العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ

البرلمان بين مطرقة الشعب وسندان الحكومة

تعقيبا على ورقة تقي الزيرة في «الوسط»

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

«الديمقراطية هي سياسة الاعتراف بالآخر» هذا قول من المأثور الديمقراطي لشارل تايلور، وهذا ما نطالب بتكريسه وتأصيل العمل به، ليس عند مسئولي الحكومة فقط بل عند جميع العاملين في الحقل السياسي، إذ بات من الصعب الولوج إلى عالم السياسة (اليوم) من دون الالتزام بهذا المبدأ البسيط لغة المفهوم مضمونا، ونستخدم المبدأ ذاته في هذا المقال للحديث عن الوضع المأزوم سياسياَ في البلد، وذلك لكي نعذر فيما سنطرح من رؤية قد لا يوافق عليها أصحاب (القرار السياسي في البرلمان) وقد لا تروق للطرف الآخر من المعادلة السياسية وهم (المعارضة) أو بالأصح المقاطعة السياسية للحياة النيابية الجديدة في مملكة البحرين.

وبطبيعة الحال لا نطلب من اي الفريقين (المشاركون والمقاطعون) ان يموتوا في سبيل نشر الرأي المخالف، كما يقول فولتير، وإنما ندعوهم إلى التدبر في نص قرآني عظيم «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم...» (فصّلت: 34) فهل يعتبر الفريقان احدهما الآخر وليا، بل وحميما ايضا؟ وذلك من اجل حلحلة المشكل السياسي في البلد.

وقد طرحت الكثير من الرؤى والاوراق الخاصة بالاشكالية الدستورية والمأزق الدستوري - بحسب وصف المعارضة - والتي ايضا - تلك المعارضة - لم تطرح اية حلول عملية وواقعية يقبل بها الحكم لحد الآن على الأقل.

مجلس الشورى

طرح تقي الزيرة في صحيفتنا «الوسط» بتاريخ 26/11/2003 ورقة للنقاش متضمنة افكار ورؤى قابلة للتطوير، وربما يكون من المناسب دراستها من قبل مختلف الاطراف، والاستفاضة في القراءة والمناقشة والدراسة المستفيضة لها وتنقيحها بما يرضي مختلف الاطراف للخروج من الأزمة السياسية وليست الدستورية بحسب ما أظن... إذ ان قرار الخروج من الأزمة سيكون في الغالب قرارا سياسيا ذا إدارة مشتركة بين الحكم والمعارضة.

وما يفتح الشهية السياسية لمتتبعي الشأن السياسي هو طرح موضوع الديمقراطية غير المباشرة، أي باختيار اعضاء ينتخبون من قبل النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وتقليص عدد اعضاء مجلس الشورى إلى النصف أو اكثر قليلا وفي ذلك ترجيح لكفة مجلس النواب على مجلس الشورى، لكي تكون السيادة في المجلس الوطني لممثلي الشعب المنتخبين. وفي ذلك تحقيق المبدأ الدستوري بأن الشعب مصدر جميع السلطات، وقد كان لي لقاء مع أحد أهم رجالات القانون في الحكم وقد اكد ان هناك نزوعا لدى الحكم بذلك المنحى، ولكن بعد إتمام السنوات الأربع!

وما دام الحديث عن مجلس الشورى فالحق يقال إن (الشوريين) لم يتم اختبارهم من قبل (النواب)، ولم يكونوا على المحك مطلقا لحد الآن وذلك ما يبرر عدم انعقاد المجلس الوطني لحد الآن؟

