العدد 4593 - السبت 04 أبريل 2015م الموافق 14 جمادى الآخرة 1436هـ

الرواية البريطانية المعاصرة... كيف تصور الإسلام؟

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

الرواية الواقعية كعمل أدبي وخصوصاً في بريطانيا، ليست مجرد رواية. هي مساحة نقاش وإثارة أسئلة وانتصار لفكرة وتصوير أدبي يمزج بين خيال القصة بما هي قصة وبين الواقع.

حين تقرأ الرواية الواقعية تحديداً، تشعر بأنك لا تقرأ قصة بقدر ما تعيش في جلباب أبطالها الواقعيين. هي ليست قادرةً على تسليتك وإمتاعك فقط وإنما قادرة أيضاً - وهو الأهم- على إقناعك، أو على الأقل قد تسعى لذلك. واقعيتها الشديدة إحدى نقاط قوتها وإحدى نقاط قدرتها على الإقناع. حين تقرأ روايةً يكون المجرم أو المجنون أو الطالب الكسول فيها مسلماً، والجدة الشريرة فيها مسلمة، فأنت لا تقرأ مجرد رواية. هذا عمل أدبي يحمل تصورات تنتمي لثقافة المؤلف أو ثقافة المجتمع الذي نشأ فيه. الروائي لا يقدر على تحريك أدوات الواقع، ولكنه قادر على صنع واقع روائي وإدارته بما يتناسب مع تصوراته. فمتى بدأ تصوير الإسلام في الرواية البريطانية المعاصرة؟ وكيف تصوّر الرواية البريطانية المعاصرة الإسلام؟

على رغم أن بريطانيا تضم أكثر من مليوني مسلم، وعلى رغم استقرارهم فيها منذ القرن الثامن عشر، إلا أن الرواية البريطانية لم تتسع لهم إلا منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً. ربما يعود ذلك في جزء منه إلى أن المسلمين في بريطانيا قبل تلك الفترة لم يكونوا يعرفون بهوياتهم الدينية وإنما بهوياتهم العرقية، حيث يرجع أغلبيتهم لأصول شرق آسيوية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإسلام كدين وهوية، خصوصاً في فترة الصراع الذي كان قائماً بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، لم يكن يشكل تحدياً يستدعي الاهتمام بمستوى الاهتمام بالصراع بين القطبين الأساسيين في تلك الفترة. انتصار الثورة الإسلامية في إيران العام 1979 وسقوط الاتحاد السوفياتي العام 1991، ساهما في بروز الإسلام الأمر الذي انعكس على قطاعات واسعة من المسلمين حول العالم الذين باتوا يعرفون أنفسهم بهويتهم الإسلامية، وهو ما انعكس على المسلمين في بريطانيا.

ربما تعتبر رواية «آيات شيطانية» التي صدرت العام 1988 للكاتب البريطاني من أصول هندية سلمان رشدي، أول رواية بريطانية معاصرة تتناول الإسلام. إحدى الأفكار الأساسية التي احتوتها الرواية هي المفاضلة بين الإلحاد والإسلام، ولأن كاتب الرواية قد كتبها من وجهة نظر إلحادية، كما صرح هو بذلك، فإن الإسلام تم تصويره وكأنه الآخر المختلف والسلبي في مقابل الإلحاد الإيجابي. انتصاراً للإلحاد، ربط رشدي بينه وبين التحضر والعلم والتفكير، كما ربط في المقابل، بين الإسلام والماضي والتخلف والخرافة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم رشدي أسلوب الاستهزاء في تعاطيه مع الذات الإلهية أو النبي محمد (ص) وزوجاته (رض) كأحد الأساليب التي استخدمها في تقديم الإسلام بشكل سلبي في مقابل إيجابية الإلحاد.

تبدو رواية «آيات شيطانية» وكأنها مرآة عاكسة لصراع الهوية الذي كان يعشيه رشدي. وُلد رشدي في الهند لأبوين مسلمين، ولكنه كان منذ صباه مسلماً علمانياً وليس متديناً حسب وصفه. حين كان في الهند كان يحلم بالسفر لبريطانيا، ولكنه حين رحل لبريطانيا صار يحكي قصص العنصرية التي لازالت راسخةً في المجتمع البريطاني منذ فترة الاستعمار، بحسب كلامه، وصار يحن للهند، موطنه الأصلي.

في بريطانيا صار رشدي ملحداً وكتب روايته تأثراً بهذه الهوية. بعد صدور فتوى السيد الخميني ضده وبعد لقائه بمجموعة من العلماء المسلمين، أعلن إسلامه ولكنه أعلن إلحاده مرةً أخرى بعد فترة. صراع الهوية الذي كان يعيشه رشدي في ظل أجواء العنصرية التي كان يشعر بها في المجتمع البريطاني ربما ساهمت في أن يسعى لإثبات هويته البريطانية من خلال عمل أدبي ينتصر فيه لقيم الإلحاد والثقافة البريطانية، وتكون الهوية الإسلامية في المقابل، الهوية التي يسعى للخلاص منها عن طريق تصويرها بشكل سلبي والاستهزاء بها.

