العدد 4577 - الخميس 19 مارس 2015م الموافق 28 جمادى الأولى 1436هـ

مو ابني من دنّك راسه

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقابلة تلفزيونية مع عجوز عراقية معمّرة، كانت تردد: (مو ابني من دنّك راسه)، ومعناها الفصيح: ليس ابني من حنى أو طأطأ رأسه.

كانت العجوز المقعدة المتكوّرة في مكانها، تردّد هذه الكلمات بحماسةٍ وعنفوان، وتدعو أبناءها لقتال «داعش» الذين غزوا العراق، بينما التفتت المذيعة العراقية للكاميرا لتقول للمشاهدين: هذه الكلمات كانت تردّدها النساء العراقيات لأبنائهن وأزواجهن في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني قبل مئة عام.

في المقابل، يظهر في مقطع فيديو تم تداوله بكثرة، «مقاتل» من دولة عربية، فيما يبدو أنه مدرسة قديمة في العراق أو سورية، وخلفه مجموعةٌ من خمسين طفلاً تقريباً، أعمارهم دون الخامسة، ويظهر بعضهم يحمل كيساً بلاستيكياً أبيض كتب عليه «هدية من...»، (والكلمة المحذوفة اسم مدينة عربية شهيرة). يتقدّم «المجاهد» مصطحباً معه أحد الأطفال ليتقرب من الكاميرا، ويطلب منه أن يتلو الدعاء، فيبدأ بلعن طائفة إسلامية تمثل خمس مجموع المسلمين، ويطلب من الله أن يهلكهم ويبيدهم!

الرجل جاء من بلدٍ، لا يُسمح له بإبداء رأي في أي شأن، ليلقّن أطفال بلدٍ آخر - عاش متسامحاً منسجماً طوال قرون - الدعاء على أبناء الطوائف والأقليات الأخرى. هذه هي رسالته وقناعاته في الحياة التي يريد أن يفرضها بالقوة على الآخرين! شخصٌ لا يملك أن يختار زوجته، ويريد أن يختار رؤساء بلدان وجمهوريات أخرى!

وبينما ننادي بعدم تدخل الآخرين في شئوننا، فإننا ندسُّ أنوفنا في الشئون الداخلية للآخرين وننغمس في تفاصيلها. نريد أن نغيّر أنظمتهم، ونفرض عليهم قناعاتنا وأفكارنا وتشدّدنا وممارساتنا. وإذا قاومونا اتهمناهم بألف زور وبهتان.

هذه الطريقة من ممارسة الوصاية على الآخرين تستفزهم وتشعرهم بالمهانة، وتولّد لديهم ردود فعل عنيفة. فالآخرون الذين نريد أن نلغي وجودهم الثقافي والحضاري، ونستعدي عليهم قوى الأرض والسماء، لديهم فلسفةٌ فوق مستوى إدراكنا، وشعور بالعزة والكرامة، تلخّصها تلك العجوز المقعدة في حماسة وعنفوان: (مو ابني من دنّك راسه). وهو فلسفة تتردد في السجالات الحامية على وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما ردّ إحدى الشاميات على فتاة خليجية حين طالبت بإسقاط رئيس بلدها، فطالبتها أولاً بأن تسوق سيارةً في بلدها، قبل أن تخلّص بلداً آخر من الرئيس.

إننا نأخذ أكبر من حجمنا، ونحاول أن نعوّض كل ما نشعر به من عقد نقص، وعجز وهوان، وبؤس وحرمان، بفرض وصايتنا وإظهار بطولاتنا على شعوب أخرى. نريد أن نعلّم شعوباً الحضارة التي نبتت على ضفاف أنهرهم، وننسى أننا لا نملك إلا المال؛ وأن الله وحده هو الذي أنقذنا حين بارت تجارة اللؤلؤ، فأرسل من يستخرج النفط الذي ظل موجوداً تحت أقدامنا منذ آلاف السنين، وكان الأجداد رحمهم الله، يأخذون ما يتفجّر منه من بقع على سطح الأرض، ليداووا به إبلهم من داء الجرب، في تلك البيئة القاحلة الجرداء.