مجلس النواب

أما فيما يخص مجلس النواب فلا خلاف بأن العمل في المجلس بالغ الصعوبة، كما يؤكد الاعضاء انفسهم، سواء في إلزام الحكومة بقرارات المجلس، أو فيما يتعلق بسلب اختصاص اصيل وأداة من أدوات الرقابة عن المجلس وهو «ديوان المراقبة المالية» الذي نص عليه دستور 73 في المادة (97) وهو صلب العمل الرقابي على أموال الدولة، وكذلك تقديم الحكومة على مجلس النواب من ناحية الأولوية للمشروعات المطروحة كما جاء في دستور 2002 المادة (81) وكذلك تعامل الحكومة مع المقترحات غير الملزمة والمقدمة من النواب، على رغم مقترحات قوانين تحمل أهمية قصوى للبلد، ومثال قانون الضمان الاجتماعي الذي تقدمت به كتلة الأصالة الاسلامية. ولذلك بات الاعضاء بين مطرقة سخط المواطنين وسندان التقييد في البرلمان، ولا فكاك من الاثنين على احسن حال، إذ تعج مجالس الاعضاء بالمواطنين المصحوبة نغمات اصواتهم بالسخط الشعبي، ومن الاعضاء من استشعر بعظم ذلك الأمر ومنهم لا يرعوي ولا يلوي على شيء من ذلك، ويظل هاربا من ملاقاة المواطنين إلى الاستمتاع بقيادة سيارات كبار الزوار وضيوف المؤتمرات والتمتع بصوت السي. دي في البي أم دبليو المريحة. والناخبون لا يشعرون بأنهم ممثلون من النواب، بل وصل الأمر لأكبر من ذلك وهو اتهام النواب بأنهم لا غاية لهم سوى تحقيق مصالحهم وتقديمها على حساب من انتخبهم واتهامهم بالسعي للإثراء الشخصي!

هذا ما يعبر عنه المواطنون في مجالسهم وتنشره وسائل الاعلام من صحافة ومجلات ومواقع على الشبكة الالكترونية، فقد بدا الاحساس يستشري لدى المواطنين بأنهم ناخبون فقط! ولقد وصلت حال النواب اقرب إلى التعبير البلاغي منه إلى الممارسة الفعلية على أرض الواقع، وبمقاربة صعبة يؤسف لها أضحينا - كما يقول أحد المواطنين - على حافة الوقوع في مستنقع الفساد السياسي. وبالتالي فقدان النواب للصفة التمثيلية نوعا ما... وخصوصا ان كفتهم قد مالت إلى جانب الحكومة في كثير من المواقف بدلا من الحد من سلطتها، كما يقول السوسيولوجي الفرنسي آلان تورين، مشخصا حال مماثلة لوضع نوابنا الافاضل! ويتناسى النواب بأن دخولهم في هذه العملية الديمقراطية ما هي إلا نظام وساطات بين الدولة والقوى المجتمعية والتكتلات الشعبية والتعبير عن الأمة... وعلى أثر ذلك اهتزت الثقة في العمل السياسي عند كثير من المواطنين، والذين من الاساس انقسموا عن المشاركة أو المقاطعة في العملية الانتخابية.

وتبقى المسألة الجوهرية لكل تغيير أو تعديل أو زيادة في الصلاحيات هو مسألة صراع على السلطة وخدمة أهداف ومصالح اجتماعية كبرى، وذلك ما يؤكده المفكر برهان غليون، وعلى النواب، وبما ان غالبيتهم اسلاميون، النفاذ إلى جوهر الاسلام من حيث العدل والمساواة والرحمة والعزة والكرامة والانعتاق من رتق العبودية والجور والظلم بدلا من التركيز على المظهر الشكلي الذي لا يغني عن الحق شيئا، فماذا يفيد الشكل والمضمون فارغ، كالكأس المزخرف بالنقوش يقدم للعطشان وما به من قطرة ماء - وليس معنى ذلك، كما يدعي البعض بأن في الدين قشورا لا... بل هناك جزيئات وكليات، وما ينبغي التركيز عليه هو المضمون والماهية العامة لمقاصد الدين، الذي هو انجع لعلاج مشكلات المواطنين، وليس الاغراق في الجزئيات!

المعارضة

مما لاشك فيه إن انتعاش الديمقراطيات يأتي من خلال الاصرار على المطالبة بالحقوق وبالمزيد من الديمقراطية بالوسائل المتاحة منها وغير المتاحة، وذلك من خلال تعدد القراءات للدساتير المتقدمة والقوانين المختلفة ومن خلال طروحات قانونية وسياسية مبدعة وخلاقة، واستخدام اساليب مبتكرة في ذلك... ولعل ذلك ما دعا مدير معهد إن دي. آي فوزي جوليد لمحاولة تقديم رؤية مختلفة لحلحلة الازمة الدستورية، وما يؤسف له حقا ان البعض حسم موقفه بعدم الذهاب للورشة المزمع اقامتها بتاريخ 9/12/2003، ولعل من نافلة القول ان الازمة الدستورية - وهي سياسة في المقام الأول بحسب وجهة نظري المتواضعة - لا تخطؤها العين المجردة، وتحتاج لبعد وسعة صدر وعمل متفاني وعصف ذهني سياسي ودستوري وقانوني وعلى مختلف الاصعدة والاتجاهات، فالوضع مأزوم، الوضع السياسي والدستوري ويتبعه القانوني ومن مخرجات ذلك الوضع «قانون الصحافة» المسلط على رقاب الصحافيين.