ربما من الممكن القول إن رواية «آيات شيطانية» نقلت الإسلام من مرحلة اللاوجود في الرواية البريطانية المعاصرة إلى مرحلة الوجود السلبي. فبعد أن كان الإسلام هامشياً في مساحة القضايا المجتمعية الأمر الذي لم يوفر له المساحة لأن يتم التطرق إليه في الرواية البريطانية الواقعية، أصبح بعد صدور الرواية قضية مجتمعية ساخنة فتحت مساحة واسعة للنقاش حول الإسلام والمسلمين في بريطانيا. وعليه يمكن القول إن بدايات النقاش المعاصر عن الإسلام في بريطانيا وخصوصاً على مستوى الأعمال الأدبية، كان قد بدأ في أجواء ملتهبة وغير مهيأة بعد لتستقبل وتتفهم وجهة نظر المسلمين في بريطانيا. بعبارةٍ أخرى، بدا الإسلام، من وجهة نظر غربية، وكأنه يحمل ثقافة تهدّد الثقافة الغربية في إحدى أهم ثوابتها، وهي حرية التعبير. كما بدا الغرب، من وجهة نظر إسلامية، وكأنه يهاجم الإسلام في أعز مقدساته، الأمر الذي ساهم في خلق أجواء صراع ثقافي له جذوره الممتدة لصراعات الحروب الصليبية.

هذه الانطلاقة المشوشة للنقاش حول الإسلام وعلاقته بالغرب ساهمت بشكل أو آخر في تعقيد فهم الإسلام في بريطانيا.

أحدث صدور «آيات شيطانية» في 1988، ضجة في المجتمع البريطاني وفي العالم الإسلامي وذلك بسبب الصورة التي قدمتها الرواية للإسلام. خرج الكثير من المسلمين البريطانيين في مظاهرات غاضبة كما خرجت مظاهرات مشابهة في الكثير من البلدان الإسلامية، خصوصاً بعد صدور الفتوى ضدها. ردة الفعل الإسلامية الغاضبة نتج عنها بروز حالة تأييد للرواية وحرية التعبير لدى الكثير من البريطانيين، بالخصوص المثقفين والكتاب. بدا المشهد وكأنه صراع بين نوعين من الاحترام: احترام الدين الإسلامي ومقدساته ورموزه من جهة، واحترام حرية التعبير من جهة أخرى.

وسط هذا الصراع، كان التحدي كبيراً بالنسبة للمسلمين البريطانيين، خصوصاً في مسألة الهوية والانتماء بين بريطانيا والإسلام. وساهمت الضجة الكبيرة التي أعقبت صدور الرواية في بروز الهوية الإسلامية في المجتمع البريطانية من جهة، كما ساهمت في إثارة سؤال الهوية ومدى إمكانية أن يكون الفرد مسلماً وبريطانياً في آن واحد.

بعد سلمان رشدي برزت أسماء أخرى تناولت في رواياتها الإسلام من زوايا مختلفة ومن هؤلاء حنيف قريشي ومونيكا علي وفادية فقير وليلى أبو العلا. اللافت أن الروائيين المهتمين بتناول الإسلام يرجعون في أصولهم لأصول مسلمة آسيوية أو أفريقية وهذا ما يسمح بافتراض ارتباط الكتابة الروائية بصراع الهوية الذي يعيشه البريطانيون المسلمون من أصول غير بريطانية.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4593 - السبت 04 أبريل 2015م الموافق 14 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:48 م

      الإسلام قضية ناجحة لكن محاميها فاشل

      الإسلام يحتاج ان تنشر صورته بالطريقة الصحيحة بأنه دين سلام و موده و تسامح.
      اعرف شخصين من اوروبا من الوافدين اعتنقوا الإسلام لتأثرهم بأخلاق المسلمين هنا!
      و معروف بأن الإسلام انتشر في ماليزيا و اندونيسيا بسبب انبهارهم بأخلاق التجار اليمنيين و أسلموا من دون حملات دعوية و لا غزوات.
      لكن في دول الغرب تجد اكثر المسلمين فقط بالإسم او يحملون فكراً متزمتاً... و الإعلام يحب التركيز على الفئة المتشددة.
      فتجد بأن من يحمل قيم الإسلام الحقيقية جهده ضائع بسبب التفسخ الأخلاقي او التطرف لدى المسلمين المهاجرين.

    • زائر 3 | 7:55 م

      احسنت

      و تبقى شعوبنا محاربة من الغرب

    • زائر 2 | 12:56 ص

      شيء اسمه بريطانيا لا اطيقه

      لكثرة ما رأيت من هذا البلد الذي اسمه بريطانيا فإني لا اطيق سماع اسمها لكثرة ما نشرت من بذرة الشرور في العالم

    • زائر 1 | 11:51 م

      نحن السبب

      ليس مستغربا ان يقدم الادباء الذين يعيشون في اوروبا او ممثلي هوليود الاسلام والعرب بهذه الصورة السوداء لاننا مع الاسف اعطيناهم المبرر لذلك . مقال الدكتور منصور لهذا اليوم وضع بعض الحروف على النقط ، مشاهد القتل ومشاهد القذارة في مجتمعاتنا الغنية ادلة نقدمه لهؤلاء ليرسموا صورة عن واقعنا مع الاسف .

اقرأ ايضاً