لقد مرّ علينا سبعون عاماً ونحن لا نملك غير النفط، نستخرجه ونبيعه ونعتاش منه، ونشتري به الرز من الهند والباكستان، واللحوم من أستراليا والصومال، والسيارات من ألمانيا واليابان. لا نلبس مما نخيط، ولا نأكل مما نزرع، عالة على الأمم التي يدعو خطباؤنا اللهَ كل جمعةٍ عليها بالهلاك، ولو استجاب سبحانه، لا سمح الله، لأدعيتهم لمتنا في اليوم الثاني من الجوع!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4577 - الخميس 19 مارس 2015م الموافق 28 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 3:36 م

      من المحرق

      مو ابني من دنك رأسه اذا قيلت في ثورة العشرين فذاك ضد الاستعمار اما الان من يزج بهم في حرب خاسرة هم صبيان صغار بتحريض من إيران حتي يموتون في حرب خاسرة ضد أبناء المناطق
      والعشائر .

    • زائر 22 | 5:34 ص

      ماذا نقول يا بو هاشم ( اذا كان مثقفيهم ) اتعس منهم حال

      بالامس يرأت مقالا لاحداهن ممن لا تقبل ابدا التدخل في شئوننا كما تقول وتسمي المطالب انقلاب وكانت في بداية الحراك ثورية ولكن يوم حمى الحديد خافت ونكصت عل عقبيها . عموما تلك العجوز التي لا تريد التدخل في شؤن البحرين تتدخل هي في تفاصيل التفاصيل في شئون الدول الاخرى سوريا والعراق وتعلم لبنان الوطنية وتعلم عراق علي ابن ابي طالب الثقافة .مهازل يا بوهاشم امثال هؤلاء يتصدرون المشهد هزلت وبان هزالها ولكن هذا هو الموجود وهذا هو مستواهم نضحك عليهم وعل تفاهاتهم .

    • زائر 21 | 5:14 ص

      ..

      مقال في الصميم

    • زائر 18 | 3:17 ص

      اوافقك

      الاستاذ الفاضل اوافقك الرأى فيما شاهدت ولا ننكر وجود تطرف سنى ولكن للامانه ما اوجد هذا التطرف هو التراث والكتب والمؤلفات الموجوده لدى الطائفه المقابله المليئه بشتم ليس ابناء السنه وتكفيرهم واخراجهم من المله بل شتم ولعن صحابة الرسول وزوجاته الكرام سنوياًراجعوا ملفاتكم وانا شخصياً ضد التطرف من الطائفتين والله المستعان /// تحياتى

    • زائر 16 | 2:15 ص

      جمعه مباركه

      مقال صعب احد يفهمه لكن الي يفهم يعرف السيد قاسم يتكلم عن اي دوله راعيه للديمقراطيه وهي دكتاتوريه يعني فاقد الشئ لا يعطيه.

    • زائر 15 | 2:09 ص

      المثل يقول

      عندي دواء الناس ما عندي دواء روحي...فكر تربى على الحقد والكراهية يريد يغير لناس ما يستطيع تغيير ذاته

    • زائر 14 | 2:02 ص

      فارس الغزبية

      هدية من مدينة خليجية...

    • زائر 13 | 1:44 ص

      ضريبة حبّ عليّ أهلا بها

      روي عن رسول الله الاعظم محمد صل الله عليه وآله وسلم (( جاء رجل إلى النبي (ص) فقال له : إني أحبك يا رسول الله فقال له : أبشر بكثرة الابتلاء ، فقال : وأحب ابن عمك عليا ! فقال : أبشر بكثرة الاعداء . فقال : وأحب الحسن والحسين ! فقال له : فاستعد للفقر وكثرة البلاء ))
      وكما قال أحد الأئمة:
      إنهم لا يجرأون على البوح ببغضنا ولكنهم يبغضونكم لحبكم لنا

    • زائر 11 | 12:29 ص

      هؤلاء تنطبق عليهم أبيات الشعر

      ملكنا فكان العفو سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطح
      وحللتم قتل الاسارى وطالما غدونا على الاسرى نعف ونصفح
      فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح

    • زائر 10 | 12:06 ص

      ظهر الحق

      الله ينصر الشعب العراقي العربي الشهم على الدواعش وانصارهم وداعميهم ومموليهم والذين دافعوا عنهم وادعوا انهم ثوار عشائر عربية. الله يظهر الحق ويسحق الباطل.