إن المتبصر بالأمور يشعر بخيبة أمل وفقدان ثقة لدى قطاع عريض من المقاطعين، بل والمشاركين ايضا الذين لا ينفكون يرددون بانه لو دخلت الجمعية الفلانية ولو دخلت الجمعية العلانية والشخصية الفلانية ما وصلنا إلى هذا الحال من الضياع السياسي والتيه البرلماني، هكذا يعبرون. ويزيد البعض على ذلك لو شارك المقاطعون لأمكن تصفية الطفيليات التي تتعيش على اصوات الناخبين الكادحين من ابناء الشعب. ولعل ذلك ما عبر عن جزء منه الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة القطب الرئيسي في حركة الاخوان المسلمين البحرينية. موجها كلامه لـ «الوفاق» تحديدا.

ومن خلال قراءة مختلفة للديمقراطية وبمنظار آلان تورين مرة اخرى فإن الديمقراطية لا تقتصر على الضمانات الدستورية، اي على حرية سلبية، انها عملية نضال تخوضه ذوات فاعلة، في ثقافتها وبحريتها، ضد منطق هيمنة السيستام وإن الديمقراطية لا تقوم فقط على القوانين بل تقوم قبل كل شيء على ثقافة سياسية، والثقافة السياسية هي في الحقيقة ما ينقص الكثير عندنا ممن يمارسون العمل السياسي!

فالديمقراطية هي عمل وتفعيل للمارسة اكثر منها فكرة مقدسة، وهي سعي حثيث من اجل الحرية والمساواة والعدل والاخاء، وهي عمل لشرعنة الابواب المغلقة ومكافحة «للتعصب والتطويع» ايضا. وهي عملية تسهيل الحياة المشتركة بين مختلف الاطياف والجماعات.

ويبقى على المعارضة ان تفقه الواقع كما هو، لا من خلال «حركة الافكار والشعارات» المعلقة في الهواء التي ليس لها وجود على أرض الفعل والواقع، ومع كل تلك المنافحة عن الحقوق ودعوة المطالبة بها، إلا انه ينبغي ان يكون نصب العين المبدأ القائل: بأن الدولة هي العامل الإداري للتغييرات التاريخية فهي أعلى من القوى المجتمعية الفعالة وعلاقتها، سواء كانت هذه العلاقات تناحرية أو تفاوضية أو تعاونية.

كأنه ولي حميم

كل الفرق والاطياف المختلفة على الساحة تؤمن بهذه الآية العظيمة نصا وروحا ولكن أين تلك الفرقة التي تنزلها على أرض الواقع (التطبيق)؟ لا احد! قد يعتبر البعض هذا الطرح من السذاجة لأن اللعبة السياسية بها من المكر والخديعة ما ينسف اي معنى لآلاف من مثل هذه الآية، ولكن هناك نصا دستوريا يقول: «العدل اساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين...» فمن هو المنوط بالمحافظة على التعاون والتراحم هذا الذي يجب ان يسود بين المواطنين؟ أليس اعضاء المجتمع ككل، المقاطعون والمشاركون. وما بينهم وما فوقهم؟! ذلك كي نخرج من النفق السياسي المظلم، ومن أسئلة وتلبيسات (العودة لدستور 73 أو مكتسبات 73، تعديلات دستورية وتعديلات غير دستورية، دستور جديد أم دستور معدل، مذكرة تفسيرية لدستور 2002 أو الرأي في المسألة الدستورية والدراسة النقدية، تأويلات رمزي الشاعر وعبدالله هاشم أم محمد أحمد وجليلة السيد وعبدالله الشملاوي... وغيرهم أو تعبيرات الشيخ علي سلمان وعبدالرحمن النعيمي وعبدالهادي خلف أم رموز المشاركة والحكم... وغير ذلك الكثير).

ويبقى القول صحيحا إن عملية التوافق بين الحكم والمعارضة لن يتم بمبادرات سطحية بل بعميق تمحيص ودراسة وعمل مضنٍ بلا شك، والاهم من ذلك هو بنكران للذات والتنازل قليلا عن الأنا المفرطة كما يقول سلمان العودة تلك الأنا التي قد تكون شخصا أو قبيلة أو طائفة أو حزبا أو جماعة، هذا التنازل هو المطلب الشعبي الملح في الفترة الحالية

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً