العدد 4586 - السبت 28 مارس 2015م الموافق 07 جمادى الآخرة 1436هـ

السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

المجتمع البشري يدرك الأهمية الاستراتيجية للنظم البيئية في الحياة على كوكب الأرض؛ وبأنها تقدم إسهامات مهمة لحياة البشر؛ وأن بقاء خيراتها يرتبط بفهمنا السليم في تنظيم سلوكنا في العلاقة مع الثروات الطبيعية والموارد البيئية لهذه النظم. وفهم هذه الحقيقة مسألة في غاية الأهمية لمستقبل المجتمع البشري واستمرار بقائه على وجه البسيطة.

ذلك الفهم ظل لقرون يسير مفاهيم التجمعات البشرية في العصور القديمة، فيما يخص علاقتها مع معالم النظم البيئية كمقوم للبقاء، قبل أن يضيع في طي النسيان ويظل بعيداً عن اهتماماتنا لسنوات طويلة بعد المتغيرات السلبية التي طرأت على المفاهيم الإنسانية في العلاقة مع مكوّنات النظم البيئية في العصور الحديثة.

الدعوة للعودة إلى المفهوم القديم الذي نظّم علاقة الإنسان بمعالم النظم البيئية، تعني في بعدها الاستراتيجي دعوة مؤسسة الأهداف لتغيير مسار العلاقة، والتأكيد على ضرورة التوجه المنهجي لاحتساب القيمة المادية للثروات الطبيعية والموارد البيئية ضمن المعادلات الاقتصادية والتنموية ومرتكزات الأمن الإنساني، إذا ما أدركنا حقيقة إننا في الواقع انعكاس لما نعيش فيه من موارد وخيرات وظروف بيئية، وبما يعنيه ذلك من ضرورة الحرص على تأكيد إرادتنا في صون نقاوة ونظافة محيطنا البيئي، والحفاظ على الثروات الطبيعية والموارد البيئية لكوكب الأرض للأجيال الحالية والقادمة.

السلوك البشري القويم مقوّم رئيس في الحفاظ على النظام البيئي لكوكب الأرض، ويمثل محور معادلة العلاقة مع مكونات النظام البيئي، وركناً رئيساً ومؤشراً مهماً في منظومة الأهداف الاستراتيجية لخطط العمل الموجّهة لبناء قيم الثقافة والسلوك البيئي للمجتمع وصناعة النظام الاجرائي، القانوني والإداري المؤسس لإنجاز أهداف التنمية المستدامة. ويجري في سياق التوجه الممنهج لبناء النظام الاجرائي دراسة المتغير في مفاهيم السلوك البيئي للفرد والمجتمع، وتصنيف العوامل المؤثرة والمؤسسة لذلك التغير في جوانبه السلبية والايجابية وفق المعطيات الملموسة في طبيعة الأنشطة البشرية المتداخلة في تأثيرها على واقع النظام البيئي. وبناء على القراءة المؤسسة لمحددات أسباب وأبعاد واقع التغير في مفاهيم السلوك البيئي يجري تحديد متطلبات قواعد النظام الإجرائي التي يمكن أن توفر الحماية القانونية والإدارية لمعالم النظام البيئي، وتشخيص الاتجاهات المنهجية لبناء متطلبات وضمانات تعزيز قيم السلوك البشري الرشيد في العلاقة مع مكونات النظم البيئية.

معالجة العوامل المؤثرة في بناء منظومة السلوك البشري كمقوم محوري في معادلة إنجاز أهداف التنمية المستدامة، يتطلب التركيز المؤسس على جوهر مجموعتين مختلفتين من العوامل، من حيث تأثيرها على مسار ومناهج العمل التنفيذي لإنجاز أهداف التنمية المستدامة. وبالاتساق مع ذلك يمكن الإشارة إلى أن هناك مجموعة رئيسة تتمثل طبيعتها في مسار العمل المنهجي المعني ببناء السلوك البشري الرشيد الموجه لإنجاز أهداف التنمية المستدامة. وينقسم منهج مسار هذا النشاط إلى اتجاهين، يتمثل الاتجاه الأول في البرامج التنفيذية المرتكزة في محاورها الرئيسة على البرامج التوعوية والتنويرية والتعليمية والتربوية والإرشادية، وبناء المفاهيم والمعارف والقيم التي تسهم في الارتقاء بمفاهيم التوعية وبناء القدرات البيئية وتنمية السلوك البيئي الرشيد؛ ويتمثل الاتجاه الآخر للمجموعة الرئيسة في الاستراتيجيات الموجّهة لبناء النظام المؤسسي والتشريعي والرقابي، القويم في منهجياته والكفيل بفرض الالتزام بثوابت مقومات السلوك البيئي الرشيد وبناء أُسس العلاقة الرشيدة مع النظم البيئية، وفي خطط العمل لتخريج وتدريب وإعداد الكوادر الكفوءة في ابتكار وإدارة تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية للبيئة والارتقاء بالأسس والمعايير البيئية وإحداث التحول النوعي في عملية إنجاز أهداف التنمية المستدامة.

وتتمحور المجموعة الثانية في السلوك البشري غير الرشيد في العلاقة مع معالم النظم البيئية، وتتمثل في الحروب المدمرة التي تستهدف العمليات العسكرية منظومة البيئات الطبيعية والتسبب في بروز ظاهرة اللاجئين البيئيين، والأنشطة الجائرة والخطط التنموية غير الرشيدة وغير الملتزمة بالمعايير البيئية في مناهجها التنفيذية، والتي لا تراعي الأسس القويمة في العلاقة مع النظم البيئية. كما تتمثل في الفساد والمحسوبية وانعدام الطرق الرشيدة والممنهجة في استثمار واستهلاك الموارد البيئية، وتفشي ظاهرة نهج الاستهلاك غير المستدام للموارد الطبيعية، وأيضاً في النشاطات المترتبة على ظروف الفقر وانعدام مصادر العيش وفقدان متطلبات الأمن الغذائي.

وتبرز الآثار السلبية لواقع ذلك النهج ومحددات الظروف الإنسانية، في الحقائق الملموسة المتمثلة في تصاعد وتيرة تدهور التنوع الحيوي وفقدان موارد البيئة والإخلال بتوازن نظام البيئة العالمي، وفي تراجع مفاهيم السلوك البشري الرشيد في العلاقة مع مكونات الأنظمة البيئية.

معالجة جدلية العلاقة في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة يتطلب دراسة المعوقات وتحديد مستوى آثارها السلبية، والطرق المنهجية في علاجها وتجاوز مؤثراتها السلبية على خطط العمل وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. وإنجاز ذلك الهدف لا يمكن أن يكون بمعزل عن معالجة الظروف والعوامل المؤثرة في تكوين معادلة السلوك البيئي، كما أنه لا يمكن الجزم في التمكن من تحقيق الإنجاز النوعي لأهداف التنمية المستدامة دون التشخيص الدقيق للمعوقات والمتطلبات الإجرائية الكفيلة باستبعاد الأسباب التي تؤدي إلى حالة التدهور البيئي والإخلال بمعالم المنظومة البيئية، وبما يتسق مع التوجه المنهجي في توصيف وتأكيد المسئوليات والالتزامات القانونية والتعاهدية الواردة في مبادئ وقيم المشروع الدولي البيئي كمحور استراتيجي في التوجه الممنهج لإنجاز أهداف التنمية المستدامة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4586 - السبت 28 مارس 2015م الموافق 07 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً