه شخصية لوريمر ربما من الممكن تعميمه على عينة واسعة من العاملين المدنيين في خدمة الإمبراطورية البريطانية. على أساس ذلك، ربما من الممكن القول أن مهمات الوكلاء والممثلين السياسيين البريطانيين في الخليج قد تتعدّى ما يظهر من مهمات إدارية وتنفيذية لتشمل مهمات استخباراتية سرية قد لا تنكشف إلا بعد مدة طويلة من الزمن كما حصل مع كتاب «دليل الخليج».

من جهة أخرى، فإن اهتمام لوريمر بالمعرفة الدقيقة التاريخية والجغرافية للخليج العربي، التي اتضحت من خلال كتابه «دليل الخليج»، تدلل على أهمية الجانب المعرفي في خدمة الأهداف الاستعمارية البريطانية. فكما استفادت بريطانيا من قوة أساطيلها البحرية في تحقيق أهدافها الاستعمارية، تأتي القوة المعرفية بتفاصيل تاريخ وجغرافيا الخليج العربي إحدى وسائل القوة البريطانية لفرض الهيمنة على الخليج. المعرفة في حد ذاتها قيمة عالية وإحدى مصادر القوة البريطانية، ولكنها قد تستغل لخدمة أهداف لا علاقة لها بالمعرفة المجردة. هنا تصبح المعرفة التي يقدّمها نموذج لوريمر مثل السلاح لدى الجندي البريطاني في معارك الإمبراطورية البريطانية.

يضاف إلى ذلك، فإن المعرفة المقدمة في «دليل الخليج» مهمة، ولكنها حين تجمع ضمن مهمة مخابراتية وسرية فإنها تكون أقرب لتحقيق مهام استعمارية أكثر من مجرد اهتمام معرفي. هذه الجزئية تحديداً قد تؤثر في مدى مصداقية وموضوعية بعض المعلومات التي يحتويها الكتاب. بكلمات أخرى، إن هدف تأليف الكتاب قد يؤثر بشكل أو آخر في بعض المعلومات أو، على الأقل، في كيفية عرضها، الأمر الذي يخدم المهمة التي من أجلها تم تأليف الكتاب.

الجانب المعرفي وعلاقته بالإمبراطورية البريطانية الذي يكشفه نموذج لوريمر، يستدعي النظر في أهمية البعد المعرفي في مساحة الاستقلال. فالمعرفة التي تخدم مهام الهيمنة يجب أن تواجه بمعرفة تخدم مهام الاستقلال. هنا تبرز الحاجة للمعرفة المقدمة من رؤية وطنية كما تبرز الحاجة لإيجاد مناخ إيجابي داعم للمبادرات البحثية الوطنية.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4537 - السبت 07 فبراير 2015م الموافق 17 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:49 م

      احسنت

      و لا زلنا نعاني الاستعمار و هيمنة الغرب

    • زائر 3 | 10:27 ص

      رائع دائما

      شكرأ استاذ حسن على المواضيع والمعلومات القيمة التى تقدمها
      بارك الله في ها الجهود التى تضئي اجزاء من ماضي بلدنا

    • زائر 1 | 1:15 ص

      الهيمنة لا زالت موجودة

      لماذا تواجه البحرين هذه المصائب؟ الجواب بكلمات بسيطة وهو وجود الاستعمار البريطاني لا زال جاثما على صدورنا وخبراءهم الذين يديرون بعض الوزارات هم اسباب كل البلاوي في البحرين

اقرأ ايضاً