    • زائر 9 | 11:55 م

      أحلى فقرة في المقال

      لا نلبس مما نخيط، ولا نأكل مما نزرع، عالة على الأمم التي يدعو خطباؤنا اللهَ كل جمعةٍ عليها بالهلاك، ولو استجاب سبحانه، لا سمح الله، لأدعيتهم لمتنا في اليوم الثاني من الجوع!

    • زائر 8 | 11:55 م

      طريق النحل

      ياليت تكلمت عن كتاب طريق النحل ليستفيد منه الناس إلي ألقوا مهم وصاروا اتباع

    • زائر 7 | 11:30 م

      مقال حلو من الصبح وجمعتك مباركة سيد انت وأهل بيتك وخلانك

      هاي المواضيع الا تفتح النفس بصباح الجمعة مو خبر تفجيري بكرانه وكاننا دواعش وما ندري عن روحنا في حين جمعية الصلصة تصدح بياناتها الداعشية دون حسيب ورقيب تسلم سيد

    • زائر 5 | 11:25 م

      شعب من القرون الوسطى

      امه تختار له زوجته وهو يريد يختار للشعوب الاخرى رؤساؤها.

    • زائر 4 | 11:02 م

      عين الحقيقة كلامك سيدنا

      لا نملك مقومات الحرية الفردية والسياسية والديمقراطية نقاد كالنعاج الا من تربى على العزة فيحاول ان يغير حاله وتفرض على دولنا الوصاية والأوامر للتنفيد ويوفر لهم الغطاء السياسي والعسكري للحماية ويرفع من قبلنا شعار نشر الحريات وتغيير رؤساء دول ونقول لا يصح الا الصحيح من غدر بشقيقة لن يلقى الا الغدر من حاميه والوقت بيننا وكما قلت يا سيدنا فنحن عالة على الحضارة فماذا قدمنا غير التشدد والتكفير بباقي الملل وتبقى حكمة رب العباد وعدله حاضرة في اي لحظة سيكون هناك تغيير

    • زائر 3 | 10:41 م

      باختصار

      شين وقوي عين

    • زائر 2 | 10:37 م

      jk

      مضبوط حچيك في الصميم نموت جوع

    • زائر 1 | 10:25 م

      لذلك تنبه النائب السابق خطيب الجمعة

      الفقرة الاخيرة من مقالك تنبه لها الخطيب النائب السابق المتكرش من نعمة النظام فما عاد يدعو على اليهود ولا النصارى وانما خص بدعاء الهلاك على الشيعة في البحرين و في كل مكان و اسماهم الرافضة امتثالا للمدرسة التي ينتمي لها و مرجعيته خارج الحدود . طبعا هذا الدعاء لم تجد فيه الجهة التي وجهت لزعامات المعارضة الشيعية في البلد تهم بالحض على كراه طائفة اخرى و سجنتهم و تلاحق بعضهم في المحاكمات

    • زائر 20 زائر 1 | 4:03 ص

      خلاص انتهى وانتهت صلاحيته

      مهما دعا على الشيعة فدعاؤه إن شاء الله مردود عليه بحق محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ولا تهمنا هذه الأشكال النكرة والحمد لله الذي جعلني من الموالين للنبي محمد صلى الله عليه واله والموالين لآل بيته
      الطاهرين وجمعة طيبة لك يا سيد ولكل كتاب الوسط اصحاب الاقلام البيضاء

اقرأ ايضاً