العدد 4647 - الخميس 28 مايو 2015م الموافق 10 شعبان 1436هـ

الحاجة لمعاهدة وستفاليا جديدة في إطار إسلامي صحيح

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

عقدت معاهدة وستفاليا العام 1648 لتضع نهاية لحرب استمرت ثلاثين عاماً بين الدول البروتستانتية والكاثوليكية، وأكّدت إنهاء سيطرة بابا الفاتيكان على النظام السياسي المدني، وأقرت مبدأ السيادة المطلقة للدولة الوطنية على كافة مواطنيها ومن على أراضيها. كما وافقت على مبدأ السيادة التامة لكل دولة على أراضيها والمساواة في السيادة. وهكذا انطلقت الدول الأوروبية في معراج النهضة.

للأسف في بلاد المسلمين لم نستطع التخلص من حرب البسوس المسمّاة «داحس والغبراء»، التي استمرت في الجاهلية أربعين عاماً، انتهت بعدها وفي مرحلة ما بعد ظهور الإسلام ثم وفاة النبي محمد صلى الهح عليه وسلم عادت هذه الروح الجاهلية القائمة على مفهوم قبلي وعلى الثأر المستمر في دائرة مفرغة لتطحن المسلمين بانقسام لا معنى ولا مبرر له بين من أطلق عليهم الشيعة والسنة، في حين أن الإسلام الصحيح لا يعرف مثل هذا الانقسام.

وقد لعبت عوامل مختلفة وتصورات ذات دلالة، دورها في إثارة بعض الحساسية بين الخلفاء الراشدين، وهم كما قال الإمام البوصيري في قصيدته المعروفة باسم «البردة»

وكلهم من رسول الله ملتمسٌ

غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ

نقول إن علي بن أبي طالب عليه السلام ورضي الله عنه وكرم الله وجهه، كان الخليفة الرابع باختيار المسلمين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل توليه الخلافة كان ناصحاً أميناً للخلفاء الثلاثة الذين سبقوه حتى قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لولا علي لهلك عمر». أقول إن علاقة الخلفاء الراشدين الأربعة ببعضهم كانت وثيقة للغاية، وبعض الخلافات في وجهات نظرهم إزاء تفسير بعض الأحداث والمواقف فهي من قبيل الاجتهاد الذي كان قائماً بينهم جميعاً، ولكنه خلافٌ كما قالت العرب «لا يفسد للود قضية». وزوج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، ولعل ذلك خير دليل على العلاقة الطيبة بينهما وحرص كل منهما على مودة الآخر.

بل إن علياً عليه السلام عيّن محمد بن أبي بكر والياً على مصر رغم صغر سنه آنذاك. وهكذا البنات من حفيدات أبي بكر تزوجن من سلالة علي بن أبي طالب، ومنهن أنجبن جعفر الصادق. كما تزوّجت أخرى من محمد الباقر بن علي زين العابدين، وهكذا كان جعفر الصادق يقول إنه ينتسب لأبي بكر من جهتين، أما نحن اليوم من أنصار علي بن أبي طالب أو من أنصار الآخرين، فقد أصبحت بيننا حرب شعواء وهل نستطيع أن نغيّر الكون ونعيد الخلافة لعلي أو للحسين بعد كل هذه السنين؟ وهل نستطيع أن ندخل أياً من الخلفاء السابقين الأربعة إلى نار جهنم أو ندخلهم الجنة أو نعيدهم جميعاً إلى الحياة لكي يدلوننا على طريق الصواب. إن هذا من المستحيلات، وإذا كان ذلك مستحيلاً فلماذا ننطلق في حرب شعواء بدعوى مناصرة هذا الخليفة أو ذاك ونحن لا نملك من الأمر شيئاً؟

إن ذلك لشيء عجاب من المسلمين سنة وشيعة. ومن ثم فإن الدعوة للتخلّي عن الأفكار التي لا يمكن تحقيقها والتي تجعلنا نعيش في ماضي لن يعود، فالخلفاء الأربعة كانوا من خيرة رجال المسلمين، ومن صحابة النبي الكريم ومنهم من عشيرته الطاهرة، وعلاقتهم ببعضهم كانت على أفضل ما تكون العلاقة، فما بالنا نحن بعد خمسة عشر قرناً نعيش قضايا الخلاف والأحقاد والصراعات التي لا تؤدي إلا إلى إراقة الدماء وغرس النفوس المريضة بالكراهية تجاه الآخر.

إننا نتشارك جميعاً في قرآنٍ واحد، ونبي واحد، ونتعبد لإله واحد، ونتجه لقبلة واحدة وغير ذلك من المشتركات التي هي كثيرة. ونتساءل هل وصل بنا الأمر لتدمير مساجد بعضنا بعضاً؟ وهل لو كان جميع المسلمين سنة أو جميعهم شيعة سنكون أحسن حالاً أم تكون هذه الطائفة أو تلك في عيشة هنية ورغد ويدخلون الجنة بغير حساب؟

إن القرآن الكريم يقول: «ولو شاء ربّك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين» (هود، الآية 118)، كما قال لنبيه الكريم: «إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء» (القصص، الآية 56). وقد شاءت إرادة الله أن يحدث الاختلاف بين البشر وهذه آيةٌ من آيات الله، بأن يكون هناك اختلاف في الألوان والألسن، أي اللغات واللهجات واختلاف الليل والنهار وهكذا، وعلينا أن ندرك أنه قدرنا، وإن علينا إدارة هذا الاختلاف بالحوار وبالكلمة الطيبة، وبالتي هي أحسن حتى نخمد الفتنة في مهدها، ونوقف العداء والصراع والخصام، وعلينا أن نترك حرية الدين لكل فرد، وكذلك حرية المذهب والطائفة، ونحرص على إعلاء شأن الدولة الوطنية، وسيادة كل دولة على أراضيها وعلى مواطنيها، وأن نعيش المستقبل ولا نتحجر في الماضي في دائرة من الظلامية والصراع والثأر المتبادل في حلقة مفرغة.

ونتساءل اليوم، أين هم حكماء الأمة وعلماؤها من الشيعة والسنة لمنع أتباعهم من التشاحن والاقتتال؟ فإن علينا أن نعلي مبدأ التعايش السلمي ونتبادل المصالح والأفكار والآراء إعمالاً لقوله تعالى في «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسنُ فإِذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأَنَّهُ وليٌّ حميمٌ» (فصلت، الآية 34)، ولو تعامل الشيعة والسنة مع بعضهم البعض بالمنطق القرآني لسادت المودة. أما إذا استمروا على الشحناء والبغضاء فسوف تستمر الأحقاد والصراع حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً. فهل يعقل أن يقتل المسلم أخاه المسلم في المسجد وهو يصلي؟ إن مثل هذه الأساليب الشنعاء والوحشية والإجرامية نقلتنا إلى مستوى دون الحيوانات التي أصبحت أكثر حكمةً ورأفةً ورحمةً ببعضها البعض. فهل من عقلانية أيها المسلمون سنةً وشيعةً، رحمةً بأنفسكم وبنبيكم ودينكم وكتابكم وأبنائكم وعشيرتكم وأتباع مذهبكم وإخوتكم في الوطن؟

إن السماء تكاد تنفطر لقتل مسلم، بل لقتل أي إنسان، ولذا قال تعالى: «من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» (المائدة، الآية 32). وإنه لو هُدمت كافة دور العبادة للسنة والشيعة، بل لو هُدمت الكعبة المشرفة، لكان ذلك أهون عند الله من قتل نفس واحدة. وحقاً قال النبي الكريم إن حرمة النفس أكبر عند الله من حرمة الكعبة التي شرّفها الله سبحانه وتعالى. فكم من مسلمٍ قتل بيد أخيه المسلم وهو قائم يصلي في المحراب؟ هل تذكر من قام بفعلته الشنيعة هذه، قول الرسول الكريم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. فاستفسر الصحابة من النبي قائلين: لقد علمنا القاتل فما بال المقتول؟ فردّ عليهم النبي المبعوث رحمةً للعالمين: «لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه». أليس ذلك كله من تسامح الإسلام؟

إنني لا أدري أي إسلام يؤمن به هؤلاء الذين يرتكبون أعمال القتل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... واللهم أهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4647 - الخميس 28 مايو 2015م الموافق 10 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:06 ص

      مقال في أوانه

      لسنا في وضع يجعلنا نتفهم كيف عمل علي مع الثلاثة في مصاهرة و وئام و سلام. لذا يجب البدء في تنقية الروايات التي يستند عليها الطرفان في تكفير الآخر ؛ و أنها من المخترعات و المكذوبات.
      أما التساءل عن حكماء الأمة وعلماؤها من الشيعة والسنة لمنع أتباعهم من التشاحن والاقتتال ؛ فالذي يبدو أن المصيبة هي من هؤلاء العلماء - يئساً أو رضى أو كسلا - ! فكيف يرجى برؤ الأمة؟ المطلوب هو أن شرفاء الأمة من عامة الناس زمام المبادرة ، و إجبار هؤلاء العلماء على إصدار صك عدم التكفير.

اقرأ ايضاً