العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ

المقاهي... امتداد الثرثرة!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

كثرت المقاهي وكثرت معها الثرثرة وامتد الفراغ. وأحسب أن الثرثرة ابنة الفراغ. لم تعد المقاهي أمكنة لمشاريع إبداعية، ومفتتح نصوص. لم تعد أمكنة عصف ذهني يطول مسائل الحياة والفن والإبداع وحتى العلاقات. أصبح معظمها ملاجئ للهروب. الهروب من أي شيء. أو الإعراض عن أي شيء، وإن بدت - ظاهراً - أنها مساحات للتواصل. ليس كل تواصل يحمل قيمة بالضرورة. كما أنه ليس كل إعراض يحمل جفْوة أيضاً. المسائل نسبية، والقيَم فيها نسبية في الوقت نفسه.

صحيح أن الإنسان يحتاج إلى تلك المساحة من الترويح عن النفس. يحتاج إلى أن يدلِّل نفسه. ليس بالضرورة أن يكون مُنشغلاً طوال الوقت بكل ما هو جاد. الجِدَّة طوال الوقت حرمان وتفويت فرص على النفس كي تتغذَّى بمرح وانشراح. يحتاج إلى أن يركن إلى شيء من السذاجة أيضاً في بعض الأحيان! ولنخفِّفها: البساطة في حدودها الواضحة، تلك التي لا تكلُّف فيها ولا تصنُّع. يحتاج إلى أن يؤجِّل مشاريعه الإبداعية ويركنها جانباً، ضمن قسط لا يستغني عنه لينضج وتنضج وتستويَ معه.

قد تُتيح المقاهي كل ذلك، تماماً مثل السفر، ومثل العزلة التي يختارها أي منا ليرتِّب أولوياته. قد يمنحك السفر تفاهة؛ وقد يمنحك غنى وعمقاً معرفيِّاً واتساعاً في درايتك. قد تمنحك العزلة انغلاقاً على الذات قبل أن يكون انغلاقاً على المحيط من حولك، بكل ما فيه؛ وقد تمنحك مزيداً من الأُلفة والانفتاح على ما انغلقت عليه وسط الضجيج والحركة التي لا تخلو من عبثيتها.

أكثر ما يمكن أن تقوم به معظم المقاهي اليوم، هو العمل على ترميم العلاقات بين البشر. وكثيراً ما تفشل في ذلك. أقول: ترميمها؛ لا تعميقها، وفرق شاخص بين الاثنين. والمسألة هنا نسبية كي لا نتورَّط في مساحة من التعميم.

ليست دعوة لاسترجاع مجد المقاهي العربية في العواصم الكبرى، تلك التي خرجت منها أروع وأهم الأعمال الإبداعية والفكرية، وتحوُّل بعضها إلى وُرش وصالونات ومنتديات وجلسات عصف ذهني.

الزمن لم يعد هو الزمن؛ بل الناس لم يعودوا هم الناس. امتداد مساحة انشغال الإنسان اليوم، وتوافر وسائل إشغاله وما يجعله منهمكاً ليست كالأمس. وعودة تلك المقاهي إلى سابق مجدها أمر بات صعباً؛ وخصوصاً أن معظمها لم ينشأ إلا وسط تدافع مجنون وراء الربح السريع، ومجاراة الزمن والعالم في ما يُشغل روَّادها ويستقطبهم. ولا يهم أصحاب تلك المقاهي مستوى وعي ونباهة من يرتادونها. ما يهمهم هو قدرتهم على المساهمة في استمرار تلك المقاهي مفتوحة، تعجُّ بالحركة، ومن ثم جني الأرباح. لم تعد أمكنة لعصف ذهني، بل لتجميد وركود وخمود ذهني، هروباً مما لا يُحصى، ومحاولة يائسة وكاذبة في الوقت نفسه للبحث عن التوازن المفقود الذي لن توفره تلك الأمكنة؛ أو على الأقل الكثير منها.

إنها أمكنة هروبنا من الفراغ إلى الفراغ نفسه، والهروب من الإحساس بالتفاهة أحياناً، إلى تأكيد الإحساس بتلك التفاهة!

وحدهم الذين يضعون اعتباراً للعلاقات الإنسانية، يمكن لهم أن يستثمروا بعض تلك الأمكنة، بإصابة الذين من حولهم بها. بالمبهر من الأنفس والأرواح، وإذا ما توافرت لهم إمكانات أن يكونوا من ذوي الخلْق الإبداعي، فتلك هي القيمة والذروة مما ينتج عن أمكنة مثل تلك.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:25 ص

      كنت

      كنت اروح شارع المعارض وصادتني مشكله وتحولت للشرطه مع اني مالي ذنب تركت طلعات شارع المعارض وصرت من رواد المقاهي العب دومنه وضحك وسوالف والحمد لله مرتاح اكثر

اقرأ ايضاً