العدد 4658 - الإثنين 08 يونيو 2015م الموافق 21 شعبان 1436هـ

أعلام في التسامح والسلام... هل صار السلام مولوداً هجيناً؟

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

وهي تطوي أسبوعها الثامن، تحظى سلسلة مقالات «أعلام في التسامح والسلام» بمتابعة نقدية وتفاعل إيجابيّ من القراء. لكنّ أبرز ما وصلني رسالة صديق وقارئ عزيز قال فيها: «لم أعد أذكر آخر مرّة التقينا فيها، ولكنّي أذكر جيداً أنّه عليّ أن أتابع ما تكتب عن التسامح والوسطيّة والاعتدال كل أسبوع. تستفزّني أحايين كثيرة عناوين نظريّة لم تعد لوحدها كافية لنشر سلام يُدخِل الطمأنينة إلى القلوب، ويزيل الكروب عن البلاد والعباد في زمن أصبح فيه السلام مولوداً هجيناً غريباً عن أمّة تُبيح الدماء وتسفكها على قارعة الطريق... ويبدو أنّ مثقفي عصرنا انحرفوا عن آليات التفكير إلى آليات التوصيف والتشخيص فما هذا الانفصام الذي نعيش؟».

وفي سياق مشابه، وخلال جولاتي البحثيّة عن الشخصيات أو الهيئات التي ترقى إلى أن تكون أعلاماً في التسامح والسلام من العرب المعاصرين خصوصاً، برز لي مقدار كُرهِ البعض ونبذهم واعتراضهم الشديد على كلّ ما من شأنه أن يدعو إلى التقارب بين أتباع الأديان، أو الحوار بين الطوائف والمذاهب، وعلى كلّ ما من شأنه أن ينبذ العنف على أساس ديني أو طائفي أو غيره. وربمّا أشد ما استفزّني عنوان بأحد المواقع الالكترونية لجماعة دينيّة مسلمة (فتنة الدعوة إلى التقريب والحوار بين الأديان).

وهكذا أجدني أكتب، على حدّ خطاب صديقي المبطّن والصريح، ضدّ التيّار، أو كمن يحرث في البحر، وهي عبارة كثيراً ما ردّدها مدرّسنا حين كان يحاول إصلاح بعض ما كان فاسداً في سلوك طلاب الصف. هكذا ترى يا صديقي أنني أحرث في بحر «الظلمات» حين أنادي إلى السلام في أمّةٍ شوّهت دين نبيها كما لم تشوّه أمة دينها من قبل.

هكذا أجدني، يا صديقي، حين أدعو إلى تكريس قيم المواطنة والعيش المشترك أسبح ضدّ التيار: تيّار التعصّب والإقصاء والتقتيل والتشريد في أمّة وصفها القرآن بأنها خير أمّة أخرجت للناس، أمّة برز العديد من أبنائها على قدرٍ عالٍ من السوء والقسوة والغلظة والإجرام والإرهاب والتخلف، كما لم يظهر به أبناء أمّة أخرى في مطلع هذه الألفية الثالثة.

نعم هكذا أجدني، يا صديقي، من خلال هذا المنبر، ومن خلال التعريف بنماذج من أبرز الشخصيات أو الهيئات العربية الداعية إلى السلام والتسامح في العصر الحديث، كمن يعزف عزفاً منفرداً لا يسمعه إلا هو.

نعم قد أجدني هكذا يا صديقي، ولكنّي أجد أيضاً أنّه من واجبنا، مثقفين وإعلاميين ومربين، أن نتصدّى لدعاة الفتنة والتخريب بالكلمة الحسنة، وأن ندعو إلى حركة تصحيحيّة وننشر صورة إيجابية عن أمّتنا وعلمائها الأجلاء بعد بروز جيل من المُتَفَيْقِهين يفتون ويحللون ويحرمون ويقطعون الرؤوس والأرزاق ويعيثون في الأرض فساداً باسم الإسلام، فإن لم يقرأوا لهؤلاء العلماء الأجلاء ولم يعرفوهم، فعلى الأقل القليل نقدّم، من خلال هذه المقالات، لأبنائنا وقرائنا الأعزاء منارات في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر ممن عايشوا حياتنا وخبروا مآسيها، ولكن لم يجنحوا إلى التكفير بل إلى التفكير، ثمّ التفكير المستنير لبسط سلطان العلم والسلم والتآخي. نعم، إنهم جنحوا إلى التحرير والتنوير بدل التكفير والتغرير.

نعم يا صديقي لا بدّ من التنبيه إلى خطورة تأثُّر الأجيال الصّاعدة بكلّ أشكال التعصّب والعنف، والَّتي تساهم شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية والمنابر الدينية وأحياناً التربوية، في نشر ما تدّعيه انتصارات حين تدمّر الآثار وتخرّب الديار بدعوى تطهير البلاد من الشرك والكفر.

نعم يا صديقي، لا بدّ من التنبيه إلى خطورة تأثُّر الأجيال الصّاعدة بتلك الممارسات، وحثّها على البناء لا الهدم والتدمير؛ بناء الحياة بمفردات الحوار والتّسامح والمحبّة والخير والعطاء.

نعم يا صديقي، المسئوليّة عظيمة تنوء بكلكلها الجبال، مسئولية تربية أولادنا على ثقافة السّلام والفضيلة والتسامح والتعايش والحياة وحفظ النفس البشرية، أليس حفظ النفس البشرية من مقاصد الشريعة الإسلامية؟ مسئولية تربيتهم على عدم الانفعال أو الانجرار إلى العصبيّة والترهيب والعنف والأذى، في فترةٍ تتصاعد فيها الدعوات إلى العنف ورد العنف بالعنف، وهل تحتمل المنطقة العربية المزيد؟

نعم يا صديقي، إنما نحن وأمثالنا قد نكون خارج السرب أو نجدّف ضد التيار، أو كمن يحرث في البحر، لكننا يا صديقي، لن نتوقّف عن حمل راية السلام والدعوة إلى حسن المعاشرة بين الناس، مهما اختلفت أديانهم وتعدّدت مذاهبهم وتنوّعت أصولهم، فقط لأنهم «إنسان» والله كرّم الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4658 - الإثنين 08 يونيو 2015م الموافق 21 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:23 ص

      وين هممثقفو عصرنا؟

      ويبدو أنّ مثقفي عصرنا انحرفوا عن آليات التفكير إلى آليات التوصيف والتشخيص فما هذا الانفصام الذي نعيش؟

    • زائر 3 | 4:49 م

      (فتنة الدعوة إلى التقريب والحوار بين الأديان)

      قضية كبيرة تحتاج نقاشا

    • زائر 2 | 7:02 ص

      أعلام في التسامح والسلام... هل صار السلام مولوداً هجيناً؟

      نعم يا صديقي لا بدّ من التنبيه إلى خطورة تأثُّر الأجيال الصّاعدة بكلّ أشكال التعصّب والعنف، والَّتي تساهم شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية والمنابر الدينية وأحياناً التربوية، في نشر ما تدّعيه انتصارات حين تدمّر الآثار وتخرّب الديار بدعوى تطهير البلاد من الشرك والكفر.

    • زائر 1 | 4:53 ص

      ونِعم المسئولية

      المسئوليّة عظيمة تنوء بكلكلها الجبال، مسئولية تربية أولادنا على ثقافة السّلام والفضيلة والتسامح والتعايش والحياة وحفظ النفس البشرية،

اقرأ ايضاً