العدد 4647 - الخميس 28 مايو 2015م الموافق 10 شعبان 1436هـ

الاعتراف والالتزام في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

هناك توافق جدلي بين الاعتراف بمبادئ وقواعد الالتزامات التوافقية والاتفاقية ضمن المشروع الدولي البيئي والقيم والمبادئ العرفية والتقليدية للمجتمعات المحلية في شأن محددات السلوك الاجتماعي الرشيد مع المحيط البيئي والمعالم البيئية ومبادئ الاستهلاك الرشيد والمستدام للموارد البيئية من جانب؛ وحقائق القضايا البيئية والإنسانية وأبعادها الاستراتيجية ومخاطر السلوك البيئي غير الرشيد على الأمن البيئي للمجتمع في بعده المحلي والوطني وعلى المجتمع العالمي في بعده الشامل وأثره السلبي في تراجع خطط العمل لإنجاز أهداف التنمية المستدامة من جانب آخر، وتجسيد ما يجري الاعتراف به من حقائق المخاطر والالتزامات في الممارسات الفعلية للأفراد والدول كمؤشر على تأكيد مبدأ حسن النية في السلوك الاجتماعي والدولي.

المفارقات في جدلية تلك العلاقة يمكن تشخيص حقائقها في المقاربة العملية للواقع ضمن مفاهيم السلوك الفردي والاجتماعي والمؤسسي على المستويين المحلي والوطني من حيث الالتزام بالقيم التقليدية ومنظومة المبادئ والقيم الدينية والقوانين الوطنية من حيث الالتزام بثوابت الحفاظ على نظافة ونقاء المحيط البيئي للإنسان وعدم الاستغلال غير الرشيد للموارد البيئية وتحريم وتجريم الاستغلال الجائر للثروات الحيوية لحياة المجتمع والأجيال المقبلة. ويتطلب ذلك استدراك جوانب الأنشطة والممارسات المختلفة، والإشارة إلى طبيعة السلوك غير الرشيد المتمثل في رمي المخلفات من المركبات وفي مواقع التواجد الاجتماعي وفي الطرقات، وإلقاء الانقاض في المناطق الساحلية والبرية، والتسبب في التأثير السلبي على البيئة وجمالها الطبيعي. وكذلك في الصيد الجائر للثروات البحرية وفي تنفيذ الخطط التنموية في المناطق البحرية التي تتسبب في الإخلال بتوازن نظامها الطبيعي وتدهور موائل الأحياء البحرية وفقدان التنوع الحيوي للبحار في العديد من الأقاليم في العالم.

المقاربة الأخرى لجدلية العلاقة بين محددات الاعتراف والالتزام، يمكن تشخيص واقعها في حقائق مواقف المجتمع الدولي من القضايا الاستراتيجية ذات الأهمية للأمن الإنساني، وكمحور رئيس في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة. وتمثل الحرب عنصراً محورياً في هذه المعادلة، لمنع حدوثها واستبعاد مسببات قيامها، وذلك ما يمكن تبينه في منظومة مبادئ المواثيق الدولية التوافقية المتمثلة في وثائق إعلانات المؤتمرات الدولية بشأن البيئة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، وفي قواعد منظومة الاتفاقيات الدولية المتعددة الأغراض والوظائف ذات الإرتباط بقضايا صون المعالم البيئية والأمن البيئي والإنساني. وذلك التوجه نتيجة طبيعية لإدراك المجتمع الدولي للواقع المأساوي لمخلفات الحروب على البيئة والمجتمع البشري ومستقبل الأجيال المقبلة. فالحروب عنصر شؤم ومصدر للدمار الإنساني والتدهور بعيد المدى للحياة البيئية، وهي تتسبب في تهتك الكيانات المجتمعية والتشرد والجهل والفقر وتدمير المعالم البيئية ذات الأهمية الحيوية لحياة وأمن واستقرار المجتمعات البشرية، وتلك مشاهد متواترة في أحداثها في العديد من المناطق في العالم.

وعلى الرغم من اعتراف الدول بمخاطر الحروب وتحديد منظومة من الالتزامات الدولية للحد من مسببات حدوثها وآثارها التدميرية الإنسانية والبيئية، إلا أن المجتمع الإنساني يعيش أتون الحروب المدمّرة، ولا تعير العديد من الدول ما جرى الاعتراف به من مخاطر وإقراره من مسئوليات والتزامات لدرء مخاطر الحروب على الأمن الإنساني.

والفقر من المعضلات العالمية أيضاً التي جرى الاعتراف بمخاطرها على الأمن الإنساني والبيئي، وفي سياق التفهم الدولي لمخاطر الفقر جرى وضع منظومة من الالتزامات لمكافحة مسبباته، وترتبط تلك الالتزامات بالإجراءات المتمثلة في تعضيد مقومات العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص في التعليم والصحة والعمل، والوصول إلى الموارد ومكافحة مظاهر التخلف والجهل والبطالة، وتوفير العمل الملائم ومحاربة الأمراض المعدية، وتوفير المياه النظيفة والسكن الملائم للحياة.

كما أن تغير المناخ معضلة عالمية أخرى، وعلى الرغم مما تم اعتماده من التزامات دولية بهذا الخصوص، إلا أن هناك بطئاً وتراجعاً في الامتثال لما هو محدد من مبادئ والتزامات قانونية.

والمعالم البيئية بما تشمله من ثروات مهمة لبقاء ومعيشة الإنسان على كوكب الأرض، صارت محور الاهتمام الاستراتيجي للدول وذلك في إطار اعتراف المجتمع الدولي بما يحيط بمنظومة النظم البيئية من مخاطر التدهور المتصاعدة في آثارها السلبية نتيجة الأنشطة الاقتصادية والتنموية والصناعية أيضاً، والاستغلال غير المستدام للموارد الطبيعية والتنوع الحيوي وتجريف الأراضي الزراعية واستنزاف الموارد والثروات البيئية الحيوية للبحار والمحيطات. وتمثل ذلك التوجه في بناء منظومة من الالتزامات القانونية شملت حزمة من الإجراءات الموجهة لصون نظمها الطبيعية، وسنّ التشريعات البيئية وبناء النظام المؤسسي والإداري للرقابة البيئية، وتحديد المعايير البيئية للتخطيط التنموي واعتماد الاستراتيجيات المؤسسة لتنمية الوعي وبناء القدرات البيئية كآلية مهمة لإنجاز ما تم وضعه من التزامات قانونية لصون النظم البيئية كمخرج استراتيجي لبناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.

إن المعطيات الملموسة بخصوص المعضلات البيئية في العديد من البلدان، تشير إلى مؤشرات التراجع بهذا القدر أو ذاك في واقع الامتثال لما جرى تحديده من التزامات على المستوى الوطني والدولي بشأن حماية البيئة، والالتزام بثوابت أهداف التنمية المستدامة مع الاعتراف بوجود مؤشرات الاختلاف من حيث الالتزام بين دولة وأخرى، وهم ما يجعل اعتماد منهج المراجعة والتحقق في الواقع الملموس للالتزام مطلباً استراتيجياً.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4647 - الخميس 28 مايو 2015م الموافق 10 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:01 ص

      التزام

      هناك بعض الدول تعلن التزامها بشكل إعلامي وحقيقية الأمر لا يوجد تنفيذ على أرض الواقع و وكأنما هذا العمل الغاية منه شو فقط والادعاء بأننا دولة حديثة

اقرأ ايضاً