العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ

قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

حسن موسى comments [at] alwasatnews.com

في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 1948 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كأول وثيقة يصدرها المجتمع الدولي ويدعو من خلالها إلى احترام وتوفير الحقوق والحريات. لقد أخذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان طيلة العقود الخمسة الماضية أصداء واسعة في ثقافات الشعوب وتشريعاتها الوطنية بحيث أصبح مرجعا كونيا يلهم الجهود الوطنية والدولية في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان.

وإننا عندما نحتفل بإحياء الذكرى الخامسة والخمسين لصدور الإعلام العالمي، فإننا نسجل المكتسبات المهمة التي تحققت على صعيد الحقوق والحريات في مملكتنا، الوقت نفسه الذي نسجل أهمية بذل مجهود أكبر في مجال الملاءمة القانونية والتربية والتعليم ونشر ثقافة حقوق الإنسان حتى نتمكن من تأصيل مبادئ الإعلان العالمي على الصعيد التشريعي والثقافي والممارسة. ولا شك في أن المقاصد والمبادئ الواردة في الإعلان العالمي قد وجدت انعكاسا لها اليوم في دساتير كثير من الدول وفي تشريعاتها الوطنية، ومملكة البحرين بدورها أعلنت أيضا وفي أكثر من مناسبة التزامها بمبادئ الإعلان العالمي وضمنت تلك المبادئ الإنسانية السامية في ميثاق العمل الوطني والدستور، وعقدت العزم على أن تمضي قدما في سبيل حقوق الإنسان إذ إن دوافع الاهتمام العميق مازالت قائمة للمزيد من تكريس وتعزيز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأننا نعتقد أن إهمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المكرسة في الإعلان العالمي هو عملية تراكمية وطويلة النفس ومشتركة بين الدولة وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني التي تشكلت في بلادنا لكي ننهض جميعا من أجل النهوض بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في البحرين.

ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي عادة كأية ديباجة تضع التصور الفكري العام الذي يمهد للمواد التي سيفصلها الإعلان، الديباجة تعكس أيضا الجو الدولي الذي دونت فيه، وهو نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي حرب لم تكن كالحروب السابقة، ليس في اتساع رقعتها وفي الدمار الهائل الذي أحدثته وحسب، وإنما أيضا لأن النظام النازي الذي شنها كان نظاما مناقضا تماما لحقوق الإنسان، فكان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أديا إلى أعمال همجية أدمت الضمير الإنساني كما يؤكد الإعلان.

تتحدث الديباجة عن «حقوق الإنسان الأساسية» وعن «الحقوق البشرية المتساوية الثابتة». ومثل هذا التصور لحقوق الإنسان لم يكن موجودا، بل هو تصور يستطيع مؤرخو الأفكار أن يحددوا ميلاده الفلسفي والقانوني في العصر الحديث.

التوافق الثقافي للشعوب على عالمية حقوق الإنسان

وإذا كانت قيم حقوق الإنسان، كالمساواة والعدل والكرامة الإنسانية قد وجدت من قديم في الأديان والفلسفات، فلا شك أنها كفلسفة، ومفهوم، وتدوين دستوري وقانوني لمبادئها لا يرتقي في قدمه لأكثر من قرنين أو ثلاثة على الأكثر، وهي في هذا كله تكونت في سياق تجربة أوروبية فكرية وسياسية، بحيث يمكن التساؤل دائما عما هو خاص وما هو إنساني عام في حقوق الإنسان كما أصبح متعارفا عليها عالميا. إن الإقرار للإنسان بما هو إنسان بحقوق أصيلة بغض النظر عن الفروق الاجتماعية والدينية والجنسية يحيل إلى مفهوم «الحق الطبيعي» وهو مفهوم مركزي، مرجعي في الفكر السياسي الأوروبي الكلاسيكي، وقد استعمله منظرو هذا الفكر في نقد فكرة «الحق الإلهي» للملوك. وقد كانت فكرة «الحق الطبيعي» مفهوما مرجعيا تأسست عليه فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان، وأحالت إليه تدويناتها الأولى كما في إعلان فرجينيا الأميركي (1776) أو «إعلان حقوق الإنسان والمواطن» للثورة الفرنسية (1789).

يقال إن مفهوم ومبادئ حقوق الإنسان قد نشأت في جو الثقافة الليبرالية العلمانية، وهذا صحيح ولكن هذا لا يمنع من اعتبار صلاحيتها صالحة لجميع الثقافات والشعوب لأن هذا التأصيل الثقافي الليبرالي العلماني ليس سوى تأصيل واحد من بين تأصيلات ثقافية عدة لمبادئ حقوق الإنسان وذلك بحكم واقع تعدد الثقافات وليس مفروضا على الجميع أن يتبنوا جميع إشكالات حقوق الإنسان في علاقتها بالثقافة الأوروبية وليس من الحتمي أيضا أن تتبنى جميع ثقافات العالم الخفلية الفلسفية الأوروبية لحقوق الإنسان. وإذا كانت ثقافات الأمم متعددة بطبيعتها، فإن التوافق ينبغي أن يتم على الكرامة الإنسانية كقيمة أساسية تشتق منها مبادئ حقوق الإنسان المتعرف بها عالميا. فكما يمكن أن تكون مرجعية حقوق الإنسان ليبرالية أو علمانية، يمكن أن تكون أيضا مرجعيتها دينية، والمهم هو التوافق على مبادئ حقوق الإنسان نفسها وأن تتضافر للاعتراف بعالميتها مختلف الثقافات.

وختاما، بقي أن نشير إلى أن بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتكامل فيما بينها وتشكل مجموعة من الحقوق الأساسية التي تضمن كرامة الإنسان، وترتيبها لا يعني أن هناك أولوية لنبذ على حساب الآخر، بل إنه ترتيب يهدف إلى محاولة ضبط هذه الحقوق في نسق تسلسلي يواكب الإنسان منذ ولادته وفي حياته وسط مجتمع يتعايش فيه مع غير ويعمل وينتج ويتعاون

العